عندما كانت التلفزة المغربية بصدد تجديد لباسها        

عندما كانت التلفزة المغربية بصدد تجديد لباسها        

عبد السلام البوسرغيني

ماذا يمكن لي أن أقول عن تلفزتنا وقد كانت محورالاهتمام على اعتبار أنها المؤثر الأساسي في الحياة الوطنية في فترة من الفترات العصيبة التي مرت منها بلادنا؟ سأروي هنا إحدى قصص تلفزتنا عندما كانت بصدد تجديد لباسها استعدادا لما ينتىظرها  من  أحداث جسام في السبعينات.

كان لي صديق يعشق الصحافة ويجد ضالته في مرافقة الصحفيين، فكيف أصبح صديقا لي؟ أتذكر اسمه الذي ظل راسخا في ذهني، إنه  السيد أحمد زويتن الذي غاب عني منذ عقود. كان يأنس برفقتي وكنت أسعد بمرافقته. أخذني معه مرة لزيارة صهر له في منزله وجلسنا نأنس برؤية التلفزة الملونة، التي لم تكن قد شاعت في المنازل. كان مضيفنا من الذين حصلوا على جهاز للبث الملون بحكم عمله كمهندس في التلفزة المغربية .

    وكشيء جديد بالنسبة لي، سألت مهندسنا كيف أمكن لتلفزتنا أن تتحول في بث برامجها من الأبيض والأسود إلى البث الملون؟ كانت القصة التي حكاها لي مشوقة وتثير فضول الصحفي. 

استعدادا لإجراءات البث التلفزي للألعاب الأولمبية لمونيخ الألمانية سنة 1972، استدعى المسؤولون عن الأجهزة التلفزيونية الألمانية وفودا من محطات التلفزة الدولية، كان من بينهم صاحبنا المهندس المغربي، فوجد  أن ما تتوفر عليه أجهزة البث التلفزي في ألمانيا لا يختلف عن الأجهزة المتوفرة في التلفزة المغربية، باستثناء الكاميرات التي لدى تلفزتنا، فقدم بذلك تقريرا لوزيرالأنباء المرحوم مجيد بنجلون، واقترح عليه أن يقوم برحلة إلى باريس للاتصال بالشركات المختصة في تجارة التجهيزات التلفزيونية، فعاد مزودا بعدد منها مجانا، وتم توزيع أجهزة الالتقاط عبر مناطق مغربية متباعدة للتأكد من نجاح البث الملون.

وبالتأكيد فإن التوزيع شمل كبار المسؤولين في الدوائرالعليا، الذين كانوا متشوقين إلى نجاح بث “خطاب العرش” لتلك السنة بالألوان، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.

ولما علمت بأن عملية البث الملون التي كانت تبدو آنذاك شيئا مهما، وأنها لم تكلف أكثر من نفقات رحلة قصيرة إلى باريس، أغراني الحدث وقدمته بهذا العنوان في جريدة “الأنباء”، ولم أكن أتوقع ما قد يكون له من مضاعفات وما قد يسببه لصاحب القصة من متاعب. وبعد بضعة أيام تلقيت مكالمة منه يؤنبني على ما نشرت، نظرا لما تسبب له من متاعب مع وزيره الذي أوقفه عن العمل كعقاب له على ما كشف عنه من أسرار.

ما حدث بعد ذلك كشف لي عن السر في غضبة الوزيرعلى المهندس، إذ بمجرد ما أعفي  المرحوم مجيد بنجلون من منصب وزيرالانباء وإسنادها الى المرحوم أحمد الطيبي بنهيمة، حتى أعيد المهندس إلى التلفزة، لا فقط كمهندس بل كمدير لها، لأنه كان السبب في تحويل البث التلفزي إلى الملون، ليلتحق المغرب بركب التقدم التقني الذي كان في طورالانتشارعبرالعالم قبل أكثر من خمسين سنة.

  إن من يعرف التهافت على الكسب الذي كان سائدا في ذلك الحين لدى عدد من المسؤولين، يدرك من خلال ما كان عليه الوضع في وزارة الأنباء، إنه قد وقع تغليط الدوائر العليا ودفعها إلى الإنفاق بسخاء لكي تصبح التلفزة عندنا في مستوى العصر، مع أن عملية تحويل البث التلفزي إلى البث الملون لم تكلف سوى نفقات رحلة قصيرة لباريس.

فهل كان الوزير مجيد بنجلون قد تلقى تنبيها يشعره بأن أخطأ الصواب؟ لا أعتقد حدوث ذلك، لما أعرفه عن السلوك السائد لدى الدوائرالعليا. لكن يكفي أن الوزيرالمعفي من منصبه رأى المهندس الذي كان محل عقاب يعود إلى التلفزة كمسؤول، في وقت كان هذا الجهاز الإعلامي ينظر إليه كإحدى أدوات النظام التي كانت محل اهتمام في الدوائر العليا لتهيئ البلاد لما تعيشه، ولما ينتظرها من أحداث هامة في ذلك العقد السابع من القرن الماضي، وأهم تلك الأحداث  المسيرة الخضراء المظفرة .

     كان علي أن أنبه صديقي المهندس قويدر بناني، وهوقطب قصتنا هذه، إلى أن النزاهة من شأنها أن تساهم في ترقية الانسان، كما حدث له، أو على الأقل أن تجعله مطمئن البال وسعيدا بنزاهته. نعم لقد فعلت ذلك وأشعرته لما قد يكون له من تأثير على الغير.

   الدار البيضاء 24 فبراير 2020

شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *