فصيلة “السادات” يتناسلون! (يوميات من زمن كرونا 2021)

فصيلة “السادات” يتناسلون! (يوميات من زمن كرونا 2021)

 د. لطيفة حليم- مونتريال

     هَبَّت سبطتها (ميلا)  من نومها فزعة، فأسقطت قنينة الزعفران، التي كانت بجوارها على الأرض، لم تتعرض للكسر فزجاجها من بلد أفغانستان. صرخت ميلا:

– تِيتَا، تِيتَا، دُمْيَتِي باربيBarbie ، التي سرقها صهيوني، هربت لتعيش في الواقع!

 بسطتْ كفَّ يدها اليمنى رَبَتَتْ على رأسها،  ليهدأ فزعها. وبدأت تعاتب نفسها:

– لماذا حكيتُ لها حكاية صهيونيٍّ قبل النوم؟ 

انتفضت من سريرها مرة أخرى:

– تِيتَا، تِيتَا، دُمْيَتِي قتلها صهيوني! 

   ضمتها لحضنها. عادت إلى النوم.

ضربت الحرف الثالث (ة)، التاء المربوطة. تملصت من الضرب. قلبت الفضائيات: قصفوا غزة،  زمن كُورُونَا، 26-05-2021. حي الشيخ الجراح. انفجر غضب عقود من الزمن وسِع كل بلدان العالم. صوت يرج بداخلها:

– لِمَ تبخسين ديمقراطيات ينادي بها الغرب وأمريكا؟

– لم اندفعتِ إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

– لِم.. لماذا؟

تهمس:

إذا استيقظت (ميلا) سأزين أذنيها بـ(طوانك) من ألماس كندا، لا من ألماس أمريكا المسروقة من أفغانستان.

 سمعت رَنَّة هاتفها المحمول عبر الواتساب. الدكتورة (لميس). صديقتها الثورية الجميلة، سألتها عن طالبان. أجابتها بسرعة:

– أنا مع طالبان، وأترجى من الله هروب الأسرى الفلسطينيين. مع خروج الأمريكان من أفغانستان واختفاء كُورُونَا 2021.

أجابتها بصوت خافت:

– (لميس)، روحك ثورية،  ما هذا التناقض؟ ترين أن طالبان هي البديل الأفضل للأنظمة في بلداننا المستبدة؟.. أمريكا أعطتها دور البطولة.. أمريكا لا تخطئ، لكن الطب قد يخطئ. أنت طبيبة مختصة في الطب الباطني، درست في المغرب وفي أمريكا، تُخْطِئِين أحيانا… تترجين هروب الأسرى الفلسطينيين الستة؟!..

أجابتها:

– يخطئ الطب أحيانًا،  لكنه  في تطور مستمر…ألا ترين أن الإنسان أصبح يعمر أكثر من ثمانين سنة. (جو بايدن)، تجاوز العقد الثامن ويقود أكبر دولة، وإن بمساعدة آخرين لا علم لنا بهم. ألا ترين أن اللقاح ساعد على تخفيض عدد الإصابات والوفيات؟  هذا عصر العلم، لا عصر الغيب والغباء.  

 أردفت (لميس) كلامها بحجج واهية.. شعرت من خلال كلامها بحزن كبير. وبدأت تقلب ملفات علقت بذاكرتها تخضع للتطبيع، تهمس:

-إذا استيقظت (مِيلَا) مرة أخرى سأحدثها عن التطبيع من خلال مقال قيد المراجعة، سأبعثه لمجلة “السؤال الآن”، التي أنتظر صدورها. 

التطبيع بدأ منذ مؤتمر القمة سنة 1981 الذي اعترف فيه العرب بقرار الأمم المتحدة 242 و338، الذي نص على ضرورة إعادة إسرائيل الأراضي المحتلة سنة 1967، ثم طبَّعت مصر العلاقات، ثم تبعتها منظمة التحرير، ثم دول أخرى، آخرها دولتا الخليج الإمارات والبحرين. إذن التطبيع قديم، إن قصد به الاعتراف الضمني أو العلني بإسرائيل. انهزم العرب في حروبهم مع إسرائيل، التي هي في الحقيقة الولاية الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت موجودة في قارة آسيا لا في قارة أمريكا. لذلك فليس من المستغرب أن يهزموا  أمام القوة  الأمريكية. لكنهم مع انهزامهم لم يسعوا إلى الاعتراف بدولة الصهاينة المغتصبة لأرض فلسطين مجَّانًا. كانت كل الاعترافات التي فازت بها الدولة الصهيونية مدفوعة الثمن، خصوصًا في سيناء التي استردها السادات ودفع ثمنًا لها الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل. أما الآن مع اعتراف بعض دول الخليج فقد صار الاعتراف هدية تهدى إلى رئيس الولايات المتحدة لتساعده على الفوز في الانتخابات المقبلة، واستثمارًا خليجيًّا يراد منه الحفاظ على سلطة المعترفين المطبعين في بلدانهم. صارت القضية الفلسطينية الآن عملة يدفع بها بعض العرب ثمن التأييد الأمريكي والغربي لأنظمتهم. وسبب ذلك أن الفلسطينيين الرسميين من منظمة التحرير، بعد أن تخلوا عن الكفاح المسلح، وبعد أن أرهقتهم إسرائيل بالمفاوضات الفارغة والمماطلات والعراقيل، وبعد أن تخلى مناضلوهم عن القضيَّة، فقدوا قيمتهم الرمزية والفعلية، ولم يعد أحد يأبه لهم، فسهل ذلك على الراغبين من دول العرب في استغلال القضية الفلسطينية أن يجعلوها عملة يدفعون بها عن أنفسهم غائلة التحولات التي قد تصيب دولهم؛  فهبُّوا إلى التطبيع مطمئنين إلى عجز العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا عن الرد والاستنكار والتأثير. أضف إلى ذلك أن ما يدعى بثورات الربيع العربي ذهبت بأنظمة معارضة للتطبيع إلى الهلاك، وجاءت بأنظمة منبطحة لا ترى لنفسها نجاة واستمرارًا إلا في الاستجابة بدون مقابل للمطالب  الأمريكية- الإسرائيلية؛ فكان التطبيع إحدى تلك الوسائل التي تقربهم من تلك الغاية.

تهمس، بينها وبين نفسها، وكأنها تحدث سبطتها:

قضية فلسطين قضية إنسانية لن تنتهي بسهولة كما يتخيل الصهاينة. استهدفت القدس واعتدت على المصلين. المستوطنون يمارسون شريعة الغاب على حي الشيخ جراح.. الفلسطينيون ما زالوا يقاومون الصهاينة. المقاومة الفلسطينية ستظل قائمة، تشكلها حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل. 

Visited 20 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

لطيفة حليم

أديبة وروائية كندية وأكاديمية من أصول مغربية