هل سيندلع الصراع العسكري بين اليونان وتركيا؟

هل سيندلع الصراع العسكري بين اليونان وتركيا؟

د. زياد منصور

بعد أربع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الأولى، نهضت تركيا مرة أخرى من تحت الأنقاض. في أيلول 1922، انتهى احتلال قوات الوفاق للبلاد بعد قتال ضار. دولة جديدة ومستقلة، تحت قيادة ضابط شاب وديمقراطي وقومي هو مصطفى كمال أتاتورك بدأت بالظهور على أنقاض الإمبراطورية.

استطاعت قوات تضم مجموعة من الآلاف أن تطيح بالجيش اليوناني تحت قيادة أتاتورك، دخلت منتصرة سميرنا (إزمير)، وهي المدينة التي ألحقت رسميًا باليونان إثر نتائج الحرب العظمى رسميًا، لأنه في عام 1919، وتحت شعار حماية 250.000 من السكان المسيحيين، سمح الحلفاء للقوات اليونانية بالسيطرة على هذه الأراضي.

كان من المفترض أن تعود سميرنا، إحدى أقدم المدن اليونانية القديمة، إلى موطنها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. لكن في غضون سنوات قليلة غيَّرت لندن وباريس خططهما فقد الطرفات أي رغبة بالاهتمام بالقضية اليونانية بسبب المصالح والتعاون المربح مع أتاتورك، لأن المدينة، على الرغم من مقاومة الإغريق، عادت إلى الجانب التركي.

بحلول مساء يوم 9 أيلول، عندما أبحرت آخر سفن الحلفاء من الساحل، قام الأتراك، على أنغام الفرق العسكرية وعلى مرأى ومسمع من السفن الحربية المتمركزة في الميناء، بما سمي حينه بأعمال تطهير عرقي في المدينة حيث لا يزال الطرفات يحملان بعضهما البعض أسباب ما حصل ويتهمان بعضهما البعض بالتهجير القسري والاثني والمذهبي.

ففي غضون بضع ليالٍ فقط، تم حرق الأحياء اليونانية والأرمنية بالكامل، وتفجير عشرات الكنائس والمعابد الأرثوذكسية، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وفقًا للحد الأدنى من التقديرات. رُحل الباقون قسراً إلى العمق، وتوفي ثلثهم على الأقل في الطريق.

سوف يتذكر اليونانيون إلى الأبد هذه الأحداث باعتبارها أكبر كارثة وطنية أما الأتراك فيعتبرونها حرب الاستقلال (Kurtuluş Savashi). إن ما حدث في المدينة، التي كانت تُعتبر في أوروبا باريس الشرق الصغيرة، وفي تركيا كان يطلق عليها غير التقية بسبب وجود أغلبية مسيحية فيها، سيصبح نقطة انطلاق في تشكيل الدولة التركية الحديثة. على أنَّ التخلص من احتلال الوفاق واستعادة السيطرة على الأراضي، لم يحل كل التناقضات بين الدول الغربية وأنقرة.

بعد معاهدة لوزان للسلام في عام 1923، خسرت جمهورية تركيا تراقيَّا الشماليَّة والغربيَّة وجميع الجزر في بحر إيجة، باستثناء بوزكادا (تينيدوس) وجوكسيادا (إمبروس(.

أمَّا أثينا، على الرغم من فقدان سميرنا (إزمير)، استعادت نفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط. حصلت اليونان على جميع جزر بحر إيجه تقريبًا، ومعها الحق في السيطرة على معظم مياه البحر والمجال الجوي بالقرب من تركيا، الأمر الذي أدى فقط إلى تعميق التناقضات المتجذرة. من ناحية أخرى، أمّا أنقرة فلم تنس أبدًا ما اعتبرته المظالم القديمة وكانت تنتظر فقط اللحظة المناسبة لقذف مطالبها مرة أخرى في وجه أثينا.

تذكروا ازمير

على مر السنين، ازداد عدد التناقضات شيئاً فشيئا. لقد أصبحت سببًا للعديد من الخلافات اللاحقة بين أنقرة وأثينا، والتي يمكن أن تؤدي مرارًا وتكرارًا إلى الحرب. وهكذا، في عام 1982، صادقت اليونان، دون الدخول في حوار مع تركيا، على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. أرادت أثينا توسيع مناطق النفوذ البحرية والجوية من جانب واحد حول جميع ممتلكاتها المتناثرة بمقدار 12 ميلًا بحريًا (حوالي 22 كيلومترًا).

لم تستطع السلطات التركية الموافقة على هذا القرار، لأن الجمهورية ستفقد تمامًا الوصول إلى بحر إيجه، وستفقد أيضًا أي حق في الاستكشاف البحري. رفضت أنقرة التوقيع على الاتفاقية البحرية وطالبت أثينا بترك حدود المياه الإقليمية حول الجزر حتى 6 أميال (حوالي 10 كيلومترات).

في عام 1995، صرح الجانب التركي أنه إذا زادت أثينا مياهها الإقليمية في بحر إيجه، فإن أنقرة ستعتبر هذا انتهاكًا لسيادتها وسببًا رسميًا لإعلان الحرب.

توتر إضافي للعلاقات بين البلدين والغزو التركي لقبرص عام 1974. نتيجة لذلك، تم إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية (TRNC) ، غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والتي تعتمد بشكل كامل على أنقرة ، في شمال الجزيرة.

في عام 2020، ستصبح الأراضي المحتلة ذريعة للجانب التركي عبر جمهورية شمال قبرص التركية للمطالبة بحصة من حقول الغاز التي عثرت عليها أثينا ونيقوسيا بالقرب من الساحل الجنوبي لقبرص.

على خلفية كل هذه الخلافات التي لم يتم حلها، في 24 آب 2022، اندلع الصراع مرة أخرى بين تركيا واليونان. اتهمت وزارة الدفاع الوطني للجمهورية الجيش اليوناني بملاحقة مقاتلين أتراك في بحر إيجه. وقالت الوزارة إن طائرات F-16 التركية استهدفت من قبل طيارين من القوات الجوية اليونانية خلال مهمة لحلف شمال الأطلسي.

تكررت الحادثة بعد أيام قليلة فقط، الآن فقط أعلنت أنقرة أن أثينا كانت تستهدف صواريخ من نظام الدفاع الجوي S-300 (الدفاع الجوي) على الطائرات. ووعدت الإدارة العسكرية بإثارة قضية الأعمال العدائية لليونان على مستوى الناتو. ونفت أثينا بدورها الاتهامات، قائلة إن الأتراك انتهكوا المجال الجوي ورفضوا الإبلاغ عن خطة الرحلة مسبقًا.

وحث أردوغان اليونانيين في الثالث من أيلول على تذكر الثمن الباهظ الذي يمكنهم دفعه إذا استمرت الاستفزازات. وذكّر الزعيم التركي أثينا بمأساة سميرنا لإظهار جدية النوايا والاستعداد لاستخدام القوة. لقد أراد إنعاش ذاكرة اليونانيين من نتائج المواجهة وأشار مرة أخرى إلى المنتصر في حرب الاستقلال اليونانية التركية.

وفي 9 أيلول، يوم تحرير إزمير، هدد الرئيس أردوغان بضرب اليونان في حالة تصعيد النزاعات الإقليمية. أعتقد أنه من الآن فصاعدًا ستحلل أثينا الخطوات المستقبلية في العلاقات مع تركيا. خلاف ذلك، كما قلت سابقا، يمكن توجيه ضربة في أي لحظة،قال أردوغان.

ما هو سبب هذا التدهور الحاد في العلاقات بين الدولتين؟ أهو صدفة أم هناك أسباب أخرة؟ الاتهامات الأولى بالاستفزازات من الجانب التركي جاءت في اليوم التالي فقط بعد اكتشاف حقل غاز كبير قبالة الساحل الجنوبي لقبرص في 23 أب بمشاركة شركتي الطاقة الأوروبيتين إيني وتوتال إنرجي. وبحسب بعض الخبراء فهناك صلة مباشرة بين قبرص وما يجري اليوم. ويعتقد هؤلاء أنَّ أنقرة لا تحب رؤية أثينا ونيقوسيا بشأن تقسيم الحدود بين جمهورية قبرص والحكومة التركية. وعلى الرغم من أن

هذه المناطق بعيدة عن تركيا، إلا أن أنقرة لا تزال غير مقتنعة بأن القبارصة الأتراك لن يحصلوا على رواسب الغاز الطبيعي. سبب آخر للتشابهات والتمثيلات التاريخية يمكن أن يكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2023.

في 9 حزيران2022، أكد أردوغان نيته المشاركة في السباق الرئاسي. ومع ذلك، أثرت الأزمة الاقتصادية والتضخم القياسي الذي تجاوز 80 في المائة على تصنيفات الزعيم التركي بشدة. وفقا لأحدث البيانات، انخفضت نسبة تأييد الرئيس إلى 41.5 في المائة في تموز، بانخفاض سبع نقاط مئوية عن نتائجنيسان .

وبحسب مراقبين يحتاج رجب طيب أردوغان إلى توحيد الناخبين، وإذا لم يستطع تصحيح الوضع الاقتصادي، فيمكنه اتخاذ خطوات ذات طابع أيديولوجي وعسكري. ومع ذلك، يؤكد هؤلاء إلى أن أي مبادرات عسكرية لأردوغان ستواجه حتما معارضة شديدة من الولايات المتحدة. فتركيا هي الجيش الثاني لحلف شمال الأطلسي، واليونان هي الدولة التي تنشط فيها

الولايات المتحدة عسكريا في السنوات الأخيرة. ويضيف آخرون أن واشنطن لا يمكن أن تسمح بتطور مثل هذا الصراع.

في هذا السياق، يمكن أن يخدم الموقف الصعب للولايات المتحدة أردوغان الطموح. يتكون لدى المرء انطباع بأن أردوغان، غير محرج من التهديدات والمزيد من التصعيد، يسعى للفت انتباه الدول الغربية والبيت الأبيض إلى المشكلة.

الوقت وقت التصعيد واستعادة المباراة

لا يقل أهمية في هذه الظروف الحديث عن المطالبات الإقليمية في هذا التوقيت بالذات. بينما تحاول الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى على خلفية الأزمة الأوكرانية بكل قوتها حشد صفوف ليس فقط الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا حلف شمال الأطلسي، تبرز تركيا من بين الحشود، في محاولة لحل مشاكلها.

ولسبب وجيه. كان أردوغان يريد جلب اليونان إلى طاولة المفاوضات لسنوات. إذ أنّض هدفه هو التوقف نهائياً عن الحديث عن توسع المياه الإقليمية حول بقع من الأرض في بحر إيجه.

في سياق الصراع الروسي الأوكراني، يبدو أنه من الممكن أكثر للزعيم التركي أن يجبر أثينا على الحوار. قد تكون الحاجة إلى ضمان التضامن في المواجهة مع روسيا في نظر الشركاء الغربيين أكثر أهمية من دعم اليونان وخطر خلق بؤرة ساخنة جديدة بالقرب من حدود الاتحاد الأوروبي. في البداية، كانت تركيا تعتزم حل جميع التناقضات مع اليونان بمفردها، دون إشراك الاتحاد الأوروبي. وبحسب مراقبين، فإن أنقرة منزعجة للغاية من تدخل واشنطن، فضلاً عن الدعم العسكري والمادي والسياسي لليونان من الاتحاد الأوروبي.

في آذار، التقى أردوغان برئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس. أعلن ممثلو الدول عن خطط لتحسين العلاقات الثنائية. ومع ذلك، في 23أيار، أصدر الزعيم التركي بيانًا تحدث فيه عن رئيس الوزراء اليوناني بعبارة لم يعد موجودًا بالنسبة لي كان سبب هذا التغيير الجذري هو رحلة ميتسوتاكيس إلى واشنطن، حيث دعا، خلال خطاب أمام الكونجرس الأمريكي، البرلمانيين إلى عدم بيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 لأنقرة.

يعتقد خبراء آخرون أن فشل المحاولات الفردية لحل النزاع أجبر الزعيم التركي على استخدام خطاب صارم لجذب انتباه الولايات المتحدة إلى المحادثات. يشير هؤلاء أن أردوغان ينتظر أن تؤثر واشنطن بطريقة ما على أثينا. إن استعصاء اليونان وموقفها التفاوضي الأقوى، الذي ضمنته الاتفاقيات الموقعة منذ عقود، يجبر الجانب التركي حرفيًا على رفع مستوى الادعاءات والتهديدات. وهكذا، أعلن وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، في حزيران الماضي، عدم جواز عسكرة الجزر اليونانية وطالب بإزالة القواعد العسكرية منها، وإلا هددت أنقرة بإثارة موضوع ملكيتها. بينما تصعد تركيا من خطابها بشأن قضية المياه الإقليمية ووضع الجزر في بحر إيجه، أعلنت اليونان باستمرار معارضتها لتصرفات أنقرة.

تشير أثينا إلى عدم جواز التهديدات ولا تخشى اللجوء إلى دعم الاتحاد الأوروبي. على وجه الخصوص، وعدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، بعد كلام أردوغان بشأن الضربة، بمساعدة اليونان وقبرص في حالة تهديد سيادتهما الوطنية. وأعلن الوزير موقف فرنسا عقب المحادثات مع وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس.

ووصف ديندياس، في حديث مع الوزير الفرنسي، موقف تركيا بأنههجمات عثمانية جديدة. ونصح أنقرة بالتفكير ثلاث أو أربع مرات قبل تنفيذ خطط الهجوم. كما أن رئيس الخارجية اليونانية على يقين من أن أقوال أردوغان عن سميرنا واستعداده لانتزاع الجزر المحتلة ما هي إلا تحريض وتعبير عن ازدراء اليونانيين.

في الوقت نفسه، يبدو أن أثينا، على الرغم من الاختلاف الكبير في القوة العسكرية بين الدولتين، واثقة من نفسها ولا تريد حساب رأي جارتها. تدعي الحكومة اليونانية أنها لم تنتهك قاعدة واحدة من قواعد القانون الدولي من خلال توسيع المنطقة الجوية ومنح الولايات المتحدة الحق في إقامة قواعد عسكرية على الجزر.

وطالما كانت التهديدات التركية شفهية، وإن كانت هائلة، ستستمر اليونان في تأكيد موقفها ولن تستسلم لمنافس قديم في المنطقة. ما يغذي ثقة أثينا هو دعم أعضاء الاتحاد الأوروبي الأقوياء مثل فرنسا، التي تشارك شركتها للنفط والغاز في التنقيب بالقرب من قبرص.

إن النظرة الحديثة للمعاهدات التي أبرمت قبل قرن من الزمان ستؤدي إلى المزيد من الخلافات بين الدولتين. وتدعو أنقرة إلى مراجعة الاتفاقات، إذ تعتبر الاتفاقات الموقعة غير متكافئة في الواقع الحالي. يحرم إرث لوزان تركيا من المزايا في المنطقة ويمكن أن يحد بشكل كبير من وصول البلاد إلى الهيمنة البحرية.

