ما بين عملية ٧ اكتوبر “طوفان الاقصى” ومثيلاتها

ما بين عملية ٧ اكتوبر “طوفان الاقصى” ومثيلاتها

حسين قاسم
أجمعت معظم الاوساط على النوعية والاهمية التي تميزت بها عملية “طوفان الاقصى”، فقد تفوقت على مواجهات حروب الجيوش النظامية، منذ حرب العام ١٩٤٨ ونكبة فلسطين، الى العدوان الثلاثي العام ١٩٥٦،وحرب حزيران في العام ١٩٦٧ وهزيمة الانظمة العربية، وحرب اكتوبر العام ١٩٧٣، والاجتياحات المتعددة للبنان خاصة اجتياح حزيران العام ١٩٨٢. وتفوقها ليس فقط في مجرياتها التقنية، بيد ان مقارنتها مع الحروب التي ذكرتها هي من النواحي الاخرى. بحيث ان مجموعة ليست بجيشٍ نظاميٍ، والتشبيه هنا يتشعب، ليشمل عنصر المباغتة، تلك مسألة بالغة الاهمية في العلم العسكري، تعني قبل كل شيء فشلاً ذريعاً لاستخبارات العدو التي تأتي في مرتبة متقدمة في قائمة اجهزة الاستخبارات العالمية، بالمقابل يُسجل نجاحاً باهراً لاستخبارات المهاجمين، ثم فشلاً لاجهزة الانذار المبكر، والجدران الالكترونية بين شمال القطاع وجنوب اسرائيل الباهظة الثمن،، اضافة الى الترهل الهائل للدفاعات الاسرائيلية المختلفة. مما اعطى مشهداً مُذلاً واهانة لن تنساها الاجيال القادمة في المجتمع الاسرائيلي، وهي تؤشر الى الفساد السياسي الذي اصاب الحياة السياسية الاسرائيلية منذ فترة طويلة، وبلغ الذروة في الآونة الاخيرة، انما الفساد، الذي يضرب عميقاً في ادارات الجيش الاسرائيلي واجهزته، فقد افقدته الروح القتالية التي كان يزعم انه يتصف بها، واصاب الثقة التي كان يتمتع بها جيش الدفاع عند الشعب الاسرائيلي، فالاصابة كانت قاتلة الى حدٍ اوقع الكيان برمته بمأزقٍ لم تعرفه قيادات العدو منذ تأسيس الكيان الغاصب في العام ١٩٤٨، وفد بلغ المأزق درجة وجود دولة الاحتلال برمتها، ومستقبلها، مُحدثاً أزمة وجودية لها، سبق وتحدثنا عنها،

