هَلْ سَتَتَخَلَّصُ السَّعُودِيَة وَالمَغْرِب مِنْ هَيْمَنَة أَمْرِيكَا؟

هَلْ سَتَتَخَلَّصُ السَّعُودِيَة وَالمَغْرِب مِنْ هَيْمَنَة أَمْرِيكَا؟

رحمان النوضة 

   في يوم الخميس 9 مارس 2023، وَفي مَدينة بِيكِين، وَقَّـعَت السَّعُودية وَإِيرَان (العَدُوَّان السَّابِـقَان)، تحت رِعَايَة الصِّين، إِتِّـفَاقِية أَوَّلِيَة لِـ «تَطْبِيع» العَلَاقات بينهما. وهذا تَغَيُّر اِسْتْرَاتِيجِي جَدِيد، وَهَام، في الشَّرق الأوسط. لأنه مُؤَشِّر مَلمُوس على بداية الإنتـقال مِن عالم أُحَادِي القُطْبِيَة (تحت هَيْمَنَة أمريكا)، إلى عالم مُتَـعَـدِّد الأَقْطَاب (تَتَنَافَسُ فيه أمريكا، والصِّين، وَرُوسْيَا، والهِنْد، والبرازيل،…). ولأن أمريكا وإسرائيل تَـعَـوَّدَتَا، خلال عُـقُود مُتَوَالِيَة، على زَرْع الشُكُوك، والأَحْـقَاد، والْاِنْـقِـسَامات، والعَدَاوَات، والمُنَاوَشَات، والحُرُوب، والخَرَاب، فِيما بين البُلْدان المُسْلِمَة، أو النَّاطِـقَة بِالعَربية. لكن بعض البلدان العربية، بما فيها مَمْلَكَات وَإِمَارَات في الشرق الأوسط، بدأت تُدْرِكُ أن ما تَخْسِرُه في إطار علاقاتها مع أمريكا وإسرائيل، هو أكبر بكثير مِمَّا تَرْبَحُه من هذه العلاقات.َ

وَسَارَع العراق، وَعُمَان، وَسُورْيَا، وَلُبْنَان، إلى التَرْحِيب بهذه الْاِتِّـفَاقِيَة الأَوَّلِيَة الإيجابية.

ومن الواضح أن هذه الاتفاقية (بين السّعودية وإيران) تُشكِّل لَدَى السَّعُودية بِدَايَةَ عِصْيَان تُجَاه التَبَـعِيَة السَّابِـقَة المُطْلَـقَة لِلْوِلَايَات المُتحدة الأمريكية. ومن الواضح أيضًا أن «الحائط» الذي سَبَـقَ أن بَنَتْهُ إسرائيل بينها وبين إيران، والمُكَوّن (بِالوَكَالَة) من المَمْلَكَات والإمارات العربية في الشّرق الأَوسط (بما فيها السَّعُودية)، قد بَدَأَ يَتَهَاوَى. وهي اِنتكاسة جديدة تَنْضَاف إلى الاِنْتِـكَاسَات الدَّاخلية التي تُـعَانِي منها إسرائيل (وأبرزها الصّراع الحَاد حول تَحويل جهاز القضاء إلى مُؤَسَّـسَة خَاضِعَة لِلسُّلْطَة السياسية التنفيذية).

وقد لَعِبَت سَلْطَنَة عُمَان، وَجُمهورية العراق، دورا مهمًّا (وَسِرِيًّا) في تَهْيِـئ هذه التَـقَارُبَات والتَـفَاهُمَات فيما بين السّعودية وإيران. لكن بعض المُلاحظين يُرْجِعُون الدور الكبير في هذه التـطوّرات إلى الأمير الشّاب السعودي محمد بن سَلْمَان، الذي تُنْسَبُ إليه طُمُوحَات إخراج السعودية من وَضْعِيَة العَبَث، والتَخَلُّف، والاستغلال، والانحطاط، التي أَغْرَقَتْهَا فيها الإِمْبِرْيَالِيَات الغربية مُنذ عُـقُود.

وقد دافع الأمير محمد بن سلمان، منذ يُناير 2016، عن «بَرنامج 2030»، الذي يهدف إلى تَـعْـمِيق الرَّأْسَمَالِيَة في السّعودية، وَ «تطوير الاقتصاد السّعودي إلى اقتصاد مُتَنَوِّع، ومُنْـفَـتِح، ومُصَنَّـع، وَحَدَاثِـي»، وَ«تَـقليص التَبَـعِيَة تُجاه النَّـفط»، و«تنمية مَناجم اليُورَانْيُوم»، وَ«خَوْصَصَة التعليم والصِحَّة»، وَ«تَـقليص المساعدات الاجتماعية» (التي ظلّت سَخِيَّة جدًّا في السعودية)، وَ«إِدْخَال الضَرِيبَة على القِيمَة المُضَافَة» (لجلب موارد لخزينة الدولة)، الخ.

وَكَرَدِّ فِعل فَوْرِي وَمُباشر على إِتِّـفَاقِية التَـقَارُب والتَـعَاوُن فيما بين السّعودية وإيران، تَصَاعَدَت صَيْحَات التَخَوُّفَات، والتَنْدِيدَات، والتَهْدِيدَات، والمُؤَامَرَات، من طَرَف إسرائيل، والولايات المتّحدة الأمريكية، وعموم الإمبرياليات الغَربية، التي أَلِـفَت الْلَّـعِـب على مَنْهَج «فَرِّق تَسُد». حيث كان أساس اِسْتِـغْلَال وَنَهْب البلدان المُسلمة والناطقة بالعربية هو تَـقْسِيمُها، وَتَـفْـرِيقُها، وَتَأْجِيج التَوَثُّرَات والعَدَاوَات والمُنَاوَشَات فيما بينها.

وَكَنَتِيجَة فَوْرِيَة وَمُباشرة لهذه الْاِتِّـفَاقِيَة الْأَوَّلِيَة بين السعودية وإيران، ظَهرت بِدَايَات مَلَامِح تَـقَارُب بين السّعودية وَسُورْيَا، واحْتِمَال رُجُوع “جَامِعَة الدول العربية” إلى سُورْيَا، وَانْـفِـرَاج في مسألة اِنْتِخَاب رَئِيس جُمهورية لُبْنَان المُعَطَّل منذ قُرَابَة عام، واسْتِـعْـداد لدى السّعودية لِإِنْهَاء الحرب المُخَرِّبَة في اليَمَن، إلى آخره. وهي كلها بِدَايَات لِـتَـغْيِيرات ذات أَبْـعَـاد اِستراتيجية وَهَامّة في الشرق الأوسط.

فَـتَـتَـبَادَرُ فَوْرًا في الذِّهْن التساؤلات التَالية : هل تَـقدر أنظمة سياسية أخرى (مِن مِحْوَر المَمْلَكَات والْإِمَارَات العربية)، مثل الإِمَارَات، وَقَطَر، وَالكُوِّيت، والبَخْرَيْن، وَعُمَان، وَالأُرْدُن، وَالمَغْرِب، على اِتِّبَاع مَنْهَج مُمَاثِل لِمَنهج السَّعُودية، المُتَمَرِّد على هَيْمَنَة أمريكا ؟ خَاصَّةً وأن السَّعودية تَلْعَبُ دَوْرًا قِيَّادِيًّا تُجاه هذه المَمْلَكَات والإِمَارات. وهل يَـقدر النظام السياسي القائم في المغرب على أن يَـفْـهَـم، هُوَ أيضًا، أن عَدَاوَتَه المُصْطَنَـعَـة مع جَارَتِه وَشَـقِـيـقـته الجزائر (مثل العَدَاوَة القَدِيمَة بَيْن السَّعُودية وَإِيرَان)، تُـكَـلِّـفُـه خَسَائِـرَ هَائِـلَـة، وَلََا تَخْدُم سِوَى مصالح إسرائيل، والدُّول الإمبريالية الغَربية؟ وهل يقدر النظام السياسي القائم في المغرب على اِتِّخَاذ مَواقف سيّاسية ذات طبيعة «وَطَنِيًّة»، وَ«مُسْتَـقِـلًّة»، عن هَيْمَنَة إِسْرَائِيل، وعن سَيْطَرَة الدُول الإِمْبِرْيَالِيَة الغَربية؟ وَهَلْ يَـقْدِرُ النظام السياسي القَائِم في المغرب على تَطْبِيع عَلَاقَاتِه مع إِيران (مِثْلَمَا طَبَّعَت السَّعُودِيَة عَلَاقَاتِهَا مع إِيرَان)؟ وَمَتَى سَيُدْرِك النظام السياسي القائم في المغرب أن تَبَـعِـيَـتَـه المُطْلَقَة، بَل اِنْبِطَاحَه التَّام، لِاسرائيل، وَلِلْإِمْبِرْيَاليَات الغَربية، وَاِتِّـبَاعَه لِمَنْهج الرَّأْسَمَالِـية التَبَـعِـيَـة المُـفْـتَـرِسَة، لَنْ يَجْنِـيَ منها سِوَى الدَسَائِـس، والْاِسْتِـغْـلَال، والفَسَاد، والتَخَلُّـف، والْاِنْحِطَاط، والخَرَاب؟ وهل سَيَـقدر ملك المغرب على الْاِقْتِدَاء بِـ «وَطَنِيَة»، أو «شَجَاعَة»، أو «تَمَرُّد»، الأمير الشَّاب محمد بن سَلْمَان؟ (وَلَوْ أن سياسيات محمد بن سلمان ما زَالت شَبَابِيَة، وَمُتَـقَـلِّبَة، وغير مُنْسَجِمَة، وغير مَبْدَئِيَة بما فيه الكِفَايَة). وهل يَسْتَـطِيع النظام السياسي القائم في المغرب على التَحَرُّر مِن إِمْلَاءَات أَمْرِيكا، وإسرائيل، وَفَرَنْسَا، والاِتِّحَاد الأَوْرُوبِّـي، والبَنْك الدُّوَلِي، وَصُنْدُوق النَّـقْد الدُّوَلِي؟

جوابًا عن التَسَاؤُلَات السّابِـقَة، يُمكن أن أَجْزِم، حَسَبَ مَعَارِفِي، أن النظام السياسي القائم في المغرب لَنْ يَتَـغَـيَّـر مِن تِلْقَاء نَـفْـسه. وَلَنْ يَحْدُوَ حَدْوَ السَّعُودية. بَل سَيَـبْـقَـى عَاجِزًا عن سُلُوك سِيَّاسات مُـقَاوِمَة لِإسرائيل وَلِلْإِمْبِرْيَاليات الغربية. وَلَنْ يَـقدر هذا النظام السياسي القائم في المغرب على خَوْض سِيَّاسات ذَات طَبِيـعـة «وَطَنِيَة»، أو «مُسْتَـقِـلَّـة»، أو «مُقَاوِمَة» لِلْإِمْبِرْيَاليات الغَرْبِيَة. لأن مصالح الطبقات السّائدة في المغرب ترتبط عُضْوِيًّا بِمَصالح الصَّهيونية، والإمبرياليات الغَربية. وَلِأَن الطبيعة «المَخْزَنِيَة» العَتِيـقَة والمُحَافِظَة لهذا النظام السياسي القائم في المغرب، تَدْفَعُه إلى أن يَظَلَّ أَنَانِيًّا، وَانْتِهَازِيًّا، وَاسْتِبْدَادِيًّا، وَفَاسِدًا، وَمُـفْـتَـرِسًا، وَتَـبَـعِـيًّـا، وَبُولِيسِيًّا، وَقَمْـعِـيًّـا. وَسَيَظَلُّ النظام السياسي القائم في المغرب مِثْلَمَا كَان، مُسْتَـعِـدًّا لِلتَّضْحِيَة بِمَصالح الشعب المغربي، وَبِمَصِيره، لِإِنْـقَاذِ، أو لِتَنْمِيَة، المصالح المَادِّيَة، والأَنَانِيَة، والضَيِّـقَة، لِلْكُتْلَة الحَاكِمَة في المغرب. وإذا مَا صَحَّ هذا التَنَبّؤُ السَّابِـق، وإذا ما حَدَثَ على أرض الواقع، فإن اِخْتِلَاف مَنْهَج دولة المغرب (المُفْرِط في التَبَـعِيَة لِإِسرائيل ولِأَمْرِيكا) عن مَنْهَج دولة السعودية (الرَّاغِبَة في الخَلَاص مِن هَيْمَنَة أمريكا)، سَيَضَـع دولة المغرب لِأَوَّل مَرَّة في تَنَاقَض صَـعْب مع السَّـعودية وَأَنْصَارِهَا. الشيء الذي قد يَـفْـتَـح إِمْكَانِيَّات حُدوث تَطَوُّرَات سياسية غير مُتَوَقَّـعَـة في المغرب.

رحمان النوضة. (السبت 11 مارس 2023).

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

رحمان النوضة

كاتب وناشط سياسي مغربي