لقاء بالرباط يتطارح مستقبل الإعلام في زمن اللايقين

لقاء بالرباط يتطارح مستقبل الإعلام في زمن اللايقين

متابعات:

     في اطار المشروع الوطني القراءة للجميع، نظمت مكتبة الألفية الثالثة بالرباط الجمعة 23 يونيو الجاري، لقاء خصص لتقديم وقراءة وتوقيع كتاب “الاعلام في زمن اللايقين” الإصدار الجديد للكاتب الصحفي جمال المحافظ، بحضور فعاليات إعلامية وثقافية وجمعوية.

   في بداية هذا اللقاء قدمت حفصة أشباكو، الإعلامية ومقدمة البرامج بوكالة المغرب العربي للأنباء، التي أشرفت على تسيير وتأطير فقراته، نبذة عن المسار  المهني والأكاديمي لمؤلف الكتاب رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال، الفاعل المدني، أستاذ جامعي زائر، مدير اعلام سابق بوكالة المغرب العربي للأنباء وعضو لجنة الاشراف على اعداد الخطة الوطنية للإعلام والديمقراطية، وكرسي محمد العربي المساري لأخلاقيات الصحافة والاتصال. كما توقفت عند المحاور الرئيسية التي يتضمنها الإصدار الجديد الذي يقع في ما يناهز  350 صفحة من الحجم المتوسط و يتضمن ستة فصول قضايا،  تتناول قضايا “الإعلام والرقمنة” و” الثقافة والاعلام” و”الاعلام والسياسة” و”الصحافة والذاكرة” و”الاعلام والمؤسسات” و”الاعلام والجوار”.

   وقالت إن مقدمة المؤلف التي أعدها الأستاذ  الجامعي حسن طارق، تشير بالخصوص إلى أن نُصوص هذا الكتاب تحمل قلق السؤال حول مُستقبل الإعلام في قلب تحولات جارفة . تفعل ذلك وهي تُفكر في أثر السياسي على الصحافة، وتقف على اختبار الأخلاقيات في زمن الرقمنة، وتستعرض تحديات الصحافة الثقافية أمام اكتساح الضحالة المُعممة، وتُدقق النظر في حُضور الطفل والمرأة والثقافة والرياضة في إعلام اليوم ، وتبحث في مآلات بنيات ومؤسسات الأداء الإعلام، وأن الكاتب قَدِمَ الى مقالة الرأي من كل تلك الروافد الغنية بالتزام المواطن،  وخبرة الفاعل، و مهنية الإعلامي، وحِس الأكاديمي، ويبدو الأمر واضحا، عندما نُطالع ما يكتبه في مجال الإعلام مثلا حيث تسمح الذاكرة الحية للمُؤلف بصياغة تجمع بين مُلاحظات الصحافي وبين شهادة الفاعل الذي كان حاضراً بشكل أساسي، في المحطات الكبرى لإصلاح سياسات الإعلام، وكان قريباً دائماً من دوائر الفعل والقرار والتداول.

براديغم جديد

   في معرض تقديمه جمال للمحة مختصرة عن مؤلفه الجديد، أوضح جمال المحافظ، أن مبدأ اللايقين، ‏الذي أسس له العالم الألماني فرنر هايزنبرغ عام 1927، يعنى أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة متناهية، وانتقل هذا المفهوم إلى الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية  والإعلامية، بعد تشكله في نطاق الفيزياء المعاصرة، وأصبح بذلك اللايقين أو الارتياب، أكثر المفاهيم تداولا، وتحوّل إلى نموذج تفسيري، وبراديغم إرشادي جديد. وأضاف أن جائحة كوفيد 19، ساهمت في تسليط المزيد من الضوء على مبدأ اللايقين  خاصة على المستوى المعرفي والسياسي والثقافي والإعلامي، كما تزامن ذلك مع انتشار  التفاهة والشعبوية وسيادة التجهيل، وساهمت التكنولوجيا في انهيار الحدود ما بين وسائط التواصل التي تحولت الى موجه لطريقة تمثلنا للعالم وجعلت العلاقات، تتم وفق ما تقدمه لنا هذه الوسائل جاهزة، عوض التجربة المباشرة للأفراد والجماعات.

سلطة أولى

   بيد أن المؤلف، أوضح أن كتاب “الإعلام في زمن اللايقين”، لا يهدف الى الغوص في مختلف الآراء حول مفهوم اللايقين، أو اتخاذ موقف بشأنه بقدر ما يرمي الى اثارة الانتباه الى أهمية الإعلام والاتصال، والادوار الطلائعية التي يقوم بها في ظل المتغيرات الراهنة التي جعلت الصحافة والاعلام، تتحول من سلطة رابعة الى سلطة أولى فاقت  السلطات التقليدية الثلاث مشددا على أن الكتاب الجديد الذي له علاقة جوهرية مع مؤلفه “حفريات صحافية من المجلة الحائطية إلى حائط الفيس بوك” الصادر السنة الماضية، لا يدعى الإجابة الشافية، عن مستقبل الصحافة والاعلام في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية ومتغيرات الفكر والسياسة والصحافة والمجتمع، بقدر ما يطمح الى إثارة الانتباه الى تحديات ورهانات الاعلام والاتصال في القرن الواحد والعشرين.

البحث عن الحقيقة

   في مستهل قراءته للكتاب تساءل الصحفي عبد المنعم العمراني، عندما طلب مني الصديق جمال المحافظ أن أشاركه في هذه الجلسة لتقديم كتابه هذا، تبادر إلى ذهني السؤال التالي: ما الذي يجمعني بجمال، بغض النظر عن الصداقة؟ وقال غصت بين صفحات “الإعلام في زمن اللايقين”…. ونسيت – أو ربما تناسيت – الإجابة على السؤال ثم عدت لجملة استوقفتني. وردت في استهلال الكتاب. يذكرنا من خلالها بوظيفة الإعلام وبمهمة الصحافي: وظيفة الإخبار، ومهمة البحث عن الحقيقة أثارتني كلمة الحقيقة. وتساءلت: ربما كان على جمال أن يستعمل صيغة الجمع، بدل المفرد، وهو يتحدث عن توق الصحافي إلى الوصول، أو إلى البحث عن الحقيقة. مرة أخرى – وأنا مستمر في غوصي بين دفتي الكتاب – نسيت، أو تناسيت، أن أفكر في جواب ممكن لهذا التساؤل، نسيان أو تناس، ذكرني بما يجمعني يجمال المحافظ، فضلا عن صداقة بدأت منذ ثلاثين سنة ونيف، وانتماء مشترك إلى “لاميج”، مع فارق مهم: انتمائه هو للجمعية المغربية لتربية الشبيبة كان هنا، في المركز. أما انتمائي أنا، فكان هناك، في الهامش “العرائش”. 

تفكيك سوسيولوجيا الإعلام

   وأضاف تذكرت إذا أن من ضمن ما يجمعنا – يا جمال – ما قاله يوما عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في معرض محاضراته، التي خصصها لتحليل وتفكيك سوسيولوجيا الإعلام والفن والإبداع، نه الحقل الإعلامي الذي يجمعني بك، ربما من ضمن حقول أخرى، الحقل الإعلامي كآداة لفهم ما نطمح إلى تحقيقه نحن معشر الصحافيين، أو العمال الإعلاميين، وما نطمح إليه، من أجل الإخبار، هو البحث عن تلك الحقيقة – أو الحقائق – التي تكون مَخْفِيةً، أو ضائعة، بين ثنايا البيانات والشعارات والتصريحات وروايات “شهود العيان” وبلاغات شركات “التواصل المؤسساتي”.

   وبعدما تساءل كيف السبيل إلى ذلك في “زمن اللاياقين”؟ قال عبد المنعم العمراني الذي جاور المؤلف في بداية تسعينات القرن الماضي بوكالة المغرب العربي للأنباء، سؤال، يحاول جمال المحافظ أن يجيب عليه في هذا الكتاب من خلال تذكيرنا بالحقول الاجتماعية، التي لا يمكن للصحافي أن يتغاضى عنها إن هو أراد ملامسة جزء من الحقائق التي تعتمل في المجتمع، الذي يحاول – كناقل للأخبار – أن يُنير بعضا من طريقه لأعضاء ذلك المجتمع: أي للناس… للجمهور، معربا عن اعتقاده بأنه هنا يبدأ جمال المحافظ في إبراز نماذج الحقول التي تتصارع مع الحقل الإعلامي – أو (ربما؟) بعبارة أخرى: الحقول التي يتصارع معها العامل الإعلامي في سعيه إلى البحث عن الخبر اليقين، إن هو وُجِد صراع مع السياسة، والمؤسسات، والثقافة، والذاكرة، والثورة الرقمية، و – أخيرا وليس آخرا – مع الجوار، الجوار الجغرافي، والتاريخي، والسياسي، والإنساني للمغرب، جوار غالبا ما يخصص له جمال المحافظ حيزا مهما في كتابته حول ما يعتمل في الحقل الإعلامي المغربي، ومنها هذه “المقاربة البنيوية”، كما وصفها الأستاذ سعيد بنيس، لـ “الإعلام في زمن اللايقين”.

الابتعاد عن اليقين

    وذكر بأن هذا “اللايقين” كان محورا لندوة علمية عَقَدتْها، هنا في الرباط عام 2012، الجمعية الدولية لعلماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية. دعا القائمون على تلك الندوة إلى التفكير في “الأشكال الجديدة لظاهرة قديمة، كانت دائما موجودة في صلب العلاقات بين الأفراد والجماعات، وفي قلب نزوعهم الجزئي إلى الابتعاد عن اليقين موضحا أن هذا اللايقين” الذي يوجد أيضا في صلب استراتيجيات المؤسسات الاقتصادية العابرة للقارات، التي تتحدث في أدبياتها عن تدبيره، بعدما فرضت على المجتمعات منطق تقاسم الأخطار، بدلا من تقاسم الثروات وسواء كنتم من دعاة التفكير، أو من هواة التدبير. ودعا إلى ” قراءة كتاب جمال المحافظ، لأنه يستفز اليقينيات، ويدفع فعلا إلى كثير من التأمل والتفكير”.

   وكان اللقاء الذي جاء مباشرة بعد أول تقديم للإصدار الجديد ضمن فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط ما بين 01 و11 يونيو 2023، مناسبة تفاعل فيها الحضور مع مؤلف الكتاب من خلال طرح العديد من التساؤلات حول موضوع الكتاب، والاشكالات المطروحة على مستوى الاعلام والتواصل، واخلاقيات الصحافة والتنميط ومصير وسائل الاعلام في ظل الثورة الرقمية، والذكاء الاصطناعي وقضايا الحياد والاستقلالية وموقع الاعلام في السياسات العمومية وأسئلة الإعلام العمومي والتربية على الاعلام.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة