بين العلم والتنجيم … حقائقُ حول الزلازل و”العالِم” الهولندي

بين العلم والتنجيم … حقائقُ حول الزلازل و”العالِم” الهولندي

د. إبراهيم حلواني

على الرغم من انتقاد علماء كثيرين في الخارج للعالم الهولندي فرانك هوغربيتس، انتظرتُ أن ينبري له جيولوجيون من بلدي ويفضحون أساليبه، بالبراهين والحجج العلمية، لكن ثلّة قليلة سخّرت من وقتها للموضوع.

أولا: حقائق حول الهزات الأرضية

سبب الزلازل وتوقع حدوثها                           

يُقدّرُ العلماء أنّ 95% من الزلازل والهزات الأرضية سببها الصفائح التكتونية بحركتها وتصادمها وبما يصل إليها من باطن الأرض من حمل حراري. البراكين ومظاهر جيولوجية أخرى تتسبب أيضًا بالهزات الأرضية.

ينفي علماء الجيولوجيا بشدة إمكانية توقّع الزلازل بشكل دقيق، ولكنهم يستطيعون تقديم توقعات تقديرية مبنية على داتا إحصائية تراكمت لديهم، وبناءً على رصد اهتزازات واضطرابات جديدة، ليس أكثر.

إحصاءات عن الهزات الأرضية

تضربُ الهزاتُ والزلازل سطح الأرض بشكل مستمر، وأكثرها لا نعرف به لأنها غالبا ما تصيب البراري والمحيطات والأماكن غير المسكونة. يوجد الآن داتا ضخمة من المعلومات حول الهزات الأرضية والزلازل تجمعت لدى العلماء منذ سنة 1900، منها:

*كلّ يوم 55 هزة تضرب سطح الأرض.

*كلّ أسبوع 10 زلازل قوتها أكبر من 6.

*كلّ سنة 16 زلازالا قوته 7 أو 8 أو أكثر.

إذا قال لك أحدهم إن هزة بقوة 6 درجات ستضرب خلال أسبوع في مكان ما، فهذا ليس تنبؤا، هذا توقع ينسجم مع الإحصاءات العلمية.

 تأثير الشمس والقمر دون الكواكب

للشمس والقمر تأثير معروف على جيولوجية الأرض، فهما يتسببان بحركة المد والجزر. حديثا بات الجيولوجيون مقتنعين أن ذلك التأثير يطال أيضا قشرة الأرض ولكن بشكل ضئيل. يشبّهون ذلك التأثير بالقشة التي تقصم ظهر البعير، فهي تساعد أحيانا على تحرير الصفائح من حشرتها وتنفيس الضغط عنها.

الكواكب غير البعيدة عن الأرض، مثل عطارد والزهرة والمريخ والمشتري، ليس لها تأثير يُذكر على جيولوجية الأرض. أكبر تأثير يأتي من القمر، وللشمس نصف تأثير القمر. أما الكواكب الباقية مجتمعة فتأثيرها أقل بمئة ألف مرة من تأثير الشمس.

 ثــانـيا: عن فرانك هوغربيتس وطبيعة عمله

فرانك هوغربيتس، هو باحث هولندي و”عالم” زلازل يعمل في معهد المسح الهندسي للنظام الشمسي SSGEOS. ولكن هذا المعهد هو من أنشأه وسمّاه، محاولا أن يضفي على نفسه صفة العالم الباحث. يتحدث عن ملاحظاته وتوقعاته عن النشاط الجيولوجي من خلال تويتر وفيس بوك.

الغريب أني لم أجد مرجعًا علميّا أو جامعة أو مركزَ بحثٍ يعترف به أو يتبنّى أقواله. بل وجدت من كتب أنه لا يحمل شهادات في علم الزلازل (لست أدرى مدى حقيقة ذلك).

في الواقع الذي أراه، الهولندي فاتح على حسابه: لا يقدم بحوثا إلى أي جهة جامعية. الجهة الوحيدة التي تنشر له “خبرياته” هي معهده ssgeos الذي أسسه بنفسه ويستعمله كمرجع ومنصة ذات اسم براق.

 الاصطفاف الكوكبي

يستند الهولندي بشكل أساسيّ على ما يسميه الاصطفاف الكوكبي. فهو يزعم أن اصطفاف بعض الكواكب نسبة إلى الأرض يؤثر على القشرة الأرضية ويتسبب في إطلاق الزلازل. ولكن ذلك غير مقبول إطلاقا في الأوساط العلمية الجادة، كما بيّنا أعلاه

 سبب شهرته 

غرد هوغربيتس على تويتر، في 3 شباط الماضي، أن زلزالا تتجاوز قوته 7.5 درجة سيضرب مناطق في جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان. تحققت بعض توقعاته بعد ثلاثة أيام، الأمر الذي جلب له شهرة واسعة. هو لم يذكر فترة الأيام الثلاثة، بل قال بإمكانية حدوث ذلك “عاجلا أو آجلا“.

ولكن وقوع الحدث المدمر بعد ثلاثة أيام وربطَ الإعلام إيّاه بتوقعات فرانك أمّنا له فرصة واسعة لترداد اسمه على الألسن.

أعتقد أن الإعلام الجانح إلى الإثارة شكل “مكبرَ صوتٍ” هائلَ الحجم لصالح فرانك هوغربيتس.

ما الذي ساعد فرانك على التنبؤ بزلزال 6 شباط في تركيا؟

*لاحظ أن سنواتٍ عديدة مرت ولم يحدث فيها زلزال عنيف في المنطقة.

*تقارير علمية عن نشاط واضطرابات سجلت في باطن الأرض في منطقة الزلزال.

*تحذيرات شديدة من علماء زلازل ومؤسسات علمية مختلفة، تركية وأجنبية، باحتمال كبير لوقوع زلزال مدمر. جاءت تلك التحذيرات قبل سنة ونصف من وقوعه، وقبل أشهر، وقبل شهر.

 ثالثا: واقع الحال الآن

عن تنبؤات فرانك هوغربيتس بعد 6 شباط

*بعد زلزال 6 شباط في وسط جنوب تركيا، تنبأ الهولندي بزلازل عدّة مدمرة ستحدث، محددا أماكن ومواقيت عديدة بين 9 شباط و 12 آذار. لكن تنبؤاته كلها، ما عدا 6 شباط، لم تكن مصيبة.

*منذ ذلك الوقت لم يعد يحدد في تنبؤاته مكان وقوع الزلزال، بل صار يطرح أماكن عديدة.

*بالنسبة لزلزال المغرب، هو حدد أماكن محتملة، لم يكن المغرب من بينها: شمال الأطلسي، جنوب الأطلسي مقابل إفريقيا الجنوبية، البرتغال، إسبانيا، النمسا.

*الآن بدأ كثرٌ يلاحظون أنه أصبح متقلقلا بتصريحاته بشأن الزلازل وتواريخها. 

مسؤولية المجتمع والصحافة

*موضوع الزلازل يهم الناس بشكل كبير، والسبب واضح. الناس يبحثون عمّن يُطمئنهم ويزيل قلقهم، وفي الوقت نفسه يريدون تقدير درجة الخطر الذي يعيشون فيه.

*الناس تنسى عشرات التنبؤات التي تفشل وتتأثر بشكل كبير بتلك التي نجحت إلى حد ما، على قلتها.

*الصحافة تكبر الأوهام وتربك الناس لأنها تسعى إلى الإثارة والحصول على متابعين وإعجابات. أكثر المواقع تسطر عناوين فيها إثارة وتضليل. مثلا، قرأت منذ أيام “بعد زلزال المغرب، العالم الهولندي يتوقع زلازل مدمرة في عدة مواقع بين 22 و24 أيلول”! … وللحقيقة هو لم يتنبأ بزلزال المغرب، ولم تحدث أي زلازل مدمرة بين 22 و24 أيلول، ولا بعدها.

وكذب المنجمون ولو صدقوا.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. ابراهيم الحلواني

أستاذ جامعي وباحث لبناني