حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي.. والحقيقة كما كان يراها لينين…
عبد السلام بنعيسي
عقب الحملة الدعائية التي تم تنظيمها ضد المغرب بسبب برنامج بيغاسوس والتي اصطدمت بالجدار المسدود، وبعد أن تبعتها حملة الاتهام بتقديم الرشاوي لصانعي القرار الأوروبي من طرف الحكومة المغربية، الحملة التي آلت هي بدورها إلى الفشل الذريع، لأنهما كانتا معا تفتقدان إلى الحجج والأدلة المادية الملموسة لإدانة المغرب، ولأن الرباط لم تحدد موعدا للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لزيارة المغرب، وقع الانتقالُ أوربيا إلى ملف حقوق الإنسان، وها هو البرلمان الأوروبي يعتزم مناقشة وضعية حقوق الإنسان في المغرب، والسعي لاتخاذ قرارات في شأنها، وربما الدفع للعمل من أجل ترجمة تلكم القرارات إلى تدابير تنفيذية من طرف حكومات الاتحاد الأوروبي..
بداية يتعين علينا التأكيد بأن جميع المغاربة يلحون على ضرورة احترام حكومتهم حقوق الإنسان المغربي، ويناضلون من أجل صون هذه الحقوق، كما أنهم يحثون بعض الأطراف النافذة في الجهاز السلطوي المغربي على رفع يدها عن الصحافة المغربية، وتركها تؤدي وظيفتها النقدية والرقابية، والإفراج عن جميع الصحافيين المعتقلين في السجون، بسبب كتاباتهم الصحافية، وعن كل المدونين، ونشطاء حراك الريف الذين لا يزالون يقبعون خلف القضبان الحديدية…
فمن مصلحة الدولة المغربية احترامُ حقوق الشعب المغربي، لأن مهمة الدولة هي خدمة هذا الشعب، والاستجابة لمطالبه، وليس مصادرة حريات العديد من أبنائه، دون وجه حق، وحتى لا تتيح حكومتنا للغرب فرصة الركوب على هذا الملف، بغية ليِّ ذراعها بواسطته….
إنما ما يثير الاستغراب، هي هذه الازدواجية، في الخطاب وفي الممارسة، التي ترافق تصرفات الغرب في موضوع حقوق الإنسان، الحاكمون في أوروبا يطالبون المغرب والجزائر ودول عربية أخرى بضرورة احترام حقوق الإنسان، ولكن الغرب هو بذاته، يدوس بأقدامه، حقوق الإنسان في منطقتنا العربية، ولا يقيم لها أي وزنٍ أو اعتبار.
الغرب دمر الجزء الأعظم من الجغرافية العربية وسوّاها بالأرض، وحوَّلها إلى ركامٍ من الأحجار، وقام بقتل، وتهجير الملايين من أبنائها، وزرع فيها الفتنة الطائفية ورعاها، وأذكى الفوضى المدمرة، وقسَّم نسيجها الاجتماعي إلى مللٍ ونحل متنافرة ومتناحرة، ويفرض حصارا خانقا على بعض مناطقها، كما هو الحال في سوريا، ولبنان، وغزة، لتجويع شعوبها ولمنعها من إعادة إعمار منشآتها، وتركها في حالها البائس الذي صنعه هو لها، فكيف لهذا الغرب الذي يرتكب كل هذه الجرائم المنكرة، أن يحدثنا عن حقوق الإنسان وضرورة احترامها؟
الغرب يرفض إلى اليوم الاعتراف بما اقترفه من انتهاكات فظيعة، وجرائم يندى لها جبين البشرية، ضد الإنسان العربي والاعتذار عنها، إبان استعماره لمنطقتنا، كما فعل مع شعوب أخرى، في تنكُّرٍ كاملٍ لمسؤوليته التاريخية، ثم يأتي الغرب ويزعم أمامنا أنه مهموم بحقوق إنساننا، ويريد من حكوماتنا أن تصون هذه الحقوق وتحترمها؟؟؟
إسرائيل تعلن نهارا جهارا أنها دولة أبارتايد، معتبرة نفسها دولة خاصة باليهود، ولا يحق لغير اليهود العيش فيها، والفلسطينيون أصحاب الأرض تمارس عليهم هذه الدولة العنصرية أصنافا وأشكالا من القمع والاضطهاد، وتعمل على طردهم من بلدهم، ومسلسل القتل، مستمر منذ ما يفوق السبعين سنة، في حصد حيوات الفلسطينيين، ولا يتوقف القتل فيهم يوما واحدا، والكيان الصهيوني يضرب، بعرض الحائط، قرارات الشرعية الدولية، ويرفض التقيد بها، ويقوم، من حين لآخر، بشنِّ الحروب على قطاع غزة، ويُدمنُ قصف الشعب السوري، ويهدد بالعدوان على لبنان وإيران…
والمثير هو أن الغرب لا يكتفي فحسب، بكونه لا ينبس ببنت شفة ضد هذا الكيان وتصرفاته المخلة بحقوق الإنسان، إنما يحميه بالفيتو، ويوفر له المال والسلاح لارتكاب جرائمه في المنطقة، ويبررها له، فأين هي حقوق الإنسان التي تُهدر من جانب هذا الكيان؟ لماذا لا تظهر هذه الحقوق للغرب؟ ولماذا لا يضغط من أجل فرض احترامها على دولة الاحتلال، فعلا وليس قولا؟؟؟؟ ولماذا لم يظهر عدم احترام حقوق الإنسان للبرلمان الأوروبي إلا في المغرب؟ أليس هذا حولا في عيون البرلمانيين الأوربيين؟؟؟
الغرب منزعج من الحضور الأمريكي في المغرب بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، وقلق من بسط أمريكا لسيطرتها على ثروات المنطقة التي يريدها حكرا له كما كان الحال سابقا، والغرب متوتر من التنافس الصيني والتركي والياباني على شمال إفريقيا، باعتبارها البوابة نحو القارة السمراء، ولذلك يضغط بكافة الوسائل من أجل الحصول على نصيبه من الكعكة المغاربية، ومن ضمن وسائل الضغط ملف حقوق الإنسان الذي يُشهرُه اليوم في وجهنا، علما بأن هذه الحقوق هي آخر همِّ الغرب…
أثناء إثارة هذه الازدواجية في سلوك الغرب، وفي تعاطيه مع حقوق الإنسان، ليس الغرضُ من ذلك، الدفاع عن الحكومة المغربية التي لا تحترم هذه الحقوق، الهدف هو تبيان نفاق الغرب وازدواجية معاييره، وسعيه للابتزاز والسيطرة، وإبراز الحقيقة التي يريد الغرب طمسها، فكما يقول لينين: الحقيقة تظل دائما ثورية.