منطق الاحتراس من المسلمين أصبح بوصلة للدولة الفرنسية

منطق الاحتراس من المسلمين أصبح بوصلة للدولة الفرنسية

باريس- المعطي قبال

    ثمة غموض يلازم معالجة الإسلام بفرنسا لما يتم الحديث تارة عن الإسلام الفرنسي وتارة أخرى عن إسلام فرنسا. ويحمل الفرق في التمييز دلالات عميقة. ولربما يعتبر الإسلام اليوم، والبحث في شؤونه، شغلا شاغلا فرنسيا سواء على مستوى الخطاب السياسي، الاجتماعي، الثقافي بل وحتى الديني. وقد تشكلت مكتبة وافرة في شتى المواضيع، من الحجاب، إلى الأضحية، إلى المساجد وعنف الضواحي التي تقطنها الغالبية المسلمة. تتضمن هذه المكتبة الجيد والرديء في مجال الدراسات والبحث. وتحظى الدراسات الجيدة والموضوعية بحيز ضئيل لدى القراء والنقاد الإعلاميين أو لدى الدائرة الضيقة لطلبة الجامعات.

   ما يهم الإعلام هي الدراسات النمطية والمبتسرة عن الإسلام والمسلمين، هي شهادات بعض المغاربيين، كتابا أو باحثين، الذين ألفوا تحت الطلب، نصوصا تحقير وتمسيخ للتراث العربي-الإسلامي مركزين على «مناحي وتوجهات العنف التي تسكنه». والأمثلة في هذا الباب كثيرة. ثم هناك فئة من الباحثين، وتمثل أقلية، تمارس نقدا صريحا لكنه بناء للإسلام من دون أحكام مسبقة بل تسعى إلى تحديث الإشكاليات التي طرحها أو عالجها. ينتمي حواس سينيغير إلى هذه الفئة. والباحث عالم سياسي، أستاذ محاضرات في العلوم السياسية بجامعة ليون وباحث في «مختبر المثلث» التابع للمركز الوطني للبحث العلمي. متخصص في الإسلام السياسي المغربي وفي العلاقات بين الإسلام والسياسة بفرنسا. صدرت له عدة دراسات من بينها «الإخوان المسلمون والعقلية الرأسمالية الجديدة. بين التشدد الأخلاقي والرأسمالية المزيفة والمناهضة للرأسمالية».

   هذا الأسبوع أصدر حواس سينيغير بحثا هاما بعنوان «الجمهورية المستبدة. إسلام فرنسا والوهم الجمهوري 2015-2022)»، منشورات لو بور دو لو. في 274 صفحة. في مستهل الكتاب يشير المؤلف إلى أن هذا البحث ليس بيانا مناهضا للدولة كما أنه ليس بحثا هجائيا قادحا ضد الجمهورية. على نهج عالم السياسة كلود لوفور (1924-2010)، يسعى إلى التمييز ضمن الممارسة الديمقراطية بين التعبير الحر وبين الدولة والسلطة السياسية. وتتركز انتقادات البحث أساسا على السلطة السياسية وفي نطاق مرحلة محدودة. لذا لا يتعلق الأمر ببحث أجراه مناضل له مؤاخذات على تنظيم الدولة أو على الجمهورية. على أي يعترف حواس سينيغير بأنه لم يكن يوما مناضلا بالمعنى السياسي الضيق، بل كان غيورا على استقلاليته الفكرية. وبما أن اهتمامه يتركز على الإسلام، يعترف أنه كان مسلما من مرحلة المراهقة إلى غاية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويتعلق الأمر باختيار شخصي. ويشير إلى أن العمليات الإرهابية للمتطرفين عام 2015 دفعته لا إلى العزوف عن الإسلام بل إلى التصريح علنا بانتمائه الديني التعددي. ويستطرد قائلا: «فالمسلم ليس مسلما وحسب بل هو شيء آخر. ليس بنقطة ساكنة. «إسلاميتي ليست سوى جزءا مني. تتوقف على ظرفية معينة لا نتحكم فيها وعلى توجهات متطورة ومتراكمة، متناقضة وتندرج ضمن ظروف غالبا ما تفلت منا».

   يقترح الباحث هنا التفكير بكيفية نقدية في وضعية تتطلب نقاشا صريحا في القضايا التي كانت موضع هذا البحث وبالأخص في موضوع الاسلاموية، الإسلام السياسي المغربي وإسلام فرنسا. يلخص عنوان الكتاب: «الجمهورية المستبدة»، المشروع الذي يسند البحث والقائم على منطق الارتياب والشك الذي أصبح بوصلة للدولة الفرنسية. فمنذ هجمات 2015 طغت السياسة الاحترازية والقمعية للدولة على حساب الحريات الفردية والجماعية. تطورت واتسعت رقعة ممارسات سلطوية بمساندة فاعلين جمعويين، بفضل ناشطين وبعض الباحثين الجامعيين. نشر الترسانة الوقائية ليس بشيء جديد في الأنظمة الديمقراطية. الجديد هم الأشخاص المستهدفون من القمع. يتركز اليوم أكثر من أي وقت مضى على مجموعة من الأقليات ينظر لها على أنها منحرفة بسبب أصولها وديانتها. لذا يتم التضحية بمباديء الجمهورية على مذبح العلمانية التي تم تحويلها إلى أداة عقاب للأجساد والعقول بل إلى مدرسة تعليم مسيحي من دون كنيسة.

   هكذا يسود منطق ارتياب تساهم فيه غالبا بعض وسائل الإعلام فضت رابطتها مع أخلاق المسؤولية. اعتمد هذا الكتاب على مقابلات، لقاءات، نقاشات أجراها الباحث منذ عدة سنوات سواء مع مسلمين عاديين أو مندمجين في النسيج الجمعوي والسياسي، موظفين ساميين، موظفي الدولة، منتخبين…كما غذته المتابعة اليقظة لمسألة الإسلام بفرنسا كما عالجها الأدب الملتزم، الصحافة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. كما ينهل البحث من الأصول النظرية لفلسفة الأخلاق وللسوسيولوجيا السياسية. وعليه يتموقع الكتاب بين الدراسة والبحث التحليلي. منذ 2015 أي منذ الهجمات الإرهابية اتخذ تدخل الدولة في حياة المسلمين شكل مداهمة. ينطبق على هذا الوضع ما أسماه ميشال فوكو بـ «الامتداد الاجتماعي للمألوف»، «والمتمثل في هوس مراقبة المسلمين، بحيث يصبح المألوف هو معيار التفرقة بين الأشخاص» والذي بموجبه تشدد المراقبة على فئة دون غيرها.

Visited 11 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".