واصابت ايضاً الثقة بالقدرة العسكرية الاسرائيلية الى الدور الاسرائيلي المعوَّل عليه عالمياً، ستمتد الاصابة ايضاً الى سمعتها في الاقليم والى المقولة التي ما برحنا نرددها بأن إسرائيل هي دركي الامبريالية في الشرق الاوسط، وبالتالي ستتعثر محاولات التطبيع الجارية معها. فكانت ردة الفعل الاسرائيلية عالية جداً مترافقة مع ردة الفعل العالمية الغير مسبوقة، ولا علاقة لها البتة بالمسائل الانسانية وبما تعرض له المدنيون من اعمال عنف وغيرها. فأتى تضخيمها من باب عدة الشغل، لا سيما لناحية شد عصب الناس لتهيئة الجمهور الغاضب في المواجهة الصعبة المقبلة ، ولمزيد من كسب للرأي العام العالمي وحشده الى جانب اسرائيل ولصالحها وهكذا حصل. فقد جَنَتْ اسرائيل دعماً وافراً لم تُجنه منذ قيامها. ولا شك ان تداعياتها ستتوالى فصولاً على مختلف قطاعات دولة الاحتلال لا سيما العسكرية منها.
ما بين عملية”طوفان الاقصى” ٧ اكتوبر العام ٢٠٢٣ واحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر العام ٢٠٠١ في اميركا
ان اوجه الشبه بين العمليتين هي:
-شكلت عملية ١١ ايلول، في اهدافها وفي الخسائر التي نجمت عنها لا سيما في الارواح، على انها عملية العصر، لا سيما انها ضربت اميركا في القلب، مهشمةً رمز التفوق العالمي الاستخباراتي والعسكري. واذا كانت اميركا تحتل هذه المكانة العالمية فاسرائيل تحتل نفس المكانة الشرق اوسطية. وبهذا الإطار تشابهت الخطط العسكرية والفنية والخسائر البشرية لا سيما عنصر المباغتة والسرية وكذلك في فشل استخبارات البلدين في اكتشافهما مسبقاً.
-قام بالهجمات المذكورة تنظيمين غير محسوبين على دول قائمة ومعترف بها دولياً، بل على شكوك استخبارية بتنسيقات وتبادل خدمات امنية مع دول امثال افغانستان وقطر وايران، وهذه شكوك لا يبنى عليها المقتضى، مما يُعقِّد المواجهة المقبلة. اي ان الهجمات لم تتم من دول ولا من قوى محسوبة عضوياً على دول كحالة حزب الله المحسوب على ايران عضوياً، مما سهَّل أمر ضبطه تحت سقف العلاقات والمصالح الدولية.
-ثم ان التنظيمان ينتميان الى المذهب الاسلامي السُني مما يخشى من تشابه في المواجهة المقبلة في ظل الموقف الايراني الراهن والمنضبط، مما يزيد حدة التناقضات المذهبية أكثر فأكثر.
-بيد ان ردود الفعل الشعبية في اسرائيل حالياً وفي اميركا سابقاً، وقساوتها وطرق التعبير عنها يضاف لها ردود الفعل العالمية، هي ايضاً شديدة التشابه.
انتهاء لعبة القط والفأر بين اسرائيل وحماس وحلف الممانعة
لا تحتاج المسألة الى المزيد من الشرح ولا الى وثائق تثبت اللعبة بين اسرائيل وحماس منذ الانتفاضة الفلسطينية الاولى، والابراز الاعلامي الاسرائيلي لدور القوى الاسلامية في المواجهة مع الاحتلال، لتتصاعد اكثر مع انتفاضة الانتحاريين، حيث كانت اسرائيل تهدف الى اضعاف القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي مثله على الدوام القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، وجميعنا يتذكر العمليات الانتحارية الحمساوية في تل ابيب وغيرها عند كل اجتماع لعرفات مع الادارة الاميركية، ثم توالى غض النظر الاسرائيلي عن تصرفات حماس وصولاً لاحتلالها لقطاع غزة وطرد السلطة الفلسطينية منها وتصفية حركة فتح، لتبدأ النغمة الاسرائيلية بالعزف على وتر من نحاور من الفلسطينيين، فعندهم تعدد للمرجعيات، حتى ان الحروب السابقة منذ العام ٢٠٠٨ مع غزة كانت مدروسة بحيث يستمر القرار الفلسطيني مجزءاً. يجري ذلك كله من اجل احباط قيام دولة فلسطينية مستقلة، وقد بلغ الامر بالاسرائيليين الحد الاقصى باغتيالهم لابو عمار بعد ان اغتالوا سابقاً اسحق رابين رمزي اتفاق اوسلو، بالمقابل تمادوا في اضعاف السلطة وفي اذلال الفلسطينيين وقهرهم وارتكاب المجازر بحقهم.
هذه الاستفاضة انتهى مسرحها في السابع من اوكتوبر العام ٢٠٢٣، فقد اطاح طوفان الاقصى بمجرياته الحالية والمنتظرة في فصول اللعب الاسرائيلي المتتالي منذ اكثر من ثلاثة عقود، فاسرائيل اليوم تتجرع السم الذي طبخته، ليعلن رئيس حكومتها عن الهدف المقبل وهو اجتثاث حركة حماس من قطاع غزة، وبالتالي لا تستطيع اسرائيل النزول تحت هذا السقف لانها تواجه معركة وجودية، لذلك لا يمكن حصر الهدف الاسرائيلي الآنف الذكر في ما يسمى الهجوم البري، فالهجوم البري دونه عقبات عديدة لذلك يُلاحظ المرء الإرباك الظاهر على حركة قيادة الاحتلال، وعليه فمن المحتمل اللجوء الى تجزأة الهدف وان لا يُحصر الامر بهجوم بري كلاسيكي بل يتعداه الى اعتماد سياسة الارض المحروقة وتقسيم غزة الى مربعات ليتم فصلها عن بعضها البعض. لذلك يجري التحضير الى معركة طويلة الامد، وعلى هذا الاساس تجري التحضيرات للحرب في مختلف القطاعات. وان الظروف المستجدة، الدولية والاقليمية والاجماع الداخلي صارت مؤاتية للقيام بحرب ضارية سيكون لها مضاعفات هامة ومدوية على الصُعُد المختلفة.
اخيراً يمكن القيام بحرب ومن يقوم بها يعرف تماماً بدايتها، لكنه لا يعرف البتة مجرياتها ونهاياتها وتداعياتها، وان تجارب الحروب عبر التاريح المعاصر اثبتت صحة تلك المقولة.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط وكاتب سياسي لبناني