تزايد شعبية إرنست رينان لدى العنصريين والإسلاموفوبيين
باريس- المعطي قبال
لم تعد المؤسسة الجامعية الفرنسية ولا دور النشر تهتم، إلا فيما نذر، بكبار أعلامها من المفكرين والفنانين والأدباء. يلاحظ فقط اهتمام بالشخصيات السياسية التي يجد بعضها بين الفينة والاخرى مكانه في”ضريح العظماء” ( البانتيون). هكذا مرت 200 عام على ولادة إرنست رينان الذي زاوج بين عدة تخصصات، اللسانيات، الاستشراق، التاريخ، الفلسفة الخ …والذي يعتبر بحسب أناتول فرانس “أحد عباقرة زمانه”. ولم تصدر عن مؤسسة مثل الكوليج دو فرانس التي كان أحد أساتذتها الكبار، ومسيريها الإداريين، التفاتة تكريم أو احتفاء. وحدها دار النشر كالمان ليفي أقدمت على خطوة جريئة تمثلت في إعادة نشر كتاب رينان “حياة المسيح” الذي تسبب عند إصداره لأول مرة في 24 من يونيو 1863 في ضجة كبرى تدخلت فيها عدة أطراف وبالأخص الكنيسة الكاثوليكية التي اعتبرت أن ما أقدم عليه المؤرخ لا يعدو كونه هرطقة وكفر.
بالنسبة لإرنست رينان وخلافا لما هو شائع، ولد المسيح بالناصرة وليس ببيت لحم. كما تلقى الوحي من قوة ما فوق طبيعية وخالط وسطا امتزج فيه اليهود بالوثنيين والإغريق. بالنسبة للمؤرخ، يبقى المسيح كيانا تاريخيا ومحصلة ظروف ملموسة وليس كيانا مجردا. في مقاربته، نفض رينان عن المسيح الهالة الخرافية والغبار الاسطوري ليجعل منه محصلة تاريخ زمانه. نلمس هنا تأثره بالعلم الوضعي لزمانه وبالأخص بأفكار داروين الذي كان عبارة عن نبراس لتوجهه العلمي وقطيعته مع التربية الدينية الكاثوليكية. يضاف إلى قراءته النقدية لحياة المسيح، أفكاره السياسية المتمركزة اوروبيا بل غربيا. اعتبر الغرب أفقا للحضارة . وثمة من اعتبره على غرار بيار روزنفالون إنه الأب الروحي للجمهورية.
على المستوى العربي يهمنا رينان على أكثر من صعيد لأنه المرآة المعكوسة بل المشوهة التي قدمها عن الإسلام والفلسفة الإسلامية. فأفكاره الاستشراقية نهل ولا يزال ينهل منها السياسيون الفرنسيون على مختلف مشاربهم الايديولوجية، ثم إن المقاربة التي أنجزها بشكل مبتسر ومجحف للفلسفة الرشدية في كتابه “ابن رشد والرشدية” والذي أعدم فيه كل الإضافات التي جاء بها ابن رشد إلى المتن الارسطي والفلسفي، لما اقر بأن ابن رشد لم يضف شيئا. المحير في الأمر أن هذا الكتاب هو في الأصل أطروحته في الدكتوراه، وقد أعدها وهو في وضع مادي ضيق. قدم أطروحته في 11 من غشت 1852.
السؤال اليوم هو: ما ذا بقي من إرث رينان بعد غيابه بـ 131 سنة؟ في حياته، تصدت له الكنيسة الكاثوليكية التي اتهمته بالزندقة والهرطقة، عارضت أولى محاولاته للتدريس بالكوليج دو فرانس، اتهمه المناهضين للاستعمار من امثال إيمي سيزير بأنه حليف النازية، انتقد إدوارد سعيد بحدة افكاره الاستشراقية، وكذا المفكرين وأساتذة الفلسفة اختزاليته النظرية للمتن الرشدي الخ. استولى اليمين المتطرف على بعض من أفكاره مثل فكرة العرق، أفضلية الغرب، لتغليفها بأيديولوجية عنصرية تنبذ كل ما هو لا غربي. وقد أصبح إرنست رينان، وكان قبل ذلك، أحد الممهدين للعنصرية والإسلاموفوبيا والمناهضين للاختلاف.
Visited 10 times, 1 visit(s) today