على هامش تصريح مديرة الوثائق الملكية.. إلى أين يفضي التصعيد بين المغرب والجزائر؟؟؟
عبد السلام بنعيسي
إثر حلولها ضيفة على منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء، تناولت مديرة الوثائق الملكية بهيجة السيمو موضوع الصحراء الشرقية التي توجد حاليا جنوب غرب الجزائر، ووصفتها بـ”أرضٍ مغربية”، وقالت الضيفة أمام حشدٍ من الإعلاميين ومن الضيوف، إنها “حصلت على وثائق عن طرفي الصحراء من دول أوروبية”، وأشارت إلى أن “الوثائق التاريخية المحفوظة تؤكد مغربية الصحراء -الغربية-، كما تؤكد أيضا مغربية الصحراء الشرقية”، مضيفة أن هذه الوثائق متوفرة ويمكن الاطلاع عليها، وأكدت أنها لا “تشمل المراسلات والبيعات فقط، وإنما تضم أيضا عددا من الخرائط والاتفاقيات، ورسومات للحدود، منذ العصور الماضية وإلى اليوم”..
منصبُ مديرة الوثائق الملكية في المغرب ليس منصبا عاديا، إنه منصب سياسي حساس، ويمكن القول إنه منصب سيادي، فالوثائق الملكية التي بين يديها وتسهر المديرة على حفظها، هي بمثابة ذاكرة المغرب الرسمي، وهي محفظة تاريخه وأسراره، وعليها يستند لإثبات ملكيته للأراضي التي بحوزته. وحين تتطرق مديرة الوثائق الملكية إلى موضوع الصحراء الشرقية، فإنها لا تدلي بتصريحها حول هذا الموضوع، بشكلٍ عابرٍ ومجاني، ومن تلقاء نفسها، دون التشاور حوله، وأخذ الإذن بصدده.
المؤكد هو أن السيدة بهيجة السيمو، بحكم منصبها، فإنها كانت تنفذ تعليمات صدرت لها من الجهات العليا. لا شك في أنها، بتصريحها ذلك، كانت ترسل، بطريقة غير مباشرة، وبأوامر عليا، خطابا سياسيا رسميا إلى الدولة الجزائرية، مفاده، أن المغرب، سيطالب، منذ الآن، باسترجاع الصحراء الشرقية من الجزائر، لأنه يعتبرها جزءا من أرضه، وأن لديه الأدلة، والوثائق التاريخية، والقانونية التي تؤكد أن الصحراء الشرقية، مغربية.
إن المنتدى الذي تمَّ عقده في مقر وكالة المغرب العربي، وهي الجهاز الرسمي للدولة المغربية، لبثِّ الأخبار ونشرها، والدعوة التي تم توجيهها لمديرة الوثائق الملكية لحضور المنتدى، كان الغرضُ منها، على ما يبدو، هو الإدلاء بهذا التصريح عن مغربية الصحراء الشرقية. لقد كان المراد لخطاب السيدة بهيجة السيمو أن يُعمَّم، ويُنقل على نطاقٍ واسع، باعتباره، أضحى، منذ لحظة الإعلان عنه، بمثابة رأي الدولة المغربية الواجب اعتماده، والترويج له، ربما، كتمهيدٍ للانتقال إلى العمل الدبلوماسي من أجل المطالبة باسترداد الصحراء الشرقية التي توجد حاليا بحوزة الجزائر، أو أقلُّهُ، التهديد باللجوء إلى هذا الخيار من طرف المغرب، ووضعه على الطاولة.
الجزائر التي كانت تشكك في مغربية الصحراء الغربية، وتساند جبهة البوليزاريو الساعية للانفصال، بات المغرب اليوم بدوره يشكك في جزائرية الصحراء الشرقية، ويطالب باستردادها منها، وهذا يفيد بأن التصعيد بين البلدين يتفاقم ويزداد حدة وسخونة يوما عن آخر، فإذا كانت الجزائر قد أغلقت الحدود البرية، والمجال الجوي في وجه المغرب، وأوقفت العمل بأنبوب الغاز المار من المغرب صوب إسبانيا، وصارت تحاصر المغرب من الشرق، فإن الرباط فرضت أيضا حظرا على التحرك في المنطقة العازلة لعناصر البوليزاريو، وصارت تمنع أي نشاط يقع فوق هذه المنطقة، أو بالقرب منها، وكل من يحاول تجاوز هذا الحظر في الجهة الغربية للجزائر، تتصيده الطائرات المسيرات وترديه أشلاء، فالحصار المفروض على المغرب جزائريا، من جهة الشرق، صار يقابله حصار مغربي على الجزائر من غربها…
ومع السباق نحو التسلح الذي ينخرط فيه البلدان، وتخصيصُ كل واحدٍ منهما جزءا كبيرا من ميزانيته، لاقتناء الأسلحة، ومع القيام بالمناورات العسكرية على الحدود، وفي ظل الشحن الإعلامي الذي يُحرض على الكراهية والحقد بين الشعبين في الصحف، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومع القطيعة التي تم إرساؤها بين المسؤولين في الجهتين معا، لا يملك المرء إلا أن يضع يده على قلبه متسائلا، إلى أين سيؤدي هذا التصعيد بين الدولتين وإلى أين سينتهي؟ هل له سقف لن يتجاوزه، أم أنه سيستمر في تصاعده إلى أن يصبح اشتباكا وحربا طاحنة بين الطرفين؟ لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن هناك عملا أو توجها نحو تنفيس هذا الاحتقان المحتدم بين الرباط والجزائر، كل المعطيات المتوفرة تشير إلى أن التوتر سيتفاقم، وأن ناره ستستعِرُّ.
إذا اندلعت حربٌ طاحنة بين المغرب والجزائر سيكون الطرفان خاسرين فيها، إذ ستُدَمَّرُ مدنهما وقراهما الموجودة على الحدود، وستخرب منشآتهما، ومؤسساتهما، وعمرانهما، وسيسقط الآلاف، إن لم نقل الملايين من المغاربة والجزائريين، ضحايا للحرب، وستعم الفوضى الدموية المنطقة، وقد تُترك لمصيرها ولتناحرها لسنين طويلة كما جرى في الحرب العراقية الإيرانية، وحين يشعر المتقاتلون بالتعب والإنهاك، وقتها قد تتدخل القوى العظمى، لتفرض الحلول التي تبدو لها مناسبة، على الطرفين، وقد لا تروق هذه الحلول لا للمغرب ولا للجزائر، وقد يتضرر منها كلاهما، وسيتجرعانها رغما عن أنفهما، فلماذا لا يجلس السياسيون المغاربة ونظرائهم الجزائريون على طاولة المفاوضات منذ الآن، ويعملون جاهدين، باختيارهما، من أجل العثور على حلول للمشاكل القائمة بينهما، ويطويانها بما يفضي إلى بناء المغرب العربي الكبير الذي تستفيد من بنائه الساكنة المغاربية الممتدة من موريتانيا إلى ليبيا؟؟؟
المغرب والجزائر قوتان متكافئتان، كل واحدة منهما قادرة على إزعاج الأخرى ومنعها من فرض سيطرتها عليها، إذا سارت القوتان في تجاه واحد، وبتناغم وتعاون بينهما، من المؤكد أنهما ستتقدمان إلى الأمام، وتجران معهما المنطقة المغاربية برمتها نحو الوحدة والتطور، والبناء، والازدهار، أما إذا سارتا بشكل متعاكس، كلُّ واحدٍ في الاتجاه المتعارض مع الآخر، فلن تتحرك وتتقدم أي دولة منهما. ستظل كل دولة في موقعها، وستمكث غارقة في مشاكلها الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، ومعها المنطقة المغاربية. أليس في البلدين عقلاء يرجحون كفة الحوار، والتفاهم والتعاون، بدل لغة القطيعة، والتصعيد، والمواجهة التي لم نجن منها شيئا منذ الاستقلال إلى اليوم؟؟؟؟