ألغام مشروع القانون الإسباني المتعلق بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين
جمال الدين مشبال
طالبت جمعيات ضحايا الإرهاب في إسبانيا، في بيان لها صادرفي 16 فبراير من هذه السنة، مُختلَف الكتل البرلمانية في مجلس النواب الإسباني بالتوقف الفوري عن دراسة مقترح القانون المتعلق بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين المزدادين تحت السيادة الإسبانية في الصحراء، أي ما قبل فبراير1976. وأضاف البيان أن مقترح القانون يتيح “لقادة جبهة البوليساريو كما هو حال الرئيس الدموي إبراهيم غالي – الحصول على الجنسية الاسبانية وعلى معاشات مدى الحياة من الخزينة العامة الإسبانية“.
من المؤسف أن نجد في مشروع قانون هذا خلطاً بين ساكنة الصحراء وعصابات البوليساريو التي قامت بأعمال القرصنة والإرهاب والتي تدَّعي أنها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي”. إننا نتفهم ونُقدِّر مدى السخط الشديد والرفض الذي أعربت عنه في بيانها كل جمعيات ضحايا الإرهاب في إسبانيا وخاصة منها “أكافيت” وهي الجمعية الكنارية التي تمثل ضحايا القرصنة والإرهاب المرتكَب من طرف عصابة البوليساريو والذي يعتبر إبراهيم غالي المسؤول الرئيسي والأساسي عن تلك الجرائم. فهو المخطط لهذه الأعمال الإرهابية والقرصنة بصفته “وزير الدفاع”. المنصب الذي كان يشغله داخل التنظيم الإرهابي.
الأكيد أن لا علاقة لعموم الصحراويين بعصابة البوليساريو الإرهابية، وليس من العدل تحميلهم المسؤولية عن الأعمال الإجرامية والوحشية التي ارتكبتها جماعة مسلحة أنشأها نظام الأوغاد: نظام القذافي في ليبيا ونظام بومدين في الجزائر. بل من الظلم الخَلْط بين سكان الصحراء المسالمين ومنظمة إرهابية. فالغالبية العظمى من السكان الصحراويين يعيشون حالياً في سلام ببلدهم (الصحراء الإسبانية السابقة) الصحراء الغربية المغربية .
من جهة ثانية جبهة البوليساريو (وجمهوريته الزائفة) تنظيم موجود فوق الأراضي الجزائرية وتحت سيادة الجزائر، وتسيطر على مخيمات تندوف، تحت الرعاية والرقابة الصارمة لعسكر الجزائر. التي هي مخيمات تضم بعضاً من ساكنة الصحراء الغربية المغربية وصحراويين محليين من ساكنة تندوف وآخرين من موريتانيا ومن مالي ومن مناطق أخرى من الصحراء الكبرى. صحراويون يعيشون البؤس والشقاء يوميا ويعانون الفقر المدقع ويقتاتون من المساعدات الممنوحة. ومع ذلك يقدمهم نظام العسكر الحاكم بالجزائر، صانع ورب نعمة البوليساريو وجمهوريته الوهمية على أنه “الشعب الصحراوي” 1 .
لهذا السبب، ودون الخوض في تقييم القانون المقترح ككل والذي ترفضه جمعيات ضحايا الإرهاب في إسبانيا، سأقتصر على تسليط الضوء في المقام الأول، على مسألة أولية، تتعلق بالغلط الكبير الموجود في نص مقترح القانون والذي يخلط بين “شعب الصحراء الغربية” و”جبهة البوليساريو” مما تسبب في السخط والرفض المعبَّر عنه من طرف جمعيات ضحايا الإرهاب في إسبانيا، ومن شأنه أيضاً ان يكون مَحطَّ إدانة من طرف المواطنين الصحراويين ويهدد بخلق أزمة جديدة في العلاقات المغربية الاسبانية.
يتعلق الأمر بالمادة 2 من مشروع القانون التي تحدِّد الوثائق التي ينبغي الإدلاء بها لإثبات صفة الصحراوي المولود قبل 26 فبراير 1976 في الصحراء تحت السيادةالإسبانية السابقة. يشير الفصل في الحرف أ إلى تقديم البطاقة الوطنية الإسبانية وإن كانت منتهية الصلاحية وفي الحرف ب إلى شهادة التسجيل في التَّعداد السكاني لاستفتاء الصحراء الغربية الصادر عن الأمم المتحدة. لكن الحرف ج أشار بالنص إلى إمكانية الإدلاء ب “شهادة ميلاد صادرة عن السلطات الصحراوية من مخيمات اللاجئين بتندوف ومصادق عليها من قِبَل ممثل جبهة البوليساريو في إسبانيا” وهذا بيت القصيد ومَربَط الفرس.
يعلم الجميع أن تندوف التي يشير إليها النص، هي أراضٍ جزائرية ، والسلطة المحلية الوحيدة المسؤولة، بما فيها داخل مخيمات اللاجئين، هي السلطة الجزائرية والقانون الدولي العام واضح في هذا الصدد.
من ناحية أخرى، من خلال هذه المبادرة، يتم الاعتراف ضمنيًا وبشكل مُلتوٕ بـ”الجمهورية الصحراوية”، وتمنح لممثليها في إسبانيا مهاماً تدخل في مجال القانون الدبلوماسي والقنصلي التي تحددها اتفاقية فيينا المؤرخة بـ 18 أبريل 1961 المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية، واتفاقية فيينا بتاريخ 24 أبريل 1963 المتعلقة بالعلاقات القنصلية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحرف ج من المادة 2 من القانون المقترح الذي يفيد بإمكانية الإدلاء بـ “شهادة ميلاد صادرة عن السلطات الصحراوية من مخيمات اللاجئين بتندوف ومصادق عليها من قِبَل ممثل جبهة البوليساريو في إسبانيا” لا يخرق قواعد القانون الدولي وحسب، بل يتجاهل واجب محاربة الإرهاب وأيضًا الالتزامات الدولية في محاربته. فهناك تجاهل مذهل واستخفاف غير مفهوم عن تورط البوليساريو في أنشطة إرهابية مع العلم أن من بين ضحاياها مئات الإسبان. وتم توسيم بعض الضحايا بعد وفاتهم، ونُشرت أسماؤهم في الجريدة الرسمية. كما أن الجمعية التي تمثل حوالي ثلاثة مائة من الضحايا تؤكد ان عائلات بعض ضحايا إرهاب البوليساريو لا زالت تنتظرالتوصل بالمعاشات المعترف لهم بها.
من جهة أخرى فإن مشروع القانون المعروض على أنظار مجلس النواب الاسباني يتجاهل كون “السلطات الصحراوية في مخيمات اللاجئين بتندوف”، المشار إليها في المادة المذكورة أعلاه، هي “سلطات” توجد فوق أرض جزائرية، وهي المشرفة على مجموعات البوليساريو الإرهابية التي ارتكبت عمليات القرصنة والإرهاب ضد المواطنين الإسبان ومراكب صيدهم، ثم العودة إلى نفس المكان حاملة الغنائم المُكوَّنة من رهائن تم اختطافهم بعد إغراق مراكبهم وقتل رفاقهم. إلى يومنا هذا لم تُقدم الجزائر (ولا البوليساريو التابعة لها)ـ وهي المسؤول الأول والأساسيـ أي اعتذار ولا أي طلب صفح، ولم تعرب أية واحدة منهما عن أي ندم، أو استعداد لتقديم تعويض وجبر للضرر الناجم عن أعمالهم الإرهابية.
فهل من المعقول – باعتبار ما سلف – أن يُخَوِّل المُشرِّع الإسباني لهذه “السلطات” المرتبطة بالإرهاب اختصاص تسليم الشهادات المذكورة؟ وهل ستتوفرهذه الشهادات على المشروعية والمصداقية؟
إنها مبادرة في غير محلها وزائفة. لذا ينبغي أن نتفهم رد الفعل الغاضب الذي عبرت عنه كل جمعيات ضحايا الإرهاب والقبول بطلبهم الداعي لرفض مقترح هذا القانون. لكن الأسوأ، هو رد الفعل المحتمل للمغرب بسبب هذا الاعتراف الضمني والملتوي بسلطة جبهة البوليساريو وجمهوريته الوهمية كما أنه من باب التناقض أن نطلب، بعد كل هذا، من المغرب أن يستمر في تعاونه في مسألة الإرهاب، في حين أن موقفنا هنا في اسبانيا انتقائي. وتتجلى هذه الانتقائية في اعتبار كل العمليات الإرهابية المُقترَفة في حق مواطنين إسبان على يد عصابات إيتا، والغرابو ومتطرفين إسلاميين وغيرها، كلها أفعال إرهابية لمنظمات إرهابية باستثناء البوليساريو؟
المسؤول الأول عن هذا الإرهاب هو الأمين العام الحالي لجبهة البوليساريو الذي يسمي نفسه إبراهيم غالي ، والحامل أيضًا لأسماء وألقاب أخرى ويحمل هويات عديدة وجوازات سفر متنوعة وكلها بتواريخ ميلاد مختلفة وفي اماكن ميلاد متناقضة. تماماً وكما هو الحال بالنسبة لأفراد العصابات والمنظمات المسلحة المختصة في الجريمة المنظمة والإرهاب. وأصبح هذا الأمر مفضوحاً عندما أصيب هذا الشخص بفيروس كورونا فدخل إسبانيا عن طريق الاحتيال بجواز سفر دبلوماسي مزور، بهوية جزائرية مزيفة تحت اسم بن بطوش و مخفياً جنسيته الإسبانية التي استعادها عام 2004 بشكل غامض وأبقى عليها سراً مكتوماً لكونه يتعارض مع الصفة المزعومة التي يحاول عسكر الجزائر تقديمه بها وهي”رئيس جمهورية ذاة سيادة” عاصمتها في الأراضي الجزائرية!
من المؤسف أن نجد تنظيمات حزبية إسبانية تتخذ من قضية الصحراء المغربية، لأسباب إيديولوجية متجاوزَة، أو لتصفية حساباتها مع الحزب الحاكم . مواقف انتهازية على حساب المصالح الكبرى والحقيقية لإسبانيا. إنها تنظيمات ضلت السبيل وتاهت في رمال الصحراء وراء السراب. فهي لن تضر المغرب في شيء ولن تنفع أنصار الانفصال البتة. لأن المغرب يصدق في حقه الحديث القدسي “أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلَّمتَ لي فيما أريد، كفيتك ما تريد وإذا لم تُسلِّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد “.
(1) عبارة “الشعب الصحراوي” تستعمله بالأساس وسائل الإعلام الجزائرية وجبهة البوليساريو.