الارتباك الداخلي اللبناني وفرنسا جزء من الأزمة…

الارتباك الداخلي اللبناني وفرنسا جزء من الأزمة…

أحمد مطر

   من الواضح لغاية الآن أن الفرقاء السياسيين اللبنانيين لا يملكون أي تصور عن احتمال الخروج من مأزق الفراغ، رغم التطورات الإقليمية المتسارعة التي نشهد فصلاً جديداً من فصولها المفاجئة، جراء الاتفاق الذي جرى في العاشر من الجاري في بكين بين السعودية وإيران، على استئناف العلاقات الدبلوماسية وعودة سفيريْ البلدين إلى كل من العاصمتين .

هذا التطور، المعطوف على التقلبات الكارثية للارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار، وما يسببه من اضطراب اجتماعي وحياتي، يفترض أن يكون حافزاً للقيادات السياسية كي تتوصل إلى اتفاق ما على ملء الفراغ الرئاسي، الذي كلما مر يوم يزيد من صعوبات الحلول السياسية لأزمة الحكم، وللمأزق الاقتصادي، لكن المعطيات لا تفيد بأي تواصل له مغزى على هذا الصعيد بين الفرقاء المحليين المعنيين.

يعيش لبنان هذه الأيام، مرحلة من الانتظار القلق، بين الانهيار المالي والاقتصادي الذي بلغ مستوى قياسياً. وتبدو مرحلة الانتظار الحالية هي الاصعب في مسار الأزمة اللبنانية المتعددة الأوجه، والتي أنهكت اللبنانيين على مدى السنوات الماضية، بفعل سوء الأداء السياسي واستشراء الفساد ونهب الأموال العامة، بالكهرباء وغيرها من المؤسسات والإدارات العامة من جهة، وتحكم سلاح حزب الله وحلفائه، بمفاصل الحياة السياسية والسيطرة على قرارات ومقدرات الدولة لصالح مشروع السيطرة الإيراني في المنطقة العربية، ما أدى إلى عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي، وإلحاق أضرار جسيمة بمرتكزات الاقتصاد الوطني، وتراجع مداخيل الدولة، وصولا إلى حالة الانهيار الحاصل حالياً .

وفي المقابل، الأطراف السياسيون، بمواقع السلطة يجهدون لإيصال مرشحهم عنوة، رغم اعتراض المعارضة وعجزها عن انتخاب مرشحها، ولا يكلف أي طرف نفسه عناء التقدم بخطوة تجاه الاخر، لتضييق شقة الخلاف والتفاهم مع الآخر، وبات الجميع، الموالاة والمعارضة يدورون بدوامة التعطيل والتعطيل المضاد، تارة بانتظار ما يحمله اجتماع بالخارج، أو ترقب لنتائج المصالحة السعودية الإيرانية، بينما يرزح المواطنون تحت أعباء الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي المتسارع، وكأن الأمر لا يعني السياسيين، ولا يقضُّ مضاجعهم .

وهكذا يطول أمد الفراغ بالرئاسة الأولى، بالرغم من كل الدعوات التي تصدر عن المرجعيات الدينية وغيرها، والمناشدات من هنا أو هناك، لتسريع الخطى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكلها لم تعد تنفع في تبديل نهج أطراف السلطة الممسكين بزمام المبادرة، ولاسيما في المجلس النيابي، ولا بإقناع المعارضين في جس نبض تحالف السلطة، بالتواصل المباشر، لكشف مدى صدقية الدعوات للحوار والتوافق .

لم يعد هناك من شك أن جميع الأطراف، من كل الاتجاهات السياسية، أصبحوا بانتظار تفاهم الخارج لتحريك ملف الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية، بالرغم من محاولة هذا الطرف إنكار هذه التهمة والتهرب من تبعاتها شعبيا وسياسيا، فيما ينحدر الوضع المالي والاقتصادي نحو الهاوية السحيقة بلا أية عوائق أو موانع، ما يزيد من حدة الأزمة التي باتت تهدد لبنان كوطن وكيان.

وفي هذا السياق وارتباطاً بالمساعي الخارجية لحل الاستحقاق الرئاسي  فشل اجتماع باريس الثنائي حول الوضع اللبناني بين فرنسا والسعودية، فشل اللقاء السعودي الفرنسي سينعكس سلباً على الجهود الدولية لحل الأزمة اللبنانية. فالتباعد يهدد اجتماع باريس الخماسي، ويرجح ألا يعقد في وقت قريب، ويتضح من نتائج اللقاء الثنائي، أن السعودية مصرة على موقفها في الشأن اللبناني خصوصاً في ملف الرئاسة، انطلاقاً من بنود الوثيقة الخليجية الأولى، أي أن الرئاسة مرتبطة بجملة ملفات لبنانية واصلاحات، تبدأ بانتخاب رئيس انقاذي، وهو بالنسبة إليها لا ينطبق على سليمان فرنجية، وبالتالي لا يتقاطع موقفها مع المبادرة الفرنسية القائمة على المقايضة لتمرير الاستحقاق بأي ثمن. ولعل ما يهدد الاجتماع الجديد بالانفراط، هو التباين أيضاً بين الاطراف الدولية الاخرى، أي الولايات المتحدة الاميركية وقطر ومصر مع وجهة نظر فرنسا اللبنانية وإصرارها على تبوؤ دور يتجاوز ما اتفق عليه من مقررات، ففضلاً عما تطمح له باريس من تثبيت موقعها وطموحها في ملفات النفط والغاز، تستعجل تكريس معادلة حتى لو كانت تصب في مصلحة قوى الممانعة التي تقودها إيران، وهي تريد تحقيق إنجاز يسبق أي صفقات يمكن أن تخرج إقليمياً ولبنانياً بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وهو أمر أظهر التباعد في وجهات النظر في اللقاء الثنائي.

الاختلاف الفرنسي السعودي، ستكون له تبعات لبنانية، بمزيد من الاستعصاءات. ولربما حسب بعض المصادر المتابعة، أن حزب الله سيتمسك أكثر مع محوره بترشيح سليمان فرنجية، مراهناً أيضاً على تنازلات ستقدمها السعودية بعد اتفاق بكين، وتكرسها موازين القوى بعد الانفتاح على النظام السوري، وإن كان الحزب راهن على إمكان أن يُغير الفرنسيون من الموقف السعودي للدفع بانتخاب فرنجية رئيساً عبر تسوية عن طريق المقايضة. وقد كان موقف الحزب واضحاً في هذا الخصوص عبر كلام النائب محمد رعد الاسبوع الماضي من أن حزب الله الذي تبنى ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مع حركة أمل يحضر لإنجاز انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت.

المعطيات السياسية الداخلية تشير إلى أن المعركة ستحتدم في المرحلة المقبلة لإيصال سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، وإن كانت الامور غير متاحة وفق الآلية الدستورية، إن لجهة توفير النصاب أو انعقاد الجلسة التشريعية وتأمين الـ65 مطلوبة، لكن خيار حزب الله بات واضحاً، في ظل تفكك الجهة المقابلة المعارضة العاجزة عن طرح اسم توافقي تخاض المعركة على أساسه، أي بإيصال فرنجية أو استمرار الفراغ.

ختاماً لا يعني الخلاف السعودي الفرنسي أن باريس ستعلق مبادرتها أو تحركها في الشأن اللبناني، لكنها لن تكون قادرة على تحقيق انجازات كبرى، إلا أن التقدم في الملف السياسي يحتاج إلى تغطية دولية أكبر، وهي رافعة معلقة على حل الخلافات التي تهدد اجتماع باريس الخماسي. وعلى هذا تغيرت الرهانات لبنانياً نحو الاتفاق السعودي الإيراني، حيث تضغط قوى الممانعة أكثر انطلاقاً من اعتبارها أن الاتفاق يصب في مصلحتها أولاً وأخيراً. لذا سنكون أمام مرحلة أخرى من الفراع ستطول .

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني