الوجه الآخر للجامعة العربية…

الوجه الآخر للجامعة العربية…

لحسن أوزين

     هل يصح حقا أن نتحدث عن نوع من المأساة القهرية التي تتكرر في التاريخ العربي الاسلامي؟ أنا لا أتحدث عن الماضي، بقدر ما يهمني الآن هذا القدر الجهنمي الذي كتب على سوريا أن تجمع في محنتها المأساوية، بين التجربة الفلسطينية والتجربة البوسنية في سراييفو والتجربة العراقية..، أي بين الاحتلال والتهجير القسري، والإبادة بمختلف الأسلحة العسكرية والسياسية المحلية والأنظمة العربية والإقليمية والدولية، إلى جانب الأسلحة الإعلامية والصمت المتواطئ للمؤسسات والمنظمات القانونية والإنسانية الدولية. وتكبر المأساة حين تحضر بقوة تجربة سراييفو في كل بلدة أو مدينة من المدن السورية، وهي تواجه عزلاء هذا الشكل البشع الذي لم يعرفه التاريخ للتدخل الأجنبي الحيادي الكاذب والمضلل، والإرهابي في الخلفيات والآليات والوسائل المستعملة للاحتلال والسيطرة في صورة عدم التدخل، أمام صمت عام يذكر بما حدث في التجربة الفلسطينية والبوسنية، حيث كانت أنواع مختلفة من الحصار والتجويع والانتهاك الفادح لحق الإنسان في الحياة، بالأسلحة التقليدية والكيماوية، بالإضافة إلى المجازر المروعة، عاجزة عن خلخلة الصمت العام لكل الشرائح المجتمعية عبر العالم، خاصة في صفوف النخبة المثقفة الفكرية والسياسية والإعلامية، بما في ذلك النخبة المثقفة السورية المتطفلة على الحداثة واليسارية، سواء في الداخل أو في الخارج، علمانيين بأقنعة دينية، أو متدينين بأقنعة علمانية.

   عشقنا للماضي اللاهوتي وعداؤنا للتاريخ في منهجياته النقدية، جعل منا شعوبا بلا ذاكرة، إلى درجة صرنا نعاني من فقر الدم التاريخي، لأن ما حدث، من طرد وتقتيل وتهجير عدواني للفلسطينيين من طرف الاحتلال الصهيوني في فلسطين بحماية استعمارية بريطانية وأوربية أمريكية، وفي ظل مناخ سياسي عسكري وثقافي عربي رجعي ومتخلف، بما يقارب المشاركة بشكل مضمر أحيانا وصريح غالبا في احتلال الأرض وقتل وتهجير الفلسطينيين، عاد وتكرر بشكل بشع وبحماية غربية في البوسنة، أي تحت حماية عسكرية وسياسية دولية لعملية التطهير الإنساني وليس الديني أو العرقي، لأن ”أورشليم الصغيرة” كما كانت تسمى سراييفو، لم تكن للمسلمين فقط، كما هو الشأن بالنسبة للقدس، بل كانت رمزا للتنوع والتعدد والاختلاف لكل الحضارات والثقافات.

   لقد خربت بريطانيا جميع المقومات التي تسمح للشعب الفلسطيني بالمقاومة والنهوض، وهي بذلك كانت تقدم خدمة عظيمة في صنع النصر الصهيوني في الاستيطان والتدريب العسكري، وفي التنظيم والتسليح، وفي الوقت نفسه كانت بريطانيا تهدم الأسس الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي يمكن أن تشكل خطرا كحركة تحرر ضد الوجود الصهيوني والاستعمار البريطاني. لقد كان الوضع المحلي والإقليمي العربي والدولي يخدم المخططات الاستعمارية والصهيونية، مع العلم أن الفلسطينيين صدقوا الكثير من العروض والأوهام الغربية والعربية، ”إن السلطة القمعية التي مثلها الاحتلال البريطاني كانت السبب الرئيسي في اتخاذ القيادة الوطنية الفلسطينية منحى التطلع إلى الخارج بحثا عن دعم عربي، وبالتالي زيادة إضعاف روابطها بالجماهير الفلسطينية. فقد أصبحت وعود الحكومات العربية بتقديم الدعم هي البديل عن التعبئة الداخلية، التي لم تستطع القيادة الوطنية تحقيقها بسبب الوجود البريطاني، وكذلك بسبب محدودية كفاءتها. وقد كان تدخل الحكومات العربية في الأزمة الفلسطينية يتماشى بالفعل مع المصالح البريطانية والصهيونية، حيث أنه عمل على إيجاد وسائل جديدة في التلاعب بالحركة الوطنية والسيطرة عليها” (1).

ما أشبه الأمس باليوم ونحن نتابع ما يحدث في العراق ثم في الثورة السورية منذ اندلاعها، وكيف تم القضاء عليها وتدمير وتخريب المدن والقرى بنوع من التحالف بين أصدقاء سوريا وأعدائها من العرب والقوى الإقليمية والدولية، وبمباركة من الدولة الصهيونية في فلسطين وامتدادها السياسي العسكري، في الاستبداد المحلي للعلوية السياسية. وترك الشعب السوري وحيدا يدفع الثمن غاليا بسبب رغبته الطبيعية في الوجود السياسي، كشعب يملك حريته واستقلاله في تقرير مصيره وصنع مساره المستقبلي. واكتفت القوى العظمى بالتفرج على تهجيره وقتله بمختلف أنواع الأسلحة، وفق مسرحيات تم توزيع فيها الأدوار بالوكالة، بين ماهو محلي وعربي وإقليمي ودولي، دون أن تدرك المعارضة المشلولة الإرادة والمفتقرة إلى سلطة القرار داخليا وخارجيا، أن الأمر يتعلق باغتيال الثورات التي انطلقت من تونس، من خلال الهدر السياسي والوجودي للشعب والوطن، و تدمير ذاكرته الثقافية الحضارية. وهذا ما يذكر بما حدث للشعب الفلسطيني في ظل ظرف تاريخي دولي وإقليمي عربي ظالم وقاس في حق نضاله وثورته “بحلول أواسط 1948، لم تكن الهيئة العربية العليا تحاول بذل أي جهد تقريبا بهدف تنظيم القتال ضد الصهاينة، مع أنها استطاعت في الشهور الستة الأخيرة من الانتداب أن تجمع من الفلسطينيين مبلغ 167 ألف جنيه فلسطيني من أجل شراء الأسلحة، وقامت بجولة مركزة في الدول العربية بغية الحصول على الأسلحة. ولكن هذه المساعي لم تتكلل بالنجاح. فقد كانت كل محاولة يقوم بها الفلسطينيون للحصول على دعم عربي ملموس، تواجه من جانب الحكومات العربية بالتهرب والتفاخر، فالرئيس السوري حينها قال لأحد القادة الفلسطينيين: إن جيشنا ومعداته، من الطراز الأول، وهو قادر تماما على التعامل مع بضعة يهود. وقال له رئيس الوزراء العراقي إن كل ما يلزمنا من أجل رمي اليهود في البحر هو بضعة مكانس. أما المسؤولون السعوديون الذين كانوا على صلة وثيقة بالملك ابن سعود فقد أعربوا عن ثقتهم المفرطة واعتمادهم على علاقتهم الخارجية: عندما يعطينا البريطانيون الضوء الأخضر، نستطيع طرد اليهود بسهولة. وهكذا لا غرابة في أن يستنتج الفلسطينيون بعد حلول النكبة أن رفض الأنظمة العربية إعطاءهم الدعم الكافي قبل 15 مايو، عندما انسحب البريطانيون نهائيا من فلسطين ودخلت إليها جيوش مصر والأردن وسوريا، لم يكن ناجما عن مجرد قصر نظر هذه الانظمة أو عن غبائها. وقد استنتج العديد من الفلسطينيين أن الأنظمة العربية أو بعض المسؤولين فيها كانوا شركاء في مؤامرة امبريالية / صهيونية تستهدف إخراجهم من أرضهم”. (2). فما الذي يمنع اليوم مثل هذا الاستنتاج تجاه ما يحدث للشعب السوري، خاصة وأن الكثير من الوعود البراقة التي قدمت للمعارضة في بداية الثورة، إلى جانب التصريحات النارية بالدعوة لرحيل الأسد، والتي لم يعد لها من معنى إلا معنى الضحك على الذقون والمساهمة بشكل أو بآخر في تقتيل وتهجير الشعب وتدمير البلد؟

   ودائما كان الدعم العربي مخجلا ومقززا وباعثا على الغثيان، لأنه لا يختلف كثيرا عن النظام السوري في وطنية القتل والتدمير، كلما انتفضت الشعوب لإعلان ميلادها السياسي والقانوني السيادي على الأرض والثروة والسلطة والثقافة. هكذا هيأت الوعود والخطوط الحمر الأمريكية الأرضية المناسبة لاغتيال حضارة شعب بكامله، وهي حضارة فيها الكثير من الأسس لقيمة الإنسان أولا، ثم التراث الإنساني الذي ينبغي حمايته والدفاع عنه، وفقا لما شرعه الضمير الأخلاقي والقانون الإنساني الدولي.

   وبسبب هذا الصمت القاتل كحصانة دولية سيطرت على الأرض حالة من التوحش بظهور نوع من الهاجانا السنية الداعشية، المدعومة من أصدقاء سوريا وأعدائها، في لعبة قذرة تحكمها المصالح الخبيثة لإدارة اقتصاد التوحش في النهب والسطو وضمان هيمنة جيوسياسية، إلى جانب الشكناز الشيعية المحلية واللبنانية والعراقية والروسية، هدفهم جميع ليس فقط القضاء على الميلاد السياسي للشعب في ثورته ضد الاستبداد المحلي، بل أيضا تهجير الإنسان و اغتيال التاريخ والإرث الحضاري للشعب السوري، المتنوع المتعدد المختلف والممتد في الزمن وفي باقي الحضارات البشرية.

   نحن نعتقد أن شكلا سياسيا من الايديولوجية الصهيونية يتخفى وراء كل هذا، وليس بالضرورة أن يكون يهوديا، فوعد بلفور في الأساس بريطاني تحكمه السيطرة والهيمنة والامتداد الجيوسياسي في المنطقة. وكل فعل سياسي يسير في هذا الاتجاه ويخدم الأهداف نفسها لا يمكن بحكم الضرورة السياسية إلا أن يكون صهيونيا، لسبب واضح هو أنه في الموقع النقيض لمصالح وطموحات وتطلعات، ليس فقط شعوب المنطقة، بل أيضا لمحيطها العربي الإسلامي. ولذلك من الصعب أن نقول عن نظام عربي إسلامي تورط في الرؤية نفسها للاحتلال الصهيوني، وللسيطرة والهيمنة الغربية على أنه نظام وطني. إن الاغتيال الإنساني والحضاري الذي تتعرض له سوريا اليوم يذكرنا بالاغتيال الفلسطيني شعبا وأرضا وذاكرة تاريخية، ويذكرنا أيضا بالأشكال المختلفة من الإرهاب الصهيوني في بقر بطون النساء والإعدامات الميدانية للرجال العزل، واغتصاب النساء لترهيبهم قصد دفعهم نحو الهجرة. وقد تم كل هذا بموافقة الضمير الأخلاقي الغربي وهو يزود الصهاينة بالتدريب والسلاح والحماية القانونية، كما يذكرنا كل هذا بما فعله الصرب. “يقول خوسيه ماريا مينديلوثي: شاهدت أطفالا تحت جنازير الدبابات، أجبرهم على ذلك رجال أقوياء ينفذون أوامر أولئك الذين يحكمون سيطرتهم عليهم ويوجهونهم كيفما شاؤوا. فهؤلاء يتبعون استراتيجية صارمة. هدفها زرع أقصى رعب ممكن بين السكان المدنيين، وتدمير أكبر قدر من الممتلكات وممارسة أبشع أصناف العنف ضد النساء والاطفال”. (3). واستكمالا لجزء من الفظائع الوحشية تقول مواطنة من سراييفو: “الشكناز ينفذون الأوامر كالآلات المبرمجة تماما، يقتلون ويسلبون ويحرقون دون أدنى شعور بالشفقة. أكثرهم مرتزقة من روسيا أو من المجرمين الذين أطلقهم ميلوزفتش من السجون. يريدون أن يزرعوا الكراهية بيننا، لكنهم لن يتمكنوا من ذلك. سنعود لنعيش معا في يوم من الأيام”. (4). أليس هذا ما فعله النظام السوري في تجسيده لشعاره ”الأسد أو نحرق البلد”، حيث أطلق آلته القمعية الرهيبة مدعمة بالإرهابيين المرتزقة من الروس والشيعة السياسية من لبنان والعراق وإيران، بالإضافة إلى الدواعش الذين أطلق سراحهم من السجون ووفر لهم الأرضية المناسبة مع الآخرين، خاصة تركيا والأمريكان والخليجيين…، الذين يتشدقون في اللقاءات والمؤتمرات بكونهم أصدقاء سوريا، وبالفعل ثبت أنهم أصدقاء للتوحش والتدمير والتقتيل والتهجير؟ ألا يذكرنا هذا الإرهاب البشع والمتوحش بما حدث في فلسطين. “يصف المحقق البريطاني ريتشارد كاتلنغ مدى الصعوبة التي واجهها في إقناع البنات والنساء المرعوبات والمذلولات بأن يصفن له ما حل بهن وبغيرهن، ممن لم تكتب لهن النجاة: قابلت العديد من النساء بهدف جمع بعض المعلومات بأية فظاعات يمكن أن تكون ارتكبت في دير ياسين ولكن غالبية هؤلاء النساء خجولات جدا، ويترددن في رواية ما حدث معهن وخصوصا الأمور المتعلقة بالاغتصاب، وهن بحاجة إلى قدر كبير من المواساة قبل أن يكشفن عن أية معلومات. كما أن تسجيل الإفادات تعترضه الحالة الهستيرية التي تعيشها النساء حيث ينهرن…أثناء تسجيل الإفادة، على أنه مما لاشك فيه أن اليهود المهاجمين اقترفوا العديد من الفظائع الجنسية. فقد جرى اغتصاب العديد من بنات المدارس ثم جرى ذبحهن. كما جرى التحرش بالنساء المسنات. وتنتشر في أوساط الناس قصة تتعلق بصبية شقت نصفين. كما ذبح أو قتل العديد من الصبيان”. (5).

   سنظل إلى الأبد ندفع ثمن عدائنا للتاريخ، فما لم نتخلص من هذا المرض الخطير، أي من فقر الدم التاريخي حتى ندرك من جهة، النفايات السامة، أي الشر الداخلي الذي نحمله في أعماقنا كشفرة وراثية نفسية اجتماعية ثقافية ودينية بالأساس، حيث تلبس هذا الشر الإيمان المقدس، وأبعدنا كثيرا عن الإنسان وقربنا من التوحش البدائي، ومن جهة أخرى أن ندرك ونعي شر جدلية التاريخ في علاقتنا بالآخر كمستعمر وامبريالي يسعى للاحتلال والسيطرة والهيمنة، فإننا سنخرج نهائيا من اﻻنتظام اﻻجتماعي السياسي البشري في التاريخ.

   وهذه السيرورة التاريخية من الاغتيال الذي عاشته وتعيشه فلسطين في تاريخها الحديث والمعاصر، والتي انطلقت بشكل جنوني رهيب ومروع في سوريا سبق وشاهدنا فصولها في التاريخ البعيد اﻻسباني عندما احرقت المخطوطات، والقريب في سراييفو، “ويمثل معهد الدراسات الشرقية القديم الذي يضم مكتبة سراييفو الشهيرة أكثر مشاهد الدمار بشاعة. فقد قام المتطرفون القوميون الصرب يوم 28 أغسطس1992 بإطلاق وابل من الصواريخ الحارقة على مبنى المكتبة فحولوا في ساعات قليلة كل محتوياتها الثقافية الثمينة إلى رماد. ويصف مكتب إعلام حكومة البوسنة والهرسك هذا العمل بأنه أكثر الأعمال الوحشية التي ارتكبت ضد الثقافة الأوربية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الحقيقة يمكن وصفها بدقة بأنها اغتيال للذاكرة”. (6)

   وفي هذا السياق لعلنا نتذكر ما حدث للمتحف العراقي حتى ندرك الأبعاد الخطيرة لكل أنواع الحروب التي تمزق وتدمر المنطقة، وهي تستهدف العمق العربي الإسلامي، في أسسه الثقافية الحضارية وذاكرته التاريخية، لذلك يجري التفكيك الاجتماعي الاقتصادي، والتغيير الديموغرافي قصد خلق واقع تاريخي اجتماعي جديد بدون عمق تاريخي سوسيولوجي ثقافي، وبالتالي حضاري. دون أن ننسى التهويد المستمر الذي تتعرض له فلسطين أرضا وتاريخا وثقافة.

   لكن المرعب اليوم هو ان تجتمع وجوه المأساة القهرية كلها، خاصة الفلسطينية والبوسنية، في سوريا وبمبادرة من “نظام وطني” استبدادي هاجم بشكل مستميت تكريسا للسلطة الاستبدادية، التي يتملكها بالحديد والنار مخلصا لشعاراته اﻻستئصالية للسياسة والشعب، وللذاكرة التاريخية الحضارية للبلد والمجتمع والثقافة. والمرعب أيضا إجماع القوى الدولية الكبرى في انتصارها لصالح اﻻحتلال الصهيوني في فلسطين، والصربي في سراييفو، سواء على مستوى التعتيم اﻻعلامي والسياسي، أو على مستوى منع حق التسلح والحصول على التسليح النوعي, هدا الوجه اﻻجرامي الذي ﻻ يخلو من دﻻﻻت إرهابية، عاد وتكرر الآن في سوريا بنفس السيناريو، بل أكثر من لك تم تمزيق البلد والديمغرافيا، من خلال حروب ظلامية وحشية مسنودة ومدعومة من طرف اﻻستبداد المحلي والإقليمي، مع تحكم غربي في آلية الحرب القدرة. كما نظر هذا الإجماع الدولي إلى الشعوب من فلسطين وصوﻻ إلى سوريا، ومرورا بسراييفو ، على أنهم مجرد ﻻجئين في أمس الحاجة إلى مساعدات إنسانية، ويا للوقاحة اأخلاقية عندما تتاجر قوات الحماية الدولية بهده المساعدات. «المعونات الإنسانية؟ إنها مزحة نحن ﻻ نحصل على خمس ما نحتاج إليه، إنها صدقة مهينة، سأكون صريحا ومباشرا في حديثي معك، إنهم يرسلون إلينا الحثالة والكميات المخزونة التي ﻻ تصلح للبيع، سواء الملابس أو الأطعمة المحفوظة. وأولئك المتوحشون الذين يطلقون علينا قذائفهم بلا تمييز، يقتلوننا لأننا نعيش معا ونريد أن نواصل الحياة معا. أما الحديث عن التهديد الإسلامي فإنها فرية من أكاذيب ميلوزفتش. فالمتطرفون الحقيقيون هو وعصابته”.(7). واستكماﻻ للصورة نقول بأن شعوب المنطقة في العراق وسوريا، من سنة وشيعة وأكراد وباقي الفئات المجتمعية، تريد تحقيق وجودها السياسي في الحرية والعدالة والديمقراطية…، أما المتطرفون الحقيقيون فهم الهاجانا والشكناز المستحدثون الذين أشرنا إليهم سابقا.

   والغريب في الأمر أن ينتصر المثقف التقدمي اليساري عبر العالم للروس والصرب في إبادتهم للإنسان والتراث الثقافي الحضاري في سراييفو، بتبريرات مخجلة وغير أخلاقية ولاإنسانية وبعيدة عن التحليل العلمي للصراع السياسي والجيو سياسي ضد اﻻمبريالية، كما تذرعوا وقتئذ. واليوم المثقف نفسه واليساري نفسه سواء من الأجانب أو من بني جلدتنا عادوا إلى استهلاك الخطاب نفسه ضد اﻻمبريالية اأمريكية. وإزاء هذه المأساة المتكررة، والقوى المثقفة واليسارية المتطورة في التخلف، بتعبير سمير أمين، يمكن أن نستخلص بعض اأفكار التي تشرح لنا لمادا أسئلة النهضة، بالموازاة مع أسئلة التحرر التي تولدت عنها، ظلت تطرح نفسها بإلحاح، كأن جدل تفاعلات السيرورة التارخية اﻻجتماعية لشعوب المنطقة ظلت غارقة في الزمن الطبيعي المتكرر.

الهوامش

1- روز ماري صايغ، الفلاحون الفلسطينيون. ترجمة خالد عايد ، مؤسسة الأبحاث العربية- ط1- س1980. ص 71

2- المرجع نفسه ص 80

3- خوان غو يتيسولو، “دفتر سراييفو “- ترجمة طلعت شاهين، نشر الفنك 1994- ص46و47

4- المرجع نفسه ص 50

5 – روز ماري صايغ، الفلاحون الفلسطينيون. مرجع مذكور- ص94

6 – خوان غو يتيسولو ، “دفتر سراييفو “، مرجع مذكور- ص 55

7 – المرجع نفسه- ص 59

شارك الموضوع

لحسن أوزين

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *