على هامش زيارة وزير الشؤون الخارجيّة الإسبانيّ للمغرب

على هامش زيارة وزير الشؤون الخارجيّة الإسبانيّ للمغرب

د . محمّد محمّد الخطابي

المغرب وإسبانيا: مملكتان يَستظلّهما التّاريخ وتُعانقهما الجغرافيا

     تجدر الإشارة في المقام الأوّل أن تاريخ المغرب واسبانيا المشترك، وعناق الجغرافيا الأبدي لهما، والتعايش بينهما، على امتداد قرون طويلة كلّ ذلك لم يأت محَض صدفة أو عفواً، ولا عبثاّ ولا اعتباطاً، لوضع العلاقات المغربية الاسبانية على الواقع المريح الذي تعيشه اليوم، ومن نافلة القول إنّ القدّر قد هيّأ للبلديْن أن يعيشا متعانقين جنباً إلى جنب نظراً للأواصر الحضارية المُشتركة، والموروثات التاريخية، والعلاقات الثقافية التي تجمعهما. كلّ تلك العناصر تحفزهما أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى لزيادة تعزيز وتقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما الثنائية فى مختلف مرافق الحياة. وهما بحُكم موقعهما الجغرافي الممتاز، والجيوستراتيجي المتميّز، إنطلاقاً من”ماضٍ” حضاريٍّ تقاسماه، و”ثقافةٍ” رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، وبحُكم “الحاضر” الواعد الذي يعيشانه، و”المستقبل” الزاهر الذي يتطلّعان إليه، كلّ ذلك جعل منهما بلديْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور المنوط بهما لتحقيق المزيد من التعايش، والتفاهم، والعمل الدؤوب على زيادة تمتين عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق. ومدّ جسور التعاون بينهما فى مختلف المجالات السياسية والثقافية والعلمية والتكنلوجية والاقتصادية والتجارية، وفى مختلف أوجه التعاون الحيوية ذات الإهتمام المشترك التي تفرضها عليهما الظروف الراهنة في العصر الحديث بكل مستجدّاته وتحدياته .

العنصر التاريخيّ والإرث الثقافيّ بين البلدين

    لقد فرضت الصّداقة  المتينة القائمة التي تجمع البلدين، والتعاون المثمر الذي يطبعهما يَترجمان مقدارَ الرّغبة الأكيدة التي تحدوهما لزيادة بلورة وتوسيع طموحهما، وتنويع تعاونهما فى مختلف المشاريع الإستثمارية، والإنمائيّة، والصناعية الكبرى المشتركة حيث لا يخفى على أحد أنّ اسبانيا  أصبحت اليوم  تحتلّ المرتبة الأولى في هذا القبيل مع جارها الأقرب المغرب. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب ومتنوّع، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً، وتفاهماً، وتناغماً، ويعمل على زيادة تمتين أواصرالصّداقة والمودّة، وتوفير الاحترام المتبادل بينهما. وهذا ما أضحى يحرص عليه البلدان، ومن هنا يأتي الاجتماع الذي حرص السيد خوسيه مانويل ألباريس، وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، ألباريس على تخصيص لقاء مفتوح مع صفوة من صفوة من الباحثين المغاربة والفاعلين في الحقل الثقافي الإسباني الذي له صلة بلغة سيرفانتيس في سفارة اسبانيا خلال زيارته الأخيرة الناجحة للمغرب يومي الأربعاء والخميس 13 و14 ديسمبر 2023، هذا  كما تمّ  خلال هذه الزيارة اجتماعه بنظيره المغربي السيد ناصر بوريطة، حبق تمّت مناقشة العديد من القضايا الثنائية بين البلدين؛ بما فيها مَعبرا سبتة ومليلية، والهجرة غيرالشرعية وإدارة المجال الجوي في الصحراء المغربية والتعاون الثنائي في المجال الأمني وسواها من المواضيع ذات الاهتمام المشترك .

    ولا غرو ولا عجب فالموروثات التاريخية، والثقافية، والحضارية المشتركة بين البلدين شكّلت ولا ريب باستمرار أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى، ممّا أفضي الى خلق نوعٍ من الاستمرارية والتواصل الدائمين في علاقاتتهما الدبلوماسية منذ عدّة قرون إذ ينبغي التذكير في هذا المضمار ان تبادل االبعثات لدبلوماسية  بين البلدين يعود إلى القرن السّابع عشر حيث كان للمغرب قصب السّبق فى ذلك بين دول الجوار، فكانت السّفارات، والرحلات الدبلوماسيّة المغربية هي الأولى من نوعها في هذا القبيل التي زارت إسبانيا بدءاً  ببعثة إبن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السّلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومروراً بالسّفراء: الزيّاني(1758)، وأحمد المهدي الغزال (1766)، وإبن عثمان المكناسي(1779)، والكردودي (1885) إلخ، كلّ هذه الإتصالات المبكّرة شكّلت فى العمق” دبلوماسية ثنائية سياسية” من الطراز الرّفيع، إذ أولت جميع هذه السفارات، والبعثات والاتصالات التي تلتها لهذا الجانب أهميّة فريدة في بابها بين الدول، وذلك بهدف خدمة مصالح البلدين في مختلف المجالات، وجدير بنا والحالة هذه أن نعود الى تصفّح تاريخنا المشترك لاستخلاص العناصر الصالحة منه التي أفضت الى التعاون المثمر القائم اليوم  بين البلدين في مختلف الميادين .

الأحكام المغلوطة

    انطلاقاً من هذا المفهوم، وتماشياً مع هذا السّياق ما فتئ المثقفون المغاربة والاسبان الذين اجتمع بهم الوزير ألباريس كما سبق القول، ما فتئوا يؤكّدون على الدّور المحوري الذي ينبغي ان تلعبه الثقافة، أو بالأحرى ينبغي أن تضطلع به الثقافة فى توثيق وتعميق العلاقات بين البلدين، للتصدّي للأفكار الجاهزة، وكبح جماح الأحكام المسبّقة الخاطئة، وتصحيح التصوّرات المُزْورّة والمُعْوجّة المنتشرة بينهما، فقد أصبح الإهتمام فيهما يتنامى بشكل فعّال، وينبغي على الطرفين التصدّي فى هذا القبيل للمفاهيم التي لا تقدّم صورتهما الحقيقية وتغفل عن حقائق تاريخهما المشترك، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة الضيّقة والمحدودة، وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات االخاطئة التي لا تمتّ الى الحقيقة بصلة هي العمل سوياًّ على واجهات التربية والتعليم، والإعلام، والثقافة، والفنون فى كلٍّ من المغرب وإسبانيا. إنه مجال خصب يتطلب منّا تعبئة مختلف وسائل الإعلام لنقل الصّورة الحقيقية عنهما، وتصقيلها، وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط، والحقّ أنّ المثقفين الإسبان والمغاربة في الضفّتيْن  لم يدّخروا وسعاً فى بذل الجهود المتواصلة فى العقود الأخيرة من أجل تفعيل وتلميع الصورة الحقيقية  للبلديْن، هذه الاتصالات المبكّرة بين هاذين الفضائين المتجاورين زادها العنصرُ الجغرافي متانةً وتدفّقاً، وقوّةً وتواصلاً، فضلاً عن الجانب الحضاري والثقافي الذي يُعتبر عنصراً فريداً في بابه في تاريخهما المشترك، كلّ هذه الخصوصيّات والخصائص هي التي طبعت علاقات الضفتين على إمتداد الحقب والعهود.

التذكير بما لا يجوز نسيانه

   تجدر الإشارة إلى أنّه على الرّغم من الزّخم الهائل، والتقارب والتداني اللذين أصبحا يطبعان العلاقات الثنائية بين البلدين، وعلى الرغم من البريق اللمّاع الذي غدا يضيئها في الوقت الراهن بعد أن إستجابت اسبانيا لحقائق التاريخ الدامغة وهي خير العارفين لها وبها بخصوص إعترافها المطلق بمغربية المناطق الجنوبية النتاخمة لموريتانيا وغرب الجزائر (الصحراء المغربية) التي لا يرقى اليها ريب، وعلى الرغم من التعاون الثنائي المثمر والكبير والتنوّع الذي أصبح يطبع البلدين ،فإنه ينبغي لنا ألاّ نغفل، أو أن ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة  شائكة وأمورعالقة، ما زالت تثقل كواهلنا، وتقضّ مضاجَعنا، ممثّلة فى جملة من  المطالب التاريخية المشروعة  المتوارثة من العهد البائد التي ما زالت تنتظر الحلول الناجعة لها وهي  قضايا لا تخفى على أحد، ويعرفها القاصي والدّاني على حدٍّ سواء، هذه الأمور ما فتئت تواجهنا بإلحاح، ولا ينبغي أن  نسلك حيالها سياسة النّعامة فى إخفاء رؤوسنا فى الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، ونلمسه نصب أعيننا، ويمكننا حصر بعض هذه القضايا كما يلي:

الصّحراء المغربية..

    لا يتورّع كبار المسؤولين الاسبان في المدة التخيرة بدءاً برئيس الحكومة السيد بيدرو سانشيس المنتخب لولاية ثالثة مؤخراً ووزير الخارجية الاسبانية خوسّيه مانويل الباريس، وسواهما من المسؤولين الآخرين الرفيعي المستوى، في الإلحاح على ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين البلدين، والتأكيد في كل مناسبة على أن المغرب يعتبر جاراً استراتيجياً هاما بالنسبة لاسبانيا، وبالفعل انسجاماً وتمشياً مع هذا الاتجاه الصحيح  فقد قامت اسبانيا كما هو معروف بخطوة جبارة وشجاعة، باعترافها بمغربة الصحراء المغربية بدون مواربة ولا مداهنة منسجمة مع القرار الأمريكي، باعترافه بسيادة المغرب على صحرائه المسترجعة. ولقد اكّد هذا الاتجاه الموقف المغربي الصارم الذي جاء على لسان وزير خارجيته السيد ناصر بوريطة بأنّ المغرب لن يقبل في المستقبل الحديث عن أيّ حلٍّ عادلٍ ودائم بل عن مقترح الحكم الذاتي كأرضية لحلّ هذا النزاع المفتعل. ومن ثمّ  جاء القرار الاسباني الصائب  الذي أصبح ينظر بعين الرضى إلى “مقترح الحكم الذاتي المغربي على أنه جادّ وذو مصداقية وواقعية”. ويجدر بنا التذكير أنّ اسبانيا كانت تستغلّ هذا الجانب من قبل في كلّ مناسبة لتقايض به مصالحها مع المغرب، إلاّ أنها أدركت أخيراً حقائق الأمور ونهجت النهج القويم  والصحيح في هذا النزاع المصطنع.

 التذكير بالمدينتيْن السّليبتيْن سبتة ومليلية  

    هناك بيت شعري شهير بيت حفظته عن ظهر قلب منذ سنوات بعيدة خلت جاء مبثوثاً  فى كتاب ” أزهار الريّاض فى أخبار القاضي عياض” للعالم الحافظ الجليل شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، أبو العباس المقرّي التلمساني ، يقول الشاعر فيه عند تحيته لمدينته سبتة السليبة: (سلامٌ على سبتة المَغربِ  /  أخيّةَ مكّةَ ويثربِ). المدينتان المغربيتان المحتلتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية ، وصخرة النكور ،والجزيرتان الصغيرتان المحاذيتان لشاطئ “الصّفيحة” الجميل الموجود فى بؤرة انطلاق حرب الريف التحررية الماجدة أجدير الحصين (قرب مدينة الحسيمة)، وشبه جزيرة بادس، وجزيرة ليلى تورة كلها ما زالت تذكّرنا بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة عالقة تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم . كانت مداخل ومخارج المدينتين السّليبتين تفصح عن الوجه الآخر المؤلم لهذا الموضوع، حيث كان المواطنون المغاربة يَعْبُرونُ هاذين المعبريْن الارضييْن ذهاباً أو إيّاباً على مضض لعناق بعضهم البعض، وإحياء صلة الرّحم فيما بينهم وبين إخوانهم وذويهم في الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة التي تفصل بينهما، كان يحدث ذلك فى زمنٍ تهاوت وسقطت فيه كلّ الجُدران مهما كان علوّها وارتفاعها، وكانت جائحة كورونا ومتحوّراتها قد زادت من معاناة هؤلاء المواطنين الذين كانوا يحصلون على قوت يومهم من داخل هاذيْن الثغريْن المحتلّيْن بعد أن تمّ إغلاقهما منذ بداية انتشار هذه الجائحة الرهيبة التي ذهبت لحال سبيلها وتلاشت اليوم ولله الحمد.

الأسلحة الكيمياوية والغازات السامّة  فى شمال المغرب

    لقد أصبح موضوع إستعمال اسبانيا في حربها على منطقة الريف خلال القرن الفارط للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياوية المحظورة يُثار بإلحاح فى المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجه، بل إنّه أمسى يُثار حتى داخل إسبانيا نفسِها، فهل فى مقدور الجارة الشمالية اليوم في ظلّ الإنفتاح والانفراج اللذيين تعرفهما العلاقات بين البلدين الإقدام على إتّخاذ خطوات تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضيها الاستعماري فى المغرب بتقديمها إعتذارٍ شجاع للشّعب المغربي قاطبةً بشكلٍ عام،ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، للسكّان الآمنين، وتعويضهم إنسانيًّا، وحضاريّاً- حسب ما تمليه القوانين اللدّولية فى هذه الجريمة النكراء – وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي الهامّ يستأثر بحدّة باهتمام الرّأي العام المغربي والإسباني على حدٍّ سواء، المتعلق بالتظّلم المُجحف، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالعديد من الأسر والعائلات الريفية وفى مناطق جبالة المجاورة التي ما زالت تُعاني من الآثار  الجسيمة والوخيمة لـ (أوبئة السرطان اللعين) الناجمة عن إستعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المُنكرة التي تكبّدتها فى حرب الرّيف التحررية الماجدة؟

 الهجرة السريّة أوغير النظامية

    على الرّغم من الجهود المبذولة فى هذا المجال، لمحاربة أو جعل حدٍّ للهجرة السريّة واللاّشرعية التي تفاقمت بشكل مهول فى المدة الأخيرة ممّا أصبح الأمر يدعو للقلق، ما فتئت التساؤلات تطرح عن الإجراءات، التي اتّخذها المغرب لإيجاد الحلول المناسبة العاجلة والناجعة لمواجهة هذه المعضلة الإنسانية لمواجهة هذا الزّحف العرمرم نحو المغرب وإسبانيا، ولقد أضيفت إليه مؤخراً جزر الخالدات الشئ الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها فى مختلف الواجهات الأمنية، والإرهابية، والإجتماعية، والإنسانية، والصحّية وسواها. وقد عالج وزير الخارجية الاسباني هذا الموضوع مع المسؤولين المