نجاح سلام .. رحيل جسد وخلود صوت

نجاح سلام .. رحيل جسد وخلود صوت

ريم ياسين

رحلت عن عالمنا اليوم الفنانة اللبنانية نجاح سلام ونعتها ابنتها سمر العطيفي عبر حسابها على شبكة الفيسبوك عن عمر يناهز الـ 92 عاما: “وانتهى المشوار يا عروبة… ماما في رحاب الله”، من دون أن تشير إلى أسباب الوفاة.

ومن المقرر أن تشيع جنازة نجاح سلام غدا الجمعة ، من مسجد بمسجد الخاشقجي في لبنان بالعاصمة بيروت، كما تم الإعلان عن موعد العزاء وسيكون يوم السبت 30 سبتمبر والأحد 1 أكتوبر في فندق راديسون بلو، يجري دفن جثمانها في مقابر المدافن الإسلامية ببيروت.

صاحبة الصوت الرائع التي ظلت اغنياتها تسمع من اجيال مختلفة، لا سيما تلك الاغاني التي تفرح الروح وترقص القلب والتي لا تزال حية يسمعها الكبير والصغير يطرب لصوتها العذب ويشيع حماسا في الحفلات والمناسبات مثل اغنية برهوم حاكينا وميل يا غزيل، او خلال الاستماع الى إداء مطربة متمكنة من صوتها لا سيما في اغنيتها الاولى التي شهرتها “حول ياغنام” ولا يجب نسيان اغانيها الوطنية باداء متميز في الفخامة والقوة إذ غنت لمصر يا احلى اسم في الوجود يا مصر، كما غنت سوريا يا حبيبتي.

نجاح سلام التي وُلدت لأسرة بيروتية معروفة، فجدها عبد الرحمن سلام مفتي لبنان، ووالدها الفنان محيي الدين سلام الذي علّمها أصول الغناء في بداياتها، إلى جانب شقيقها عبد الرحمن سلام، حظيت برعاية عائلية في السنوات الأولى لانطلاقتها فنيا في العام 1948، حيث رافقها أبوها في معظم حفلاتها، إلى أن التقت فريد الأطرش عام 1951، الذي أعجب بصوتها كثيراً، ونصحها بالذهاب إلى مصر.

عارض الأب في البداية، إلا أنها انتقلت إلى القاهرة التي سبقتها إليها العديد من المطربات اللبنانيات في ذلك الوقت، ومنهن نور الهدى وصباح ولور دكاش وماري جبران، وبدأت عملها في السينما، حيث أدّت أدواراً رئيسية في عدد من الأفلام، كان أولها في فيلم “على كيفك” (1952) من تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج حلمي رفلة.

ثم شاركت في فيلم “الدنيا لما تضحك” (1953) من تأليف بديع خيري وإخراج محمد عبد الجواد وبطولة إسماعيل ياسين، وتلاه الفيلم الاستعراضي “ابن ذوات” في العام نفسه، وهو من إخراج حسن الصيفي، حيث قدّمت خلاله مجموعة من الأغاني، منها: “برهوم حاكيني” و”الشب الأسمر جنني” وغيرهما.

شكّلت تلك الأفلام نقلة نوعية في حياة نجاح سلام المهنية، حيث شاركت إسماعيل ياسين وكارم محمود بطولة فيلم استعراضي آخر بعنوان “دستة مناديل” (1954) من إخراج عباس كامل، وتواصل عملها في السينما المصرية التي منحتها فرصة الظهور ممثلةً ومغنيةً أيضاً.

بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قدمت أغنيتها الشهيرة “يا أغلى اسم في الوجود” من تأليف إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجي، التي ستكون فاتحة للعديد من الأغاني الوطنية والعاطفية التي لحّنها لها كبار المؤلفين الموسيقيين خلال الستينيات والسبعينيات.

وغنّت نجاح سلام لأهمّ الملحّنين كمال الطويل ورياض السنباطي ومنير مراد وعبد العظيم محمد وسامي الصيداوي بالإضافة إلى عشرات الألحان التي قدّمتها لسيد مكاوي وبليغ حمدي وعبد الحليم نويرة وفريد الأطرش وعبد العظيم عبد الحق، ومن أبرز أغنياتها “أسرار الحب” و”أنا النيل مقبرة الغزاة” و”ميّل يا غزيّل”، و”برهوم حاكيني” و”يا أغلى اسم في الوجود يا مصر” و”الشب الأسمر” و”بالسلامة يا حبيبي بالسلامة” وسواها الكثير بين خمسينات القرن العشرين وسبعيناته. كذلك غنّت “سوريا يا حبيبتي”، وللجزائر “محلى الغنا بعد الرصاص ما تكلم”، ولدول عربية أخرى.

انقطعت عن الغناء منذ أكثر من ثلاثين عاماً بعدما تحجبت وابتعدت عن الساحة الفنية، بعد أن تركت أثراً لا يُمحى في ذاكرة الأغنية العربية، حيث يقول محمد عبد الوهاب: “صوت نجاح سلام يتحدى الزمن، إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً”.

منحتها مصر الجنسية، وحصلت على أوسمة وتكريمات في بلدها لبنان وفي عدد من الدول العربية كسوريا. وأعلنت نقابة المهن التمثيلية في مصر وفاة الفنانة القديرة نجاح سلام التي رحلت اليوم الخميس 28 سبتمبر عن عمر ناهز 92 عاما، وهي صاحبة أغنية “يا أغلى اسم في الوجود يا مصر.

هذا ورثى رئيس الحكومة اللبنانية السابق تمّام سلام قريبته الراحلة، واصفاً إياهاً بـ”الفنانة الكبيرة”، واعتبر أن “صفحة من تاريخ الفن والغناء” في العالم العربي انطوت مع وفاة المغنية المولودة عام 1931. واعتبر تمّام سلام أن “نجمة مضيئة في هذا الزمن الرديء ذوت ولكنّ نورها سيبقى بريقاً مشعّاً في تاريخ الفن والغناء العربي الأصيل”. وأضاف سلام في بيان أن الراحلة التي سجّلَت عام 1949 أولى أغنياتها وهي “حوّل يا غنام”، ثم أغنية يا “جارحة قلبي”، وقال “تألقت وبرق نجمها في مرحلة غنية بالفن والفنانين الكبار، أمثال عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش وصباح ووديع الصافي، وغيرهم ممن تركوا بصمات بل وتراثاً غنياً تراكم كنزا ثمينا في عالم الفن والغناء على مدى عقود عديدة”.

كذلك نعاها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إذ كتب عبر وسائل التواصل “رحم الله الفنانة القديرة نجاح سلام، وأخلص التعازي لعائلتها ومحبيها”.

في العام 2000، تحجّبت نجاح سلام وابتعدت عن الأضواء. وقالت عام 2016 في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية “الاعتزال لم يكن وارداً عندي، ولكن عندما ذهبتُ إلى الحج برفقة ابنتي وصهري، وأديتُ الفريضة، عدتُ وأنا أرتدي الحجاب، ولكنني لم أعتزل الفن بل اتجهت نحو الغناء الوطني والديني”.

ولدت نجاح سلام في الـ 13 من مارس من عام 1931، واشتهرت بموهبتها خلال الحفلات المدرسية، وفى عام 1948 صحبها والدها إلى القاهرة، وهي الرحلة التي شهدت تعرفها على كبار الفن وعمالقة الطرب ومنهم كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار فريد الأطرش وشقيقته المطربة أسمهان والشيخ زكريا أحمد وغيرهم. وعام 1949 سجلت أول أغانيها وهي حول يا غنام، وأغنية يا جارحة قلبي، وبعدها انطلقت فى مسيرتها الفنية وغنت في مصر و حلب، ودمشق، وبغداد، ورام الله.

في احدى لقاءاتها الصفية تقول نجاح سلام “في رصيدي السينمائي عدد من الأفلام منها “سرّ الهاربة” مع سعاد حسني وكمال الشناوي وشكري سرحان. كما مثلت إلى جانب عدد من النجوم أمثال اسماعيل يس وليلى فوزي. وكانت أغلب هذه الأفلام تعتمد الكوميديا الخفيفة. غنيّت في أهمّ المرابع في مصر كـ «أضواء المدينة»، و«الأندلس»، و«نادي الضباط». في الأخير تحديداً وإثر تأميم قناة السويس، غنيت «يوم النصر عصرنا قلب الإعدا عصر». لفت غنائي الرئيس عبد الناصر ولفتته الحمية العروبية التي أغنّي بها، فسأل إن كنت مصرية. أجابوه بأنني لبنانية. كان حينها الفنان محمد سلمان في مصر وكنت على علاقة به لم تكتمل لأنّ والدي لم يكن قد سمح لنا بالزواج بعد. ولمّا عرف الرئيس عبد الناصر بالأمر، قال لوالدي: “يا أخي لايقين لبعض ما تخليهم يتجوزوا”. وهكذا كان. ثم مُنحت لغنائي الوطني الجنسية المصرية. أكنّ لمصر حباً كبيراً من أفضالها عليّ، ومن شعبها الذواق الذي يحترم الفنان والفن”.

وحكت عن زوجها الفنان محمد سليمان الذي أحبت فيه كرمه. “في إحدى الليالي الباردة، كنّا عائدين الى الفندق إثر سهرة طويلة. شاهدنا رجلاً فقيراً يرتجف برداً، فما كان من سلمان إلا أن خلع بدلته (البنطلون والجاكيت). وكان أن صعد الى الغرفة بثيابه الداخلية وسط ذهول الرجل الواقف خلف الكونتوار. أبو سمرة كريم ووطني، وله ابداعات في المجالين كليهما، بالإضافة الى أنني كنت حبه الوحيد”.

شكلّت مع رفيقِ دربها وزوجها الفنان الشامِل محمّد سلمان ثنائياً فنياً ووطنياً مذ قدّم رائعته: ” لبيّك يا علَم العروبة ” التي كانت حدثاً فنياً أثناء العدوان الثُلاثي على مصر، إلى الحدّ الذي دفع الرئيس جمال عبد الناصر الى الإشادة بالعمل وتوجيه الفنانين إلى المزيد من الأعمال الحماسية الشجيّة، والتي تُثير عاطفةً إيجابية.

معروف عنها قولها: ” الكلام فوضى والغناء نظام” تميّزت باحترامها الشديد لفنّها وجمهورها، غنّت الأغاني الشعبية البسيطة بالجدّية عينها التي غنّت فيها الأغاني المُعقّدة آدائياً بقدراتها الصوتية.

لم يبخل تاريخ نجاح سلام عليها بالتكريم. نالت «وسام الأرز الوطني اللبناني» (برتبة كومندور) عام 1993 من الرئيس اللبناني الياس الهراوي، ووسام «الإخلاص والشرف» في سوريا، و»وسام الاستحقاق اللبناني»، إلى جانب وسام «جوقة الشرف» في فرنسا، ومفتاح مدينة نيوجرسي الأميركية. كذلك حازت شهادة مُجمع اللغة العربية في مصر. وهي شهادة لا تظن ابنتها سمر العطافي، أنها مُنحت لمطربة سواها.

واعتبر النقاد من أقدر الفنانات العربيات في حفاظها على مخارج الحروف والنطق السليم.

في سجل المطربة مرحلة اساسية تتمثل في زيارتها الأولى إلى فلسطين عام 1947، حيث غنت من وحيها قصيدة من كلمات الشاعر بولس سلامة، «يا زائراً مهد عيسى»، تحدثت فيها عن اطماع الصهاينة في فلسطين. لدى الفنانة اللبنانية أغنيات وطنية أخرى مثل: «يا عايدة يا أختي يا فلسطينية»، و«عيون البرتقال»، و«أنا فدائية»، و«مقاومة»، و«وطننا في خطر».

وإذا كانت غنت «الله يا لبنان ما اجملك»، فقد غنت أيضاً لمصر ولسوريا ولفلسطين شدت بجوارحها كافة.

 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة