بين الذكر والأنثى

بين الذكر والأنثى

د. إبراهيم حلواني

لماذا الرجُلُ دائمًا “عينو لبرّا”، سؤال دفعني إلى إجراء بحث عميق حول الأسباب الحقيقية، فكان هذا المقال.

في هذا السرد، كلمة تزاوج أعني بها: علاقة بين ذكر وأنثى، من حيوان أو إنسان، تهدف إلى إنشاء ذرية وحضانتها. إذن، وفق ما أقصد، هو ليس علاقة عابرة.

يتحدث علماءُ الأحياء عن أربعة أنماط أساسية من التزاوج:

ــــ الأحادي Monogamy: ذكر واحد ــــ أنثى واحدة

ــــ تعدد الشريكات polygyny: ذكر واحد ــــ عدة إناث

ــــ تعدد الشركاء polyandry: عدة ذكور ــــ أنثى واحدة

ــــ الخليط Polygamy: عدة ذكور ــــ عدة إناث

مثلا: مجتمع البَعام chimpanzee يعتمد التزاوج الخليط حيث تتقبل الأنثى عدة ذكور ويمكن للذكر تلقيح عدة إناث. تنشئة الصغار تكون من

مسؤولية المجموعة. وأكثر أنواع الحيوانات الثديية اعتمدت التزاوج المتعدد الشريكات (ذكر-عدة إناث).

قبل سيطرة الحضارة الغربية وتأثيراتها، 83% من المجتمعات البشرية البدائية قامت على تعدد الزوجات، و16% على الزواج الأحاديّ، و1% على تعدد الرجال.

حقيقة أساسية نتج عنها تعدّد الشريكات عند الثدييات. منويّات الذكر أكثر بكثير من بويضات الأنثى:

يمكن للذكر أن يخلّف عددا غير محدود من الذرّية إذا استطاع الوصول إلى عدد كاف من الإناث، على عكس الأنثى التي يمكن أن تنجب أقصى ما تستطيع من خلال ذكر واحد.

التزاوج الأُحادي

تشتمل مجموعة الحيوانات الرئيسية على 250 نوعا تقريبا على رأسها الإنسان، منها القردة والسعادين والليمور والهبار. والتزاوج الأُحادي هو تزاوج يجمع بين ذكر واحد وأنثى واحدة. قد يكون مرحليًّا ينتهي باستقلال الصغار، وقد يدوم مدى العمر.

عند الثدييات 9% من الأنواع تعتمد التزواج الأحادي، منها 3% مدى العمر. وعند الرئيسيات 15% من الأنواع تعتمد التزواج الأحاديّ. كما أن التزواج الأحاديّ شائع أكثر في الطيور: حوالي 90%. . وهو موجود في الطبيعة ولكنه ليس الأغلب، ويبدو أنّ تلك الطبيعة تدفع باتجاه تعدد الزوجات فيما يخص فرعنا التطوري، كما يقول عالم الأحياء دايفيد باراش.

في المجتمعات البشرية، التزاوج الأحاديّ عند الإنسان يسمّى الزواج الأُحادي. بدأ تحول البشر من تعدد الزوجات إلى الزواج الأحادي منذ زمن غير بعيد، يقدّرون بين 5 إلى 10 آلاف سنة.

في الغرب الحديث، يفقد الزواج الأحاديّ أرضيّته أمام العودة إلى الغرائز المتجذرة بعمق في التاريخ البشري، وفق ما يقول به عالِم الأحياء وعالِم النفس التطوري دايفيد باراش. ومن الأسباب التي تدفع نحو الزواج الأحاديّ عند الإنسان: تساوي عدد الذكور وعدد الإناث تقريبا. إذا تعدّدت الزوجات يفيض عدد الذكور العزّب، ما يسبب حالات عنف خطيرة. وحاجة الأطفال إلى تضافر جهود الأب والأم، خاصة وأنّهم لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم خلال سنيّهم الأولى. حتى أن التعقيدات الاجتماعية باتت تفرض وجود أفراد ومؤسسات يساعدون على رعاية الطفل.

بين القانون والواقع المعيشي

تميل أكثر الدول اليوم إلى منع الزواج المتعدد في قوانينها، أي إلى فرض الزواج الأحاديّ. الدول الإسلامية وأكثر دول إفريقيا ما زالت تسمح بالزواج المتعدد. أما الواقع المعيشي فيخبر قصصا أخرى: أكثر من نصف المجتمع يخرق القانون من حيث الخيانات الزوجية، وتعدد زوجات بالسرّ، ووجود كثيرين يعيشون معا باتفاق مكتوب أو غير معلن.

تعدد الشريكات

تعدد الشريكات هو تزاوج يجمع بين ذكر واحد وأناث عدة. تعدد الشريكات شائع في أكثر أنواع الثدييات. عند الإنسان يسمّى تعدّد الزوجات وهو مشرّع عند المسلمين، ومنتشر في إفريقيا بسبب تسخير المرأة للعمل وتجارة العبيد قديما. وعندما تتعدد شريكات الذكر في مجتمع حيواني، أو إنسانيّ، ينشأ مفهوم الحريم. لا بدّ أنّك تذكرت الآن قطيع الغزلان وقطيع الخراف، والديك المعرّم السارح بين دجاجات الحديقة. ومنها فيل البحر Elephant seal قد يضمُّ حريمُه 40 أنثى. ومنها بعض القرود: السعلاة  Orangutanالغوريلا، الجيلادا.

هناك ثلاثة أسباب مهمّة دفعت مجتمع الثدييات باتجاه تعدّد الشريكات:

ــــ منويّات الذكر أكثر بكثير من بويضات الأنثى، ويمكن له أن يخلّف عددا غير محدود من الذرّية.

ــــ الذكر جاهز دائما للتلقيح وهرموناته مِلحاحة، على عكس الأنثى بسبب طبيعة جهازها التناسلي وبنيتها الذهنية والنفسية والعاطفية.

ــــ العلاقة الجسدية ــــ العاطفية بين الأم وطفلها أوجدت لديها واقعا ذهنيًّا وعاطفيًّا وبيولوجيًّا يختلف عن واقع الرجل.

لماذا الذكر أقوى وأضخم؟

انظر أيضا ماذا ينتج عن تعدّد الشريكات: الذكر يلقّح عدة إناث، إذن عليه أن يدافع عن إناثه لحماية ذريته توافقًا مع القانون الطبيعيّ: البقاء للأقوى، إذن يجب أن تتطور لديه الشجاعة والقوة الجسدية، إذن لن يقوم بوظيفته قبل اكتمال بنيته الذهنية والجسدية، إذن يتأخر سنّ البلوغ عنده!

هنا نفهم لماذا تكون الذكور، عند الثدييات، أقوى من الإناث وأكبر حجما ويتأخر بلوغُها. أليس ذلك ما نلاحظه أيضا عند بني البشر؟

إحصاءات حول المساكنة والطلاق والخيانة

فيما يلي أذكر نسبًا مختلفة تتعلق بالمساكنة والطلاق والخيانة الزوجية. استنتجت هذه النسب من أكثر المراجع جدّيّة ولكنني اختصرتها كثيرًا، فأنا أقصد إلى إعطاء فكرة عامة ليس أكثر. نسب المساكنة والطلاق والخيانة الزوجية هي في ازدياد عالميّا.

المساكنة: الإقامة معًا بغير عقد زواج

في الغرب عموما، من أهمّ أسباب المساكنة الاقتصاد في المال، وعدم الرغبة في تحمّل نتائج الزواج من أولاد، والمترتبات المادّيّة عند الطلاق. قبل السبعينات لم تكن المساكنة شائعة في مجتمعات الغرب. وأكثر نسب المساكنة تجدها عند الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة.

أكثر الدول التي تظهر فيها المساكنة: الولايات المتحدة الأميركية: 60% من المقترنين مساكنون (المقترنون = المتزوجين + المُساكنين).

وفي أوروبا: بين 20% و 45% (في الطليعة النرويج وفرنسا).

الطلاق

في الولايات المتحدة وأوروبا 50% من حالات الزواج تشهد طلاقا، وكانت دون 25% في التسعينات. وفي الولايات المتحدة 15% من النساء البالغات هنّ الآن مطلقات أو منفصلات وفي لبنان والدول العربية 20% بالإجمال.

الخيانة الزوجية

الخيانة الزوجية موجودة في كلّ مجتمعات البشر وهي عند الذكور أظهر. تزداد الخيانة مع العمر، وأكثر ما تكون بين سنّ الـ 30 والـ 50.

في الولايات المتحدة: مطلع السبعينات: 10% (12% رجال، 7% نساء) … مطلع التسعينات: 30% (35% رجال، 25% نساء)، سنة 2012: 41% من الولادات كانت لأمهات غير متزوجات.

أما في فرنسا العقد الحالي: 43% (55% رجال، 32% سيدات).

في العالم العربي: لا توجد إحصائيات موثوقة ولا يمكن التكهن بالأمر، ولكن الخيانة الزوجية موجودة وهي عند الرجال أكثر بكثير من النساء لاعتبارات معروفة.

لماذا الرجُلُ دائمًا عينو لبرّا

تعاني المجتمعات البشرية منذ آلاف السنين من تلك الآفة التي تهدّد العائلة وتسبب الكثير من الألم والخيبة: الخيانة الزوجية. لن أردّ السبب إلى الأنترنت أو الإعلام الإباحي أو عشرة السوء أو مستوى الزوجة الثقافي أو رغبة الزوج بالتغيير أوسأذهب مباشرة إلى الجذور حيث السبب الحقيقيّ، ولكن الأخيرة رغبة الزوج بالتغيير تحمل بعض الحقيقة. فأكثر من 90% من أنواع الثدييات تعتمد التزاوج متعدد الشريكات (ذكر-عدة إناث).

في عالم الحيوانات الثدييّة: الذكر يتنافس مع سواه ليحصل على حق التزاوج ويستأثر بأكبر عدد من الحريم. ويجتمع له قطيع من الإناث عليه أن يقوم بتلقيحها جميعا. أليس هو الذي قاتل من أجل ذلك؟ هرموناته ضُبطت لتدفعه إلى إتمام تلك المهمّة. وهو يعرف الأنثى المناسبة للحمل. طبعا لن يطارد الحامل أو التي ترهّل بطنها وثدياها من كثرة الحمل والإرضاع. سيبحث عن الفَتِيّة الممشوقة والرشيقة المعافاة، وإن كان إنسيًّا فسيبحث عن متورّدة الخدّين (قد نجد هنا أحد أسرار نشوء ما نسميه الجمال في عالمنا). هو لا يفكر بذلك بوعيه، ولا يخطط له، الخطّة مدوّنة في كتابه الجينيّ.

باختصار: عندما ينهي الحيوانُ الذكرُ تلقيحَ الأنثى عليه أن يبحث عن غيرها. تركيبه الذهنيّ والجسديّ، ناهيك عن هرموناته المِلحاحة، تدفعه إلى ذلك دفعا… ويبدو أنّ الذكر الإنسِيَّ ورث من ذلك الكثير. لذلك تراه دائمًا “عينو لبرّا”. فلماذا إذن ينهى المجتمع والدين الرجل عن مواعدة غير زوجته؟ لماذا لا تتفهم القيمُ الأخلاقية والحدودُ الاجتماعية وأبي وأبوك وأمّي وأمُّك ما أوجدته الطبيعة في كتابنا وكروموزوماتنا؟ الجواب الأكيد تجده في القطار الآتي مسرعًا من الجهة المقابلة: قطار الأمن الاجتماعي.

سأتحدث عن ذلك في القسم الثاني.

Visited 33 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. ابراهيم الحلواني

أستاذ جامعي وباحث لبناني