“تأملات في الأدب المعاصر” للدكتور إبراهيم السُّولامي (عرض أولي)
عبد الجبار العلمي
صدرت الطبعة الثانية من كتاب “تأملات في الأدب المعاصر” للدكتور إبراهيم السولامي، عن مطبعة وراقة بلال بمدينة فاس سنة 2022. والكاتب أحد رواد الكتابة والبحث الأكاديمي الرصين ، وأول من كتب حول الشعر الوطني في المغرب ، ويعتبر كتابه القيم “الشعر الوطني في عهد الحماية (1912 – 1956)” أول كتاب صدر في هذا المجال. وأصله بحث تقدم به الباحث لنيل شهادة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور شكري فيصل في جامعة الجزائر سنة 1973، وذلك بأعلى ميزة تمنحُ في هذه الجامعة. وللأستاذ إبراهيم السولامي مؤلفات عديدة ، نذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر : “شعلة الرماد ” – “رأي غير مألوف” – الاغتراب في الشعر العربي الحديث ” (دكتوراه الدولة) – ديوان شعر بعنوان حب” في طبعتين، صدرت طبعته الأولى سنة 1967. ويعد من دواوين الشعر المغربي المعاصر الأولى التي صدرت في المغرب. ويضم قصائد جميلة فيها ماء ورونق، لم نعد نقرأ مثلها في يوم الناس هذا إلا نادرا. ولنا عودة إلى كتابه “تأملات في الأدب المعاصر”، فهو جدير بالدراسة التحليل.
يضم هذا الكتاب أربعة أبواب مرقمة معنونة:
1 ـ بعنوان: “عبر العالم” وييشتمل على مجموعة من الخواطر والرسائل، ويعالج بعض القضايا الاجتماعية والمشاكل التي أفرزها العصر الحديث.
2 ـ في الشعر: ويضم دراسات ومقالات متنوعة حول هذا الجنس الأدبي العريق في أدبنا العربي، ويتميز باهتمامه بالشعر المغربي المعاصر، سواء منه المكتوب بلغة الضاد أو باللغة الفرنسية، أو نمط الشعر الوطني المغربي. كما يتميز هذا الباب بحوار شيق أجراه مع المؤلف الأستاذ الصحافي محمد بوخزار ، دار فيه بينهما حديث طلي حول الرسالة الجامعية الرائدة التي نال بها الأستاذ إبراهيم السولامي الدكتوراه (السلك الثالث) المنوه إليها أعلاه التي نوقشت يوم الاثنين 26 / 11 / 1973 بقاعة ابن باديس بالجامعة الجزائرية، وحول سبب اختيار المؤلف موضوع الشعر الوطني وبالتحديد في عهد الحماية، وتطرق الحديث إلى ما سماه الأستاذ إبراهيم بـ”دعوات مضادة”، وقد تناول فيه جانباً ينزاح عن الشعر الخائن على حد تعبير الأستاذ محمد بوخزار، ويتجلى ذلك في أمرين: أ ـ” للمحات الوطنية التي كانت تظهر من حين لآخر.. في شعر الشعراء الموالين للاستعمار؛ بـ ـ بروز قصائد لشعراء وطنيين، ولكنهم زلوا أحياناً مرة أو مرات، فمدحوا ثم عادوا إلى حظيرة الوطن” (ص 73)، وقد اقتضت النظرة الموضوعية أن تراعى ظروف بعض الشعراء الذين كانوا موظفين لدى الاستعمار ، أو شبه موظفين عند دوي السلطة والجاه مثل شاعر الحمراء وعلاقته بباشا مراكش الجلاوي، وقد تشعب الحديث الممتع حول الشعر المغربي، واختلاف الظروف بين الشمال المغربي وجنوبه بحكم اختلاف نهج الاستعمارين وسياستهم في التعامل مع الأدب والأدباء المغاربة، كما تطرق الحديث إلى الصعوبات التي عانى منها الباحث أثناء بحثه في هذا الموضوع البكر من حيث شح المصادر والمراجع بالعربية والفرنسية، وهذا الحوار ركز في الغالب على البحث الجامعي المناقش من أهم جوانبه، وقد لاحظ الأستاذ بوخزار أن إجابات الأستاذ السولامي كانت مرتجلة، من الذاكرة.. ثم تناول الباحث قضية قديمة حديثة هي قضية السرقات الأدبية في مقال بعنوان “سرقات في الأدب المغربي المعاصر”، ثم خص شاعر الحمراء بمقال موضوعي، التمس فيه العذر لهذا الشاعر اللوذعي في مدحه للعميل الاستعماري الجلاوي، واعترف بشاعريته وقدرته على منافسة بعض شعراء عصره في مصر.
وفي مقال آخر يبرز وطنية شاعر الحمراء، وذلك ما أوضحه وأكده الناقد المغربي الأستاذ أحمد اليبوري في كتابه “شعرية ديوان “روض الزيتون” لشاعر الحمراء الذي صدر حديثاً، وقد عد البعض هذا الشاعر أمير شعراء المغرب. وبالنظر إلى قيمة الشاعر محمد بن إبراهيم، عاد أستاذنا لدراسة ديوانه في فصل خاص بعنوان “ديوان روض الزيتون ـ ملاحظات نقدية”.
3 ـ في القصة: ويقسم الباحث هذا الباب إلى قسمين أساسيين: آ ـ دراسات ومقالات متنوعة حول القصة في الغرب والشرق والمغرب بعضها موضوع، وبعضها مترجم ، نذكر منها على سبيل المثال : كافكا الكاتب التشيكي الذائع الصيت ـ فولكنر صاحب الرواية الباذخة ” الصخب والعنف”ـ هيمينجواي صاحب الروائع الروائية (العجوز والبحر) التي ترجمت إلى جل لغات العالم، ومنها العربية التي ترجمها عدة مترجمين ـ “وداعاً للسلاح” (والمعروف هيمينجواي كان مراسلاً حربياً في إسبانا)ـ “شولوخوف.. كما رأيته ـ “الوجه الحقيقي لشولخوف ” ـ الشهيد مولود فرعون الأديب الجزائري الذي كان ضحية حادثة سير مميتة سنة 1962ـ أسطورة المسيح في قصة “قرية ظالمة” لمحمد حسين هيكلـ “اللعنة والكلمات الزرقاء”، مجموعة قصصية مشتركة بقلم الكاتبين إدريس الصغير والمرحوم عبد الرحيم مودنـ “مع قصص مصطفى يعلى” التي دشنها صاحبها بمجموعته القصصية الرائدة “أنياب في وجه المدينة”. ولا ننسى إشارة الكاتب إلى أديبة فرنسية كانت مقيمة في القنيطرة هي كريستيان مونتانياك التي كانت في الخمسين من عمرها. وقد كتبت وهي في تلك السن باكورة أعمالها وهي الموسومة بـ” أمواج ميناء سبو “/ القسم الثاني من باب القصة: خصصه المؤلف للإبداع القصصي، حيث قام بترجمة مجموعة من القصص اختار كلا منها من بلد : قصة “رعشة” من فرنسا؛ حبَّة السُّلت “من روسيا؛ “وردة إلى أميلي” من أمريكا؛ “مثلك يا سيدي” من كوبا؛ “هذه الدموع” من إفريقيا؛ “المَقْعَد” من إفريقيا. وختم الكاتب قصصه المختارة المترجمة بقصة موضوعة من المغرب عنوانها “المرحومة” لكاتبنا إبراهيم السولامي.
4 ـ في المسرح: ويشتمل على دراسة مترجمة عن الكاتب عبدالله ستوكي بعنوان: إلى أين يسير المسرح المغربي “؟ وعلى مقالة عن مسرحية من ترجمة عن مسرحية طرطوف لموليير بعنوان “ولي الله ” من اقتباس المسرحي المغربي أحمد الطيب العلج.
كتاب “تأملات في الأدب المعاصر” نزهة حقيقية في حدائق متنوعة الألوان، مختلفة الأشكال، عبقة بعطر الفن، ورصانة البحث، وسمو الذوق الأدبي.