الشعراء وصناعة المحتوى

الشعراء وصناعة المحتوى

إلياس الطريبق

     هذا المقال ليس دراسة استقصائية أو إحصائية تروم إلى إنتاج معرفة خاصة بقدر ما يسائل واقع الشعر وحضوره في وسائط التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي عموما، وقياس مدى تأثيره على الجمهور والمستخدمين لهذه الوسائط، ثم وإلى أي حد انخرط الشعراء في هذا العالم الافتراضي، وهل من سبيل إلى قصيدة رقمية ذات تأثير واضح وفعال يسمع صوتها عاليا في الأرجاء؟

محمد بنطلحة

   محمد بنطلحة أو Mohamed Bentalha صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للشاعر محمد بنطلحة الفائز مؤخرا بجائزة إيمينسكو العالمية للشعر لعام 2022. من أعماله الشعرية “نشيد البجع” “بعكس الماء” “سدوم” “كذئب منفرد” “الجسر والهاوية” “سأنتظر أن يتنفس البرونز” وأعمال أخرى. الملاحظ أن صفحة الشاعر محمد بنطلحة صفحة نشيطة جدا، فهي متجر للمبيعات، أقصد معرضا لألبوم صور الشاعر منذ طفولته وذكرياته العائلية والأسرية، سفرياته، أمسياته، لقاءاته، وصداقاته. وهي أيضا ببليوغرافيا لدواوينه وأعماله الشعرية، كما هي مساحة خاصة لنشر نصوصه وقصائده، ومقهى للتفاعل مع قرائه وأصدقائه ومحبيه. فضلا عن أنها مرآة شخصية يقضي الشاعر أمامها وقتا لا بأس به يصفف شعره/ شِعره أو يعدل من نظارته/ رؤيته/ رؤياه، أو يمضي قدما ضاربا بها عرض الحائط، أو يقيس من خلالها مدى جاذبيته الشعرية طبعا.

   هكذا إذن أصبح الشاعر المعاصر في ظل سطوة التكنولوجيا قريبا من الجمهور متاحا على وسائط التواصل الاجتماعي، في متناول محبيه وقرائه. بعدما كان حبيس مكتبه فحسب أو بيته أو مقر عمله.

ياسين عدنان

   لم أرى حتى الآن شاعرا مغربيا أو عربيا غير ياسين عدنان- أقول شاعرا- يملك صفحة على فيسبوك متحقق منها أي إنها تحمل شارة زرقاء Verifeid account وهي الخاصية التي تستدعي أن يكون صاحب الصفحة إما شخصية عمومية أو سياسيا مرموقا أو نجما رياضيا أو سينمائيا أو علامة تجارية. ولو أن هذه الخاصية يمكن شراءها وليست دائما دليلا على شهرة صاحبها.

   والحق أن الشاعر ياسين عدنان اكتسب شهرة واسعة لعدة أسباب بدءً بديوانه الأول Mannequins الفائز بجائزة اتحاد كتاب المغرب للشباب سنة 2000، ثم تنشيطه لبرنامجه التلفزي في القناة الثقافية المغربية “مشارف” ثم البرنامج الرائق ذي الفكرة اللطيفة “بيت ياسين” على قناة الغد الدولية، فضلا عن حضوره الدائم في ندوات ولقاءات ومؤتمرات آخرها كان تنشيط حفل تسلم جائزة البور العالمية للرواية بالإمارات العربية المتحدة.

   إنها خزان حيوي يفتحه الشاعر متى تسنى له ذلك وفي وجه الجميع دون استثناء لكي يشارك جمهوره الواسع مشرقا ومغربا لقاءاته، ندواته، رحلاته وجديد إصداراته أو شهاداته وتأملاته.

   هو كذلك وجه شعري بملامح فنية منذور للحب وللصداقة ببسمته الصافية وصوت مميز بإبراقات كلماته وإشراقاتها المميزة وابتسامته الخلابة، استطاع بذلك أن يسوق لنفسه ماركة شعرية سمعية وبصرية أكثر منها بين بطون الكتب وجمودها الكَنَسي.

عبد اللطيف الوراري

   عبد اللطيف الوراري واحد من شعراء الحساسية الجديدة ذوي التجربة الفريدة والمتميزة والتي قامت على المغايرة والاختلاف ولا تزال تقوم، اسم نحت اسمه في حجَر الشعر المغربي بإصرار ومثابرة ونذر حياته وزمانه للقصيدة المفجوعة وللسلام الأبدي والنزعة العلمية النقدية في تعاطيه لنصوص من سبقوه أو عاصروه.

   اسم وعى عصره جديا وانخرط بشكل تلقائي وعفوي في مؤسسة التواصل الاجتماعي وامبراطورية الصورة، شاعر بوجه خاص، من قلائل الأسماء الإبداعية التي تمتلك موقعا إلكترونيا خاصا يحمل اسمه وهويته البصرية وجملة أعماله.

   في ALWARARI. e-monsite .com نعثر على سبعة أقسام موزعة على الشكل التالي:

1)- سيرة ذاتية: وهي عبارة عن CV مطول وشامل لحياة الشاعر ومختلف أعماله وأبرز محطاته الحياتية والإبداعية والأكاديمية.

2)- حوارات في الشعر والحياة: وهو قسم يضم أزيد من خمس وعشرين حوارا أجراها مع الشاعر نقاد وباحثون وإعلاميون بارزون.

3)- دواوين شعرية

4)- مؤلفات نقدية

5)- سير ذاتية وحوارية ورسائلية

6)- قصائد مختارة

7)- مقالات الكاتب في جريدة القدس العربي.

   فضلا عن ركن خاص بالصور الفوتوغرافية للشاعر وقراءات شعرية سمعية بصرية وبرامج تلفزية أجريت حوله وحول تجربته.

   لعمري إن هذا الانفتاح يحسب لهذا الشاعر وهي طريقة العصر في الوصول إلى القارئ والاقتراب منه على غرار الكتاب والمبدعين في الغرب. لكن لا بأس هنا أن نسائل الشاعر عن رأيه في هذه التجربة الجديدة، ما تقييمه لها وتفاعل الجمهور القارئ معها وإلى أي حد هي ناجحة؟

محمد بودويك

   محمد بودويك شاعر مغربي من أعماله “أقنعة تتنازع مشنوقا” “أنفاس أوفيليا” وأعمال أخرى. الافت في تجربة محمد بودويك انفتاحه المتفرد على تقنية الفيديو عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، حيث ينشر عبر فترات وإن كانت غير منتظمة ما سماه (إبراقات: إبراقات على شكل كبسولات خفيفة لطيفة منعشة ومفيدة تنزل على القلب كما ينزل الندى على الورد والنسيم العليل على الحر الافح) فيها يقدم نفسه على أنه شاعر مغربي وناقد أدبي وكاتب رأي حيث وصل عدد إبراقاته خمس إبراقات هي عبارة عن فيديو قصير من سبع دقائق يشارك فيه القارئ إبراقة شعرية كان آخرها “ومن الحب والشعر ما قتل: ديك الجن” سرد فيها قصة حب قاتل بسبب غيرة مجنونة رعناء بطلها الشاعر العباسي ديك الجن. وصل عدد مشاهدات هذه الإبراقة رقما غير مسبوق وهو 102 ألف مشاهدة إلى حين كتابة هذه الأسطر وما يقارب 1000 إعجاب وثلاثة وتسعين تعليقا، والإبراقة الرابعة التي وصل عدد مشاهداتها إلى  2600 مشاهدة ويزيد والإبراقة الثانية التي وصلت 7100 مشاهدة وهي أرقام تدل على مدى الانتشار الذي حققته هذه الكبسولات.

   تجربة محمد بودويك في نظرنا هي التجربة الأكثر نضجا في مجال صناعة محتوى للشعر على وسائط التواصل الاجتماعي إذ تنم عن اشتغال وجهد وتخطيط نرجو أن يتناسل رويدا رويدا لكن مع ضرورة مساءلة الشاعر عن سر هذه الإبراقات وذيوعها بهذا الشكل الكبير. ثم لماذا لا يقرأ محمد بودويك شعره بصوته كما يفعل مع إبراقاته؟

   قبل النهاية أحب أن أشير إلى تجربتين لا تقلان أهمية عن سابقاتها وهي تجربة الشاعر الشاب ياسين الحراق من خلال قناته على يوتيوب التي كانت تحمل اسمه ثم تحولت إلى قناة رشفات إبداعية وفيها يضم قراءات شعرية بصوته الرخم لشعراء مغاربة أمثال عبد الرحيم الخصار مبارك وساط حسن بولهويشات وآخرين من جغرافيات أخرى كفرناندو بيسوا، يانيس رتسوس، سركون بولص الشاعر العراقي، غادة نور الدين، صلاح فائق، خايمي سبانس، أحمد رضا أحمدي، مارك ستراند… إلخ. وكذلك تجربة الشاعر جمال الموساوي بدوره يقدم قراءات شعرية لشعره ولغيره من أصدقائه الشعراء.

   في النهاية صناعة محتوى شعري أو أدبي على وجه العموم أو ثقافي على وجه الأعم بحاجة إلى العديد من التراكمات والإنجازات التي تظل محتشمة وفردية وكل ما تحتاج إليه هو التشجيع المطلوب من أهل الفن والشعر والثقافة والأدب لا غير.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

إلياس الطريبق

كاتب مغربي