حذاء لودريان القديم

حذاء لودريان القديم

محمود القيسي

اصنع بنفسك ما تشاء،

اخلع قميصك أو حذاءك ان اردت،

فأنت منسي وحر في خيالك،

ليس لاسمك أو لوجهك ههنا عمل ضروري.

تكون كما تكون…فلا صديق ولا عدو
هنا يراقب ذكرياتك”

الحياة لعبةٌ مُنهكة، مجرد انتعالك الحذاء صباحا يُعد انتصار لدى البعض المنهك.. في حين يعتقد البعض الأخر إنه لم يعد شيء يربطنا بهذه الأرض سوى حذاء منهك!؟.. أسف كاتب وصحافي لبناني للتعليقات الصادرة عن بعض السياسيين اللبنانيين على لون وشكل حذاء المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، ولهذا الدرك من التعليقات السخيفة، وما الإنشغال بحذاء لودريان إلاّ دلالة على واقع سياسي متخلف، والأجدى أن نفكر ماذا في عقل لودريان أو من يديره وليس بما يلبس، وللاسف نحن دائماً بحاجة إلى مبعوثين أو مسؤول مخابرات أو متصرف لإدارة شؤوننا. نعم، أنشغل قادة البلد بحذاء المبعوث الفرنسي الخاص ونسيوا أو تناسوا أنهم سبب أزمة البلد وأمراضه المستعصية والانهيارات المتلاحقة والتي أصبح معها لبنان في مرحلة التحلل والتحول إلى مادة آثمة ترفض أن تشربها الأرض على مهل وترفض ان تمطر عليها السماء!

عندما كنا صغارًا في عمر البراعم وبراءة الملائكة في عيوننا جرت العادة ان نخبئ احذية العيد والمناسبات السعيدة تحت المخدة خوفًا من إن يسرقها احد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران.. وحين أصبحنا في سن المراهقة وقصات الشعر الغريبة والثياب المزركشة كنا نتباهى بالأحذية الجلدية عندما تكون أصلية وتتماشى مع موضة تلك الأيام الغريبة العجيبة وتناسب ثيابنا المنتقاة بعناية شديدة كي نسترعي أو نسرق في حقيقة الأمر والرغبة الخبيثة أنتباه الفتيات الجميلات المراهقات زملاء الدراسة والحي والشارع والمبنى والجيرة.. كان الحذاء الجديد بالنسبة لنا رمز العيد والخطوة الأولى نحو العيد واستقباله بالفرح المقدس والنشوة واللذة الغريبة.. كان الحذاء الجديد الخطوة الأولى ومصدر سعادة لا توصف وكبرياء لا تحده حدود رغبة أخرى سوى نظرة إعجاب من مراهقة عيونها خجولة ترسل إشارات إعجاب بالحذاء الجديد أولآ!..

عندما كبرنا وخرجنا إلى الحياة على عاتقنا ومسؤوليتنا وأصبحنا نذهب كيف نشاء وأين نشاء ونرتدي ما نشاء ونأكل متى نشاء وننام بعد منتصف الليل دون تحقيق ودون أستجواب.. عندما كنا نذهب في رحلة صيد إلى البرية أو إلى الغابة وخصوصًا الأمكنة الموحلة كنا دائما ما نرتدي أحذيتنا القديمة البالية.. الرحلات التي لا تستأهل حذاء جديد قد تفسده تلك البراري والغابات والمناطق المكتظة بالوحول والوحوش وكل أنواع الحيوانات المفترسة.. كنا لا نعطي الحذاء اي إهتمام من اللون أو الموديل أو النوعية مجرد حذاء لقضاء رحلة صيد قد تصيب بالصيد الوفير وإمكانية ان تخيب ونعود خالين الوفاض خطوة بحذاء قديم إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء وكاننا لا نريد العودة من حيث آتينا!؟.. حذاء لودريان كان رسالة مباشرة إلى جميع المسؤولين في لبنان دون أستثناء عن طبيعة الزيارة وطبيعة المخلوقات التي سوف يقابلها والنتائج المعروفة سلفًا والتي لا تساوي في حقيقة الأمر والواقعية السياسية سوى حذاء.. مجرد حذاء.. حذاء قديم!

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني