في ذكرى انطلاقة “جمول” .. حلم الوطن الباقي

في ذكرى انطلاقة “جمول” .. حلم الوطن الباقي

وفيق الهواري

اليوم السبت السادس عشر من أيلول ٢٠٢٣، تتذكر قلة من اللبنانيين ما حدث في مثل هذا التاريخ منذ ٤١ عاما.
في مثل هذا اليوم عام ١٩٨٢ أعلن عن انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وصدر بيان دعا فيه المناضلان جورج حاوي ومحسن ابراهيم اللبنانيين الى حمل السلاح واستخدام جميع وسائل النضال لتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي.
الأهمية السياسية لصدور بيان الانطلاقة انه يعلن استمرار النضال ضد العدو الإسرائيلي ومن اجل تحرير الأرض اللبنانية،
خصوصا ان الاهداف الإسرائيلية لم تكتف بإنهاء الوجود الفلسطيني المسلح فحسب، بل قامت سلطات الاحتلال باجراء عملية جراحية في الجسد اللبناني ما يؤمن لها السيطرة على لبنان.
لذلك ربط المبادرون الى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، تحرير الارض ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وتم رفع شعار”الوطن باق والاحتلال الى زوال”.

كثير من القوى السياسية رفع شعار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وقلة منهم مارست فعل المقاومة. كان هم مقاتلي جبهة المقاومة مقاتلة المحتل، لكن هموم اقوياء وزعماء الطوائف كانت السيطرة على اكبر مساحة ممكنة لبناء اماراتهم، قبل ان يمارسوا الحروب داخل كل امارة لتوحيد الزعامة.
عام ٢٠٠٠ أنجز التحرير، انسحب العدو الإسرائيلي بسبب المقاومة المستمرة للاحتلال، لقد صار يدفع اثمانا في الوقت الذي يشعر فيه ان أهدافه تحققت، اذ ان السلاح الفلسطيني المقاتل ضد إسرائيل قد انتهى دوره بالنسبة للاحتلال، وما بقي منه صار أداة تستخدم لاغراض اقليمية وفي ميدان النزاع اللبناني الداخلي.

بعد اتفاق الطائف، توصل النظام الطائفي الى صيغة نظام المحاصصة المبني على التوافق بين الأمراء على تقاسم السلطة، في الوقت الذي يتنازعون على حجم حصة كل منهم وفي حال الاختلاف يعملون على تعطيل أدوات السلطة.
وبدأت سياسات اطراف السلطة بالتنفيذ، من اجل تفريغ المؤسسات العامة، وتحويلها الى إدارات حرة ضمن نظام المحاصصة، وصار كل وزير يمارس دوره كمندوب عن امير الطائفة، وبدأت مؤسسات وادارات الدولة بالتحلل حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه اليوم.
في ذكرى مرور قرن على انشاء الكيان اللبناني، في ا لأول من أيلول ٢٠١٩ صار واضحا اننا نسير نحو فوضى مناطقية اي كل قوي بطائفة ما، يمارس سلطته على منطقته، اما في منطقة ذات تنوع، فانه يجري النزاع للسيطرة عليها.

اعود الى ايام التحرير، أصعب موقف واجهته بعد عام من التحرير، اني زرت عائلة احد شهداء المقاومة، سألت والدة الشهيد: كيف أوضاع القرية اليوم؟؟ أجابت بدون تردد: “للاسف نسير نحو الاسوء، في زمن الاحتلال كانت المياه تصلنا يوميا، لكن اليوم وبعد عام من التحرير صرنا نشتري المياه بالصهريج”.
لم استطع الاجابة او حتى النظر اليها.

اعود الى اللحظة الراهنة اي بعد نحو ربع قرن من التحرير، فإننا نعيش في بلد بدون مياه، ولا كهرباء، الرعاية الصحية العامة مفقودة، التعليم الرسمي انتهى، حرية التعبير تضيق يوما بعد يوم، ومواقف الزعماء مقدسة، ومساحات الحرية الى زوال، الحدود متفلتة والقضاء رهن استخدام الزعماء.

فماذا بقي من الوطن الكيان؟، يجيب احد الاصدقاء بضحكة كبيرة:” المهم النظام الطائفي باق”.

قبل فترة سألتني احدى الصديقات:” اذا عاد الاحتلال الاسرائيلي، هل تأخذ نفس الموقف وتمارس فعل المقاومة ضده”؟
الجواب كان بديهيا:” نعم، رغم ضعف الامكانات اليوم عن الامس”. واضيف بالقول:” يبدو ان مقاومة المحتل اهون من بناء دولة ديمقراطية ذات نظام علماني على انقاض النظام الطائفي”.
نعم الاحتلال زال، لكن يبدو ان حلم الوطن الباقي بكل مكوناته انكسر، ولكن لا خيار امامنا سوى العمل لتحقيق حلم الوطن الباقي.

Visited 15 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

وفيق الهواري

صحفي وكاتب لبناني