أفق:  عن الحنين وغياب طلال سلمان

أفق:  عن الحنين وغياب طلال سلمان

صدوق نورالدين 

     أقمت في الدارالبيضاء مطلع الثمانينيات. كنت أعرف، بأنها إقامة مؤقتة على امتداد طولها الذي نيف على الثلاثين سنة. إذ سرعان ما عدت لمجاورة البحر، واستعادة حنين انفلت سرعان ما استعدته.

   لا أريد الحديث في شمولية عن التفاصيل المستعادة، وإنما ذكرتني وفاة الكاتب والصحافي طلال سلمان رحمه الله تعالى، بلحظات حياتية واكبت فيها الصحافة العربية من خلال ملاحقها الثقافية ورقيا، ولاحقا عبر شبكة الإنترنت.

   كنت حريصا على قراءة جريدة “السفير” في ملحقها الثقافي. الأمر ذاته بالنسبة لـ”النهار”، “الأهرام”، “الاتحاد” الإماراتية، “الثورة” السورية ولاحقا جريدة “الحياة”. على أن الانتظام في الوصول للسوق المغربية، تميزت به “الأهرام” و”الحياة”، إذا ما ألمحت لكونهما تصلان مساء نفس اليوم، اللهم ما تعلق بالعطل الأسبوعية، حيث يحظى القارئ المتتبع بعددين دفعة واحدة بداية الأسبوع. ومازلت في زياراتي الخفيفة للبيضاء أعثر على أعداد من جريدة “الأهرام”،

   في حين توقفت البقية، أو تحولت إلى الافتراضي عوض الورقي.

   ما لفت نظري حينها، تفرد الصحافة الثقافية اللبنانية. ففي سياق المد القومي، وطموحات ترسيخ نهضة عربية، انفتحت هذه الصحافة على التنوع. تنوع في الأسماء الفكرية والأدبية العربية، كما المواد المنشورة والترجمات عن الآداب العالمية. والواقع أن التنوع في الأسماء والمواد، أسهم في تكويني الأدبي والثقافي، بالإضافة لكونه جعلني أواكب واقع النشر في لبنان حيث تتعدد دور النشر ويتدفق سيل الإصدارات والمنشورات.

   ولعل من بين ما أستحضره، كتابات الأديب والصحافي الراحل طلال سلمان. ومن ضمنها بالضبط مقالته الموسومة بـ: “أنا كمان بحب الحكي عن الماضي”. ويستعيد فيها جزء من ماضيه، ماضي علاقاته والكتب. ومن جملة ما ورد فيها:

   “..الآن أعترف أنني أحب الحكي عن الماضي. شجعني اليوم على إصدار هذا الاعتراف مقال كتبته الأستاذة ليلى الراعي ونشرته ذات يوم من أيام الأسبوع الماضي وتعتذر فيه للرومانسية. تقول ليلى أنه لم يعد هناك وقت أو مجال يسمح بالعيش في أجواء الماضي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة “فهي دائما قريبة من القلب حينما تفيض بي هذه المشاعر وتأخذني الذكريات بكل ما فيها من لحظات محببة”.  

ويضيف معلقا:

   “أحسنت ليلى التعبير عما يجول في داخلي معظم الوقت. أنا لا أعتذر.  يعني مثلا يحدث لي كثيرا أن أستيقظ وفي خطتي وترتيب أولويات يومي الكتابة عن مصير  بلد من البلاد أو شعب من الشعوب تعرض أيهما لكارثة أو لحرب أو لمجرد شقاق. فجأة أجد نفسي مسحوب الإرادة، روحا وجسدا وقلبا، نحو ماض محبوب يختزن حكايات شتى عن تدشين علاقات، منها مثلا علاقات أقمتها مع كتب أو أقامتها كتب معي”.

   تبقى قراءة هؤلاء الأعلام نفسها حنين لزمن لا يمكن أن يعود. الحنين الذي يستعاد من خلال كتاباتهم ومواقفهم الجادة في الأزمنة الحرجة. وبالتالي من خلال كتابتنا  نحن عنهم.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي