إضاءات حول محطات رحلة العربي الصبان مع الكاريكاتير
بوشعيب الضبّار
سعداء جدا بهذا اللقاء المفتوح الذي تنفتح فيه فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب على الكاريكاتير، هذا الفن الراقي الجميل، الذي يعانق قضايا الإنسان في كل مكان، بغض النظر عن جنسه أو لونه، متناولا أوجاعه وهمومه وأحلامه، وحقه في الحياة الكريمة.
أولا، لا بد في البداية من التنويه بالتجربة الفنية لفرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، التي استطاعت أن تفرض نفسها وتقطف ثمار النجاح، خارج الوطن، في مهرجان المسرح بالأردن، اعتمادا على إمكانياتها، ومواهب أفرادها، رغم غياب الدعم الكافي الذي تشكو منه كل فرق المناطق المنسية المهمشة.
ثانيا، حسنا فعلت فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب بتكريمها لفنان في حجم وتجربة العربي الصبان، فالرجل يستحق فعلا أكثر من تكريم، استحضارا لما قدمه لفن الكاريكاتير من خدمات لا يمكن بأي حال من الأحوال، التنكر لها.
أعطى الكثير للكاريكاتير. كرس حياته لهذا الفن الساخر، حتى غدا مدرسة تخرجت منها عدة أجيال فنية.
لم يبخل يوما بالتشجيع والنصيحة على أي وافد جديد من الشباب على الكاريكاتير.
من النادر جدا أن يلمع اسم رسام كاريكاتير في المغرب لم يتلمذ على يديه بطريقة أو بأخرى، إما بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
وكم من رسام كاريكاتير من الجيل الجديد، تبلورت موهبته بنصيحة من الصبان أو توجيه أو إرشاد منه.
مكتبه في صحيفة “العلم”يوم كان يشتغل فيها، يظل مفتوحا في وجه الجميع بدون استثناء.
قدم عدة أسماء فنية مغمورة إلى الصحافة، فصارت توقيعاتها مشهورة، بعد أن أخذ بأيديها.
وتاثيره لا ينحصر في رسامي الكاريكاتير في المغرب فقط، بل إن رساما عربيا شهيرا هو عماد حجاج، الفنان الأردني الكبير، المعروف في صحيفة “العربي الجديد”، صرح أثناء تكريمه في مهرجان إفريقيا الدولي للكاريكاتير بمدينة أكادير، أنه كان وهو تلميذ في الأردن، يقطع مسافة طويلة كل يوم من أجل الحصول على نسخة من صحيفة “العلم”، كانت تباع فقط في إحدى المكتبات، ليطلع فقط على رسم الصبان،إعجابا منه بفنه الساخر وملامسته لكل قضايا الإنسانية.
وحين أصدر الفنان بهجت عثمان، أحد رواد وكبار رسامي الكاريكاتير في مصر، وفي مجلة “روز اليوسف” تحديدا، كتابه “رفاق السلاح” عن رسامي الكاريكاتير في العالم، خص العربي الصبان بمساحة خاصة تحدث فيها عن مساره، بعد أن سبق له أن زاره في مكتبه بجريدة “العلم” بمقرها القديم بالرباط.
وبما أن الصبان في ضيافة فرقة مسرح سيدي يحيا الغرب، فإنه ليس بغريب عن المسرح، وله فيه بعض الإسهامات، تكفي هنا الإشارة على سبيل المثال، لا الحصر، إلى مشاركته برسوماته في مسرحية “افتحوا النوافذ” للفنان الصديق عبد الحق الزروالي، المستوحاة من الكتابة الساخرة التي كان ينشرها الشاعر عبد الرفيع الجواهري في الصحافة.
والصبان ليس صاحب ريشة حادة مثل نصل السكين، بل هو أيضا كاتب وصاحب قلم رشيق وأسلوب في الكتابة، ولعل قدماء قراء “العلم” يتذكرون ركنه الشهير “التنكيت في زمن التبكيت”، الذي كان يتطرق فيه بسخرية لاذعة إلى ما تعج به الحياة اليومية في المغرب من مفارقات سياسية وتناقضات اقتصادية اجتماعية.
ورغم معرفتي الوثيقة بالصبان فإنه من الصعب جدا الإلمام والإحاطة بتجربته الفنية من جميع جوانبها، اعتبارا لطولها وتنوعها، ولما راكمه فيها من عطاءات يستحيل الإمساك بها في لحظات وجيزة من الزمن عبر هذا اللقاء.
أبرز المحطات في طريق الصبان كثيرة ومتشعبة، واختصارها ظلم له كصاحب تجربة طويلة، وهذه فقط بعض الإضاءات السريعة:
ـــ إقامة أول معرض كاريكاتيري بمسقط رأسه سنة 1966، في مدينة القنيطرة التي ولد فيها سنة 1948.
ــ الإسهام إلى جانب الفنانين محمد الفيلالي وحميد البوهالي في تأسيس أشهر جريدة كاريكاتير مغربية شعبية بعنوان «أخبار السوق» في أبريل سنة 1978، وقبلها صحيفة للرسوم الساخرة بالفرنسية، اسمها “ساتيريكس”.
ـــ المشاركة في إنشاء رابطة رسامي الكاريكاتير العرب التي تأسست في دمشق برئاسة الشهيد ناجي العلي عام 1980، بحضور كبار رسامي الكاريكاتير العرب أمثال جورج البهجوري وغيره.
ـــ مساهمته في المهرجان المغاربي للأشرطة المرسومة والكاريكاتير في مدينة وهران بالجزائر سنة 1990.
ــ اختيار إذاعة طنجة ل«مهماز»، الأيقونة المحورية في رسوماته، كشخصية صحافية لعام 1991.
ـ الحصول على عدد من الجوائز الدولية والعربية والوطنية كجائزة «التواصل الحضاري» للدكتور المهدي المنجرة، مناصفة مع الفنان أحمد السنوسي «بزيز» عام 1992.
ــ طبع كتاب “العربي الصبان في القدس العربي” ضمن سلسلة “شراع” بتقديم من عبد الباري عطوان، رئيس تحرير “القدس العربي” سنة 1999.
ـــ إصدار الصبان سنة 2000 لأسبوعية ” المقلاع” التي شكلت إضافة جديدة للصحافة الساخرة، ولكنها توقفت لغياب التمويل المادي وانعدام الإعلانات.
ـــ نشر كتاب ” العربي الصبان الكاريكاتيريست وفنان الرسم الساخر” لعبد الكريم غريب ضمن منشورات “عالم التربية” سنة 2009.
ـــ تكريمه في يوليوز سنة 2011 من طرف مهرجان بني عمار “، اعتبارا لما قدمه من خدمات جليلة لمهنة الصحافة كمؤسس لفن الكاريكاتير بها.”
ــــ بعد “العلم” كانت له أيضا إطلالة يومية على قراء “الأحداث المغربية”.
ــ الاحتفاء به وتكريمه في ملتقى شفشاون لفن الكاريكاتير والإعلام صيف سنة 2012 .
ـــ اختياره من طرف الجمعية المغربية لرسامي الكاريكاتير، في جمعها العام العادي يوم 25 يناير 2020 بطنجة رئيسا شرفيا لها، تقديرا لريادته في فن الكاريكاتير.
ــــ اعتماد بعض أعماله الكاريكاتيرية في رسائل وأبحاث جامعية في المعهد العالي للصحافة بالرباط وغيره.
ـــ من الداعين إلى تكريس حرية التعبير، وكانت رسوماته قد منعت من النشر سنة 1986، وبقيت مساحة الكاريكاتير في «العلم» مشرعة على «فصاحة البياض» كنوع من الاحتجاج، بتضامن واسع من المبدعين والفنانين.
ــ وضع تصاميم أغلفة العديد من الكتب، من بينها مسرحية “حمار رغم أنفه”
من تأليف الصديقين محمد بلمو وعبد الإله بنهدار، وكتاب ” الكاريكاتير في المغرب” للصديق إبراهيم الحيسن، وكتاب”سنوات التحرير” للأستاذ محمد الأمين أزروال،إضافة إلى بعض مؤلفات المرحوم محمد العربي المساري، وزير الاتصال السابق وغيره.
وراء هذا المسار الفني المتميز، مثقف شمولي وصاحب عقل موسوعي، وفكر مستنير.
إنه الصبان الذي يمكنه أن يتحدث بعمق عن أي قضية سياسية أو اقتصادية، ثقافية أو اجتماعية، وهذا نابع من كونه متابع جيد للأحداث، وما يموج به العالم من تيارات متلاطمة، لا تفوته صغيرة أو كبيرة.
التعليق عنده حاضرا دائما، والفكرة حاضرة أبدا.
بسرعة البديهة يستطيع استنبات عشرات الأفكار الكاريكاتيرية، مع تصوره لكيفية تنفيذها على الورق لتصبح لوحة نابضة بالسخرية، واستخلاص المعنى.
والصبان بخفة روحه ودمه، يستطيع أن يحول جلسة مع أصدقائه في المقهى إلى حلقة للنقاش الفكري، وفضاء للتندر والتفكه أيضا.
هذا الفنان شاهد على عصره بالفعل، إذ تشكل رسوماته مرجعية مهمة لكل من يرغب، بعد سنين، في دراسة تحولات المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
إنه يرصد الواقع بعين ذكية، وريشة مشاغبة، ورؤية ساخرة.
ولا يمكن ذكر الكاريكاتير في المغرب دون أن يكون مقرونا باسمه، فهو واحد من رواده الذين أعطوا لهذا الفن زخمه وقوته.
ومنجزه الفني يحتفظ براهنيته وكأنه وليد اللحظة، ولم يجف حبر مداده بعد، والدليل على ذلك هذا المعرض المفتوح المقام حاليا في هذا الفضاء الثقافي بمدينة سيدي يحيى الغرب.
الحديث عن الصبان يطول..ويطول..وربما تكون بعض المعطيات قد سقطت مني سهوا، وله حق الرد والتصحيح.
شكرا لكم على الإصغاء الجميل.
________________________________
* نص الشهادة التي أدليت بها في حق الفنان العربي الصبان، بمناسبة اللقاء المفتوح الذي نظمته فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، مساء يوم الخميس 16 مارس 2023 حول تجربته الفنية.
Visited 63 times, 1 visit(s) today