صباح الرحماني.. أنثروبولوجية تلتئم بالطبيعة

صباح الرحماني.. أنثروبولوجية تلتئم بالطبيعة
كاركاسون- المعطي قبال
 
     تكاد صباح الرحماني، ذات الأصول المغربية، (من عائلة أمازيغية)، وفرنسية المولد، أن تكون نموذجا استثنائيا في مجالها، بحيث تعتبر من بين علماء الأنثروبولوجيا المتخصصات في مسألة العلاقة بين ما هو طبيعي وإنساني. ويشهد لها كبار علماء البيئة بسبقها وتميزها في مقاربة ظاهرة الاحترار وسبل معالجته. وقد أصبحت هذه المسألة اليوم من شواغل ومشاغل كبار المتخصصين في البيئة.
وتأتي القمة البيئية المنعقدة بمدينة بيليم البرازيلية هذه الأيام سعيا إلى إنقاذ الامازون، «رئة العالم»، دليلا على انشغال كافة المجتمعات بتبعات الاحترار المتزايد في أكثر من منطقة. أصدرت صباح الرحماني، عن منشورات آكت سود عام 2019 مؤلف «أقوال الشعوب الأصيلة». إلى كونها عالمة أنثروبولوجيا، تعمل صباح كاتبة صحفية بحيث وقعت العديد من المقالات في صحيفة لوموند الفرنسية. قادها مسارها وهي طالبة إلى جامعة السوربون. بعد أن قضت عاما من الدراسة اتجهت أخيرا نحو التخصص في البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي البيئي. عوض دراسة المجتمعات العربية أو تركيز بحثها على المغرب، قررت الاشتغال على مجتمعات أمريكا اللاتينية وإفريقيا وبالأخص على أقلياتها التي تعيش على الهامش وتتعرض لأخطار العولمة الوحشية.
ميدانيا درست مجموعات أيمارا الأصلية، وهم أمريكون هنود من بوليفيا. وركزت تخصصها على العلاقة بين الإنسان والطبيعة في جبال الانديز. ورثت هذا الميل إلى الطبيعة من جذورها وتربيتها عند إقامة عائلتها بالمغرب خلال العطل لما كانت العائلة تحج إلى الأطلس المتوسط لقضاء عطل الصيف بالمغرب. حينها كانت فرصة للانغماس في الطبيعة والتماهي معها. وقد عثرت على ذاتها بتخصصها في دراسة العلاقة بين الإنسان والطبيعة بالأنديز الوسطى ولهذا الغرض سافرت إلى البيرو، الإكوادور وبوليفيا. باشتغالها على علاقة الناس بالطبيعة، عثرت على نفسها والطموح الذي كان يراودها هو خلق التآلف بين القلب، العقل والجسد.
صباح الرحماني مع عنصرين من السكان الأصليين في الغابون وغينيا الجديدة
صباح الرحماني مع عنصرين من السكان الأصليين في الغابون وغينيا الجديدة

ثمة ميل إلى نسيان أهمية الجسد في مجتمعاتنا تقول صباح الرحماني مضيفة أن التغاير والاختلاف هو ما يعكس لنا صورتنا. ولما نعثر على ذواتنا فإن الأمر يتعلق بأخذ ورد في اللقاء مع الذات ومع الآخر. ربت الحيطة تجاه بعض وسائل الإعلام المهتمة بالبيئة لأنها تركز أساسا وباستمرار على الخوف وعلى الصراعات والنزاعات، أي على الواقع المخيف ويتم ذلك على حساب الأخبار التي بمقدورها تقديم حلول انفتاح وتطور. وقد أجريت دراسات بأمريكا في موضوع تأثير الخبر على معنويات الناس حيث تأكد أن تلقي الناس لأخبار سلبية يؤثر على معنوياتهم. بالإمكان إحداث توازن للخبر ما بين الواقع بمشاكله والواقع بحلوله. تلعب مجلة «كايزن» التي تعتبر صباح الرحماني رئيسة تحرير مساعدة لها، إلى حد ما هذا الدور. وهذا ما يفسر إقبال العديد من القراء على تتبع أخبارها وتحاليلها. ومن بين المواضيع التي تعرضها بالمتابعة والتحليل موضوع الفلاحة، الصحة، التغذية، التربية، الثقافات وأشكال التضامن، الروحانيات، السياسة، الاقتصاد الخ… ويبقى المستهلك الواعي، المتشبث بقوانين البيئة، هو محرك نظام التغيير.
على أي تعتبر صباح الرحماني أن التغيير حتمي وإلا استنفذ العالم خيراته وشرع الباب للمنافسة، للصراعات والحروب. تعمل صباح الرحماني بمقتضى مجموعة من الحكم ورثتها عن أعلام ورؤساء القبائل والمجموعات الاثنية بأمريكا اللاتينية وبإفريقيا. ذلك أن ألأنثروبولوجية التي تمارسها صباح الرحماني هي تخصص نضالي يهدف إلى الدفاع عن هذه الأقليات التي أصبحت عرضة للاندثار بسبب أطماع المستثمرين وملاك الأراضي الذين يسعون إلى طرد الأهالي من الأراضي والغابات لتحويلها إلى مزارع كبرى. غير أن هذه المجموعات من المواطنين تعلمت وسائل عديدة لمقاومة المقاولين والسياسيين واتباعهم وذلك برفع دعوات إلى الهيئات والمحاكم الدولية. وقد لعبت مجلة «كايزن» دورا رافدا مهما في نشر الأخبار وإبلاغ الرأي العام الدولي بهذه الأشكال من المقاومة.
Visited 11 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".