لبنان الخاصرة الضعيفة في ساحات المواجهة
أحمد مطر
بعد عملية طوفان الاقصى، وما ترتب عليها من تداعيات وتهديدات وشن حملة عسكرية اسرائيلية واسعة ضد قطاع غزة، والانتقام المتعمد من الفلسطينيين الآمنين بداخله بحجة القضاء على حماس، تركزت الانظار على جنوب لبنان، بعد سلسلة احداث وتبادل يومي لعمليات القصف على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية وسقوط العديد من الضحايا، وزادت المخاوف من امتداد لهيب العمليات العسكرية الجارية في القطاع وتحولها الى صدام واسع النطاق بين قوات الاحتلال الاسرائيلي وحزب الله، يدفع لبنان ثمنها خرابا ودمارا كما حدث في حرب تموز عام 2006
ومع دخول حرب غزة الأسبوع الثالث، وسط الإصرار الإسرائيلي على اجتياح القطاع، يرتفع منسوب القلق ليس في الداخل الفلسطيني وحسب، بل وعلى مستوى المنطقة برمتها
هل هذه المخاوف في محلها بعد التطورات المستجدة على الحدود الجنوبية، وهل بالإمكان تفادي الانجرار الى الاشتباكات الجارية حول قطاع غزة وإبعاد تداعياتها عن لبنان .
مع تعاظم الاهتمامات العربية والغربية بتداعيات الحرب في غزة، من الطبيعي أن يتراجع التركيز السابق على الأزمة اللبنانية، خاصة بعد سقوط كل المبادرات العربية والفرنسية والخماسية التي حاولت تمرير الانتخابات الرئاسية، كمدخل لا بد منه لمعالجة المشاكل الاقتصادية والمالية والمعيشية التي يتخبط فيها البلد منذ أربع سنوات ، وفي الوقت الذي استطاع قياديو العدو أن يشكلوا حكومة حرب من الأضداد في السياسة لمواجهة أخطار الحرب في غزة، بقي زعماء الطوائف والأحزاب اللبنانية على خلافاتهم المستحكمة بينهم
كما لوحظ انه منذ قيام حركة حماس بعملية طوفان الأقصى النوعية، واندفاع قوات الاحتلال الاسرائيلي للرد عليها، شهد الوضع على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية، تبادل لإطلاق نار وصواريخ، بشكل يومي بين حزب الله وتنظيمات فلسطينية مسلحة متحالفة معه ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي المتمركزة في الجانب الآخر من الحدود، وكان يعلن عن هذه الاحداث في وسائل الإعلام ونتائجها من قبل كلا الطرفين، ولكن في الوقت نفسه بقيت هذه الاحداث تدور ضمن منطقة محددة، ولم تتوسع الى مناطق أخرى .
وفي موازاة هذه الاحداث اليومية على جانبي الحدود اللبنانية الجنوبية، بالتزامن مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد حزب الله، ازداد منسوب القلق لدى المسؤولين اللبنانيين والطاقم السياسي بمجمله، من توسع هذه المناوشات وعمليات القصف وتبادل اطلاق النار، ما استدعى حركة مشاورات سياسية داخلية وديبلوماسية واسعة النطاق، في محاولة لتجنب انزلاق لبنان الى اشتباكات غزة ومحيطها وتكرار استعماله كساحة لمصالح اقليمية ودولية على حساب المصلحة الوطنية العليا .
كانت ردود الدول الكبرى والمؤثرة بمجملها على مطالب لبنان بالمساعدة لمنع تدهور الاوضاع على الحدود الجنوبية، تلح على الدولة اللبنانية، باستثناء سفراء عرب، بالطلب من حزب الله ضبط النفس والامتناع عن القيام بأية استفزازات واعمال عدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، لمنع الاحتكاك وتجنب الصدام معه لإبقاء لبنان بعيدا عن الحرب الدائرة في غزة .
من جهتهم، بعض هؤلاء المسؤولين، ابدى اعتراضه على مواقف هؤلاء السفراء، وطالبهم بضرورة الحديث مع الجانب الاسرائيلي اولا، وحثه على الامتناع عن القيام بأية استفزازات تؤدي إلى توتير الاوضاع الامنية وفي الوقت نفسه الاتصال من قبلهم بحزب الله، الذي يتم التواصل معه باستمرار، للتباحث معه مباشرة بضرورة التهدئة وتجنب التصعيد .
ويبدو من خلاصات نتائج المشاورات والاتصالات الجارية لتبريد الاجواء ومنع التصعيد، انه مادامت مساحة التراشق بالنار محدودة على جانبي الحدود، ولم تتوسع بعد، فهذا معناه إظهار قوة ووجود كل طرف في موقعه، فيما يبقى القلق على حاله، مع استمرار هذه الاحداث على حالها، واكثر من ذلك، اذا تدحرجت الامور نحو الأسوأ في غزة ومحيطها .
وبالنسبة للاتصالات مع الحزب، فإن المسؤولين اللبنانيين لم يأخذوا، لا حق ولا باطل من الحزب الذي يتصرف بناء للسياسة الايرانية، ومن السفراء الاجانب انحيازا لوجهة النظر الإسرائيلية، ووضع الملامة على المسؤولين اللبنانيين لقصور حركتهم وضعف تأثيرهم في مجرى الاحداث الحالية .
ختاماً لبنان أمام مخاطر لا رد لها، عظُمت أم بقيت على وتيرتها الحالية، لأنّ قرار لجمها أو خفضها ليس في يد من توهموا ويحاولون أن يوهموا الناس أنهم أصحاب القرار. ففي ظل فراغ السلطة الكامل من الرئاسة إلى الحكومة وشلل البرلمان، وسائر المؤسسات، يبدو أن الحرب الدائرة في الجنوب هي بالحد الأدنى وحتى إشعار آخر، حرب بالواسطة على أرضه، في انتظار قرار إسرائيلي، أو إشارة إيرانية، تطلق صفارة إمكان توسيع حرب غزة نحو الجبهة اللبنانية، من دون أي حساب لمفاعيلها على سائر اللبنانيين. بعدما بات لبنان ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي والدولي أكثر من أي وقت، لم يعد من مكان للصوت أو للدور اللبناني. في الانتظار تسيطر المناوشات المضبوطة على حياة الجنوبيين واللبنانيين، فيستسلمون لها، ويهاجر من يهاجر وينزح من ينزح ويزداد الفقير فقراً ، ومع دولة بلا رئيس، وسلطة بحكومة عرجاء، وشعب منكوب ومتروك لمصيره المظلوم، كيف يمكن للبنان أن يحافظ على توازناته، في خضم الجبهات المتفجرة عندما تدق ساعة الحرب.
Visited 2 times, 1 visit(s) today