نصرالله والهروب إلى الأمام
حسين عطايا
كعادته أطل عصر يوم أمس أمين عام حزب الله حسن نصرالله، ليرتقي منصة الكلام، من خلف شاشة نُصبت أمام قيادات حزبه وأتباعه من جماعة “محور الممانعة”، فوزع الكلام بين بطولات وأمجاد محوره المنتصر دوما، وكيف أن المتغيرات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، تأتي بأمر إلهي لمصلحة حزبه ومحوره، فيأتيه الانتصار مؤزراً بأمر إلهي.
أطل عصر أمس ليخبر جمهوره كيف أنه يُمثل دوماً دور المرشد الأعلى لما تبقى من دولة لبنانية، فبعد أن تحدث عن المقاومة في فلسطين وكيف أنها تهزم إسرائيل، وتجعلها تقف على رجلٍ ونصف، وكيف أنها منهارة وشعبها يُهاجر وتسير نحو الانهيار، تحدث مطولاً شارحاً أهمية المقاومة، وبأن حزبه سيقوم بواجبه إن دعت الحاجة، وفي الحقيقة إن كلامه هذا يأتي من باب رفع العتب وللاستهلاك المحلي أمام مريديه وأتباعه الذين يأتمرون بالتكليف الشرعي، وبالتالي فهذا الكلام هو نفسه يعرف بأنه لا يُقدم ولا يؤخر، لأن فلسطين لا يُحررها غير شعبها، وبأن كل أحاديثه وروايته لا تٌحرر شبراً من الأرض ولا تُعطي لأي مواطن أو طفل فلسطيني الأمن والأمان.
في الموضوع اللبناني، ظهر بوصفه مُرشداً للجمهورية، أو ما تبقى منها، موزعاً الأوامر والتوصيات في موضوع الاستحقاق الانتخابي وعمل الحكومة وعمل مجلس النواب، في إطار التشريع، وفي كل ذلك أثبت بأنه غير ملم ومحيط بموضوع الدستور وبالقوانين وبعمل المؤسسات.
ففي موضوع انتخابات رئيس للجمهورية، كعادته جمل موقفه وأضاف عليه إضافات تجعل من مرشح حزبه (سليمان فرنجية) الرجل الأهم على صعيد الوطن، وبأن المواصفات الجليلة لا تنطبق على غيره، فأشار بأن حزبه وشريكه في الثنائية رشحا الرجل الأنسب، وعلى المعارضة أن ترشح أحداً ثم تأتي طائعة إلى الحوار والتفاهم لانتخاب مرشحه، وهنا كان حريا به أن يسأل نفسه لماذا بعد أحد عشر جلسة لانتخاب رئيس اكتفى حزبه وحلفاؤه بالاقتراع بالورقة البيضاء، من دون أن يجرؤ نوابه ونواب حلفائه على الإعلان عن مرشح، وبما أن مرشحهم يتصف بصفات جيدة ووطنية عالية.. فلماذا لا يفتح حليفه نبيه بري مجلس النواب ويدعو لجلسة انتخاب وليفز من تتوفر له الأكثرية.
على الصعيد الحكومي طالب الحكومة بضرورة التنسيق مع الدولة السورية لبحث موضوع النازحين، ووزع أوامره على كيفية تحضير الوفد للذهاب إلى سورية وحل المواضيع العالقة بين البلدين، لكنه تناسى بأن حزبه وأسياده في الحرس الثوري الإيراني يحتلون سوريا ويسيطرون على الأرض ويمنعون النازحين من العودة، وتناسى عن قصد بأن مليشيات حزبه تسيطر على منطقة القصير والقلمون الغربي منذ العام 2014 ويمنعون المواطنين السوريين من العودة إلى أرضهم وإلى بيوتهم، لأنهم يستغلون حقولهم في زراعة الممنوعات، وبأن ورش تصنيع الكبتاغون بغالبيتها تقع في هذه المنطقة من القلمون الغربي وريف حمص وريف دمشق، وغاب عن ذاكرته بأن الأمن العام اللبناني، وفي إطار العودة الطوعية للنازحين، كان العام الماضي قد سجل ما يزيد عن خمسة آلاف مواطن سوري راغب في العودة إلى سوريا، فأرسل القوائم إلى النظام السوري، الذي لم يوافق سوى على ستُ مائة مواطن فقط، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النظام السوري يرفض عودة النازحين، نتيجة ما يقوم به من أعمال تغيير ديموغرافي، وبالتالي فهو يرفض عودة مواطنيه. كما أنه رفض أو منع هذه الحكومة من تعيين حاكم للمصرف المركزي، أو التمديد له.
في موضوع مجلس النواب، أجاز للمجلس النيابي القيام بأعمال التشريع، من دون الالتفات إلى الفراغ الرئاسي، وكأن شيئاً لم يكن، وغاب عن باله أن الدستور اللبناني يرفض أن يقوم المجلس النيابي في ظل الفراغ الرئاسي بمهمة التشريع، لأنه في حالة انعقاد دائم لانتخاب رئيس، وبأن نشر القوانين وتوقيعها من المهام اللصيقة برئيس الجمهورية، ولا يحق للحكومة مجتمعة أن تقوم مقام رئيس الجمهورية، كما في غير ذلك من الصلاحيات.
إذن، إطلالة حسن نصرالله بالأمس، تدخل في نطاق “لزوم ما لا يلزم” فقط، لتعبئة الوقت الضائع إلى حين أن يأتيه أمر جديد من ولاية الفقية في طهران.