طبخات خارجية على موائد الفرقاء اللبنانيين
حسين عطايا
تشهد الساحة اللبنانية زحمة موفدين ومبادرات خارجية، منها العربي ومنها الأوروبي والأمريكي، بينما الساحة الداخلية للبلد تستمر في حالة ركودها وجمودها، وإن تحرك أحد الأطراف المحلية، يبقى مجرد مراوحةٍ عقيمة لا تُلاقي صدى إيجابياً، ولولا مبادرة بكركي دعوة النواب المسيحيين لـ”صلاة روحية وتأمل”، وما سبقها من مبادرة جنبلاطية، لتم الإقرار الكامل بأن الساحة السياسية الداخلية متورطة في حالة ركود وميؤسٌ منها.
في ظل هذا الجمود السياسي العقيم، والذي يظِهِرُ حجم رتابة الحياة السياسية اللبنانية، ليكشف مدى استهتار واستخفاف الطبقة السياسية بمجملها بمصير الوطن وشعبه، وهي بالكاد تستطيع حل مشكلة صغيرة جداً، بل إن جُل ما تقوم به هو انتظار طبخة حلولٍ خارجية تضع حداً للفراغ في سُدة الرئاسة الأولى، والتي مضى عليها ما يُقارب الخمسة أشهر.
في هذا السياق أتت زيارة الموفد القطري برئاسة وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي إلى لبنان، والتي لم تستثن أحداً من القوى السياسية، وقد التقى بجميع الافرقاء.
إلا أن الموفد القطري آثر الصمت، وقد كان في أغلب الأحيان مُستمعاً، مستطلعاً لما يمكن أن تفرج عنه الأطراف اللبنانية من مكنونات شهواتهم الرئاسية، والتي تُلبي مصالحهم على حساب الوطن.
وفيما هو مُتداول أو ما رشح من معلومات، يبدو بأن الموفد القطري لا يستسيغ وصول النائب السابق سليمان فرنجية إلى سُدة الرئاسة، كونه يُمثل طرفاً سياسياً، وبالتالي هو مرشح حزب الله، وهنا تُشير المعلومات، بأن الموفد القطري تتقاطع حركته مع ما تطرحه المملكة العربية السعودية، ويلتزم المواصفات التي صدرت عن اللقاء الخُماسي في باريس، خصوصاً أن بلاده عضو في اللجنة الخُماسية التي اجتمعت بالعاصمة الفرنسية، وستلتئم قريباً في الرياض، وبذلك فإن نظرته للموضوع الرئاسي اللبناني تختلف بالأساس عن النظرة الفرنسية، التي تتعاطى بطرح المقايضة: سليمان فرنجية للرئاسة، ونواف سلام للحكومة.
ما كانت زيارة فرنجية لباريس إلا ضمن إطار تحرك فرنسي يهدف إلى إيصال رئيس تيار المردة للرئاسة، في ظل حديثها عن ضمانات واقتراحات إصلاحية يلتزم بها فرنجية، وهي بالأساس لم تلق أي تجاوب من الرياض، لا بل أتى الرفض السعودي من خلال الاتصال الأخير، مابين إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أبلغه عن ثبات الموقف السعودي وفق المواصفات التي يقترحها لحل شامل في لبنان، وتحديدا عدم قبول السعودية بوصول مرشح حزب الله للرئاسة بعد التجربة السيئة لعهد ميشال عون خلال الست سنوات الماضية.
من هذا المنطلق أتت زيارة الموفد القطري، مُكملة للموقف السعودي، وهي بمثابة زيارة استطلاع لرأي الافرقاء السياسيين اللبنانيين والوقوف على رأيهم، ليتم فيما بعد البناء على ماتقدم لإيجاد الحلول المناسبة.
من جهة ثانية، تتحدث بعض المعلومات عن دخول أمريكي على الخط مع الفرنسيين، لإبلاغهم بأن موقف واشنطن غير بعيد عن الموقف السعودي، وبالتالي على الفرنسيين مراجعة مبادرتهم والابتعاد كليا عن فكرة المقايضة المطروحة، كون السعودية ترفض فكرة المقايضة بالأساس، وترفض أيضاً فكرة الضمانات والتي خبرتها في السابق، حيث ذكرت الفرنسيين بها، بدءاً من ضمان حياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والذي اغتيل في 14 شباط- فبراير 2005، ثم أتت ضمانة سلامة اللبنانيين في بيروت، فكانت غزوة بيروت في العام 2008، ثم ضمانة عدم استعمال الثلث المعطل، والذي سقط حين أسقطوا حكومة سعد الحريري أثناء زيارته واشنطن في العام 2010، ومن ثم ضمانة تفاهم بعبدا في العام 2011 “النأي بالنفس”، وعدم التدخل في الأزمة السورية. وبعد أيام على توقيع حزب الله على تفاهم بعبدا، صدرت مواقف من الحزب تتحدث عن “لغة خشبية” وعن التبرؤ من التفاهم، ومن ثم انخرط حزب الله فعلياً في حمى الحرب السورية وأخذ دور الحليف لنظام بشار الأسد، وشارك في تقتيل الشعب السوري.
Visited 11 times, 1 visit(s) today