ما الذي يجري اليوم؟

في وقت مبكر من فجر أمس تعرض زورق الدورية LS.-EL.AKT. الذي كان يقوم بتحديد هوية ثلاث سفن صيد تركية تقوم بالصيد في المنطقة البحرية جنوب شرق (جزيرة) فارماكونيسي، داخل المياه الإقليمية اليونانية، لمضايقات من قبل خفر السواحل القوات التركية، والتي أجرت مناورات خطيرة لصدم الزورق اليوناني حسبما أوردت بعض وسائل الإعلام. بعد ذلك، أطلق طاقم زورق خفر السواحل اليوناني طلقات تحذيرية، واتجه الزورق التركي شرقا باتجاه الساحل التركي.

في وقت سابق، في 1 كانون الثاني، اتهم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اليونان بارتكاب أعمال استفزازية وخلق توتر في المنطقة. جاء التعليق بعد أن تفقد أكار القوات المسلحة التركية في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط ​​بالطائرة.

في 30 كانون الأول، أعلن رئيس وزارة الدفاع موقف تركيا من أنه إذا وسعت اليونان مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً، والتي أصبحت الآن 6 أميال، فسوف تغلق المياه التركية عملياً وتمنع القدرة على الوصول إلى المياه الدولية. في هذه الحالة، ستكون تركيا محاصرة في مياهها الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، في 17 كانون الأول، حاولت اليونان اعتراض الطائرات الحربية التركية أثناء تحليقها كجزء من مهمة الناتو. في الوقت نفسه، لم ترد أي تعليقات من الجانب اليوناني. هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 12 كانون الأول اليونان بصواريخ تايفون الباليستية إذا لم تحافظ أثينا على الهدوءولم تغير مسارها لتوسيع ترسانتها من الأسلحة.

قبل ذلك، في 6 كانون الأول، أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أن أنقرة

مستعدة لإثارة مسألة سيادة جزر بحر إيجة إذا لم تتوقف اليونان عن القيام بأعمال استفزازية. ولفت الوزير الانتباه إلى حقيقة أن اليونان تجري تدريبات عسكرية في الجزر المطلة على بحر إيجه، حيث تنص الاتفاقيات على عدم إمكانية وضع أسلحة. وحث جاويش أوغلو أثينا على الامتناع عن مثل هذه الخطوة وحذر من أن تركيا لن تتجاهل التهديدات ضدها.

ظلت تركيا واليونان تتجادلان منذ سنوات حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك وضع الجزر في بحر إيجه. استؤنف الحوار رفيع المستوى بين البلدان في كانون الثاني2021 بعد ما يقرب من خمس سنوات من الجهود المبذولة لتخفيف التوترات بشأن النزاعات الحدودية في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط.

توقعات بشأن مآلات الصراع

الأحداث متوترة للغاية ومتصاعدة وهذا يثير قلق المجتمع الدولي. هناك العديد من العوامل هنا. من وقت لآخر، ربما مرة واحدة في السنة، تتفاقم بالضرورة العلاقات بين اليونان وتركيا، والتي ترتبط بشكل أساسي بالجزر (في بحر إيجه) ​​، التي يُزعم أنها متنازع عليها. حددت معاهدة لوزان، التي تم التوقيع عليها قبل 99 عامًا، إلى حد ما ترسيم الحدود، وتم ترسيم الحدود. لكن في كل مرة تكون هناك قضايا خلافية.

علاوة على ذلك فإن تفاقم الحداث يجري بسبب حقيقة وجود المعادن في المنطقة، وخاصة النفط. وهذا، بالطبع، يسبب منافسة اقتصادية، ورغبة في استخراج واستخدام مادة قيّمة للغاية. على الرغم من إعلان الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، لا يزال النفط اليوم منتجًا مهمًا للغاية لاقتصاد الدولة.

يمكننا القول إن هذا التوتر مرتبط إلى حد ما ببدء حملة انتخابية في عام 2023 حيث سيتم انتخاب زعيم تركيا. بطبيعة الحال، يرغب أردوغان في خوض هذه العملية المهمة جدًا لتشكيل السلطة في تركيا دون عوائق. داخل البلاد، كل شيء ليس بهذه البساطة: الليرة تتهاوى، هناك حالة احتقان وعدم رضى، هناك حركات سياسية مستعدة لالتقاط سارية العلم للزعيم التركي. لذا فإن هذا النوع من التفاقم، إلى حد ما، يسمح لأردوغان بتوحيد الأمة، وتحديد صفاته القيادية كقائد منقذ. أما بالنسبة لليونان، فهم بالطبع غاضبون من هذا النهج. ومعلوم الوضع في عام 1974، وبعد ذلك حددت تركيا الجزء الشمالي من جزيرة قبرص كجزء من أراضيها. هذا نوع من نقطة البداية، والتي، من وجهة نظر اليونان، أيضاً إيجاد حل لها.

نحن نشهد على علاقة معقدة هنا. تركيا واليونان دولتان عضوان في حلف شمال الأطلسي. والحرب بين دولتي الناتو -على الرغم من أن هذا ليس جديدًا -ستسبب تنافرًا معينًا في التحالف العسكري السياسي. وتثير مثل هذه الأحداث قلق المجتمع الدولي فيما يتعلق باتخاذ تدابير من أجل استقرار الوضع في هذه المنطقة البالغة الأهمية من الكوكب.

ينأى أردوغان بنفسه عن كل من موسكو وواشنطن بطريقة غريبة للغاية. بالطبع، هذا يتسبب في موقف غير عادي تجاه تركيا في واشنطن: إنها دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي، وهناك قاعدة هناك (قاعدة انجرليك)، ويتم تخزين الأسلحة النووية فيها، لكن كل شيء ليس بهذه البساطة مع رئيس الدولة، الذي يتمتعبخبرة سياسية واضحة. فمساره لا يعجب واشنطن تمامًا. ولكن إلى حد ما، كان لا بد من قبول ذلك، على

الرغم من فرض عقوبات على أربعة أشخاص فيما يتعلق بشراء تركيا لأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400 Triumf من الاتحاد الروسي. لكننا نرى أن هذه إجراءات وهمية للغاية ضد تركيا.

ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر أنه لا يوجد طرف مهتم بحرب كبيرة. على الرغم من درجة حرارة الصراع المحتدمة، التي دفعت بها بشكل أساسي تصريحات أردوغان، فإن الهدف الرئيسي هو تحقيق كل شيء من خلال الدبلوماسية. وإذا كان تكتيك اليونان هو السعي للحصول على دعم الإخوة الكبار، فإن تركيا تعتمد على نفسها ومستعدة لاستخدام ترسانة كاملة من تناقضات التحالفاتالودية للحصول على ما تريد.

من غير المستبعد حصول مناوشات عسكرية (بين تركيا واليونان). فهذه سوف تجعل من الممكن البدء بنشاط ما من أجل تسوية سياسية ودبلوماسية وتحقيق الاستقرار في هذه القضية. يبدو أن أردوغان يقود الى ذلك. إنه زعيم محنك ففي لج الصراع يظهر قائداً، وفي المفاوضات يبدو متمرساً، فيخلق بعض الصيغ على طاولة المفاوضات التي تسمح بتثبيت الوضع.

ختاماً تكشف حقيقة المواجهة بين الحليفين في الناتو عن عدم ثقة حادة داخل الحلف، الذي يُطلب من أعضائه حماية بعضهم البعض. التناقضات بين تركيا واليونان ليست ناجمة فقط عن الخلافات القانونية الرسمية. إن الأزمة في علاقتهما مخفية في مظالم قديمة وذكريات مآسي وطنية، على أساسها من الصعب للغاية بناء شراكات دون شك.

<

p style=”text-align: justify;”> 

Visited 23 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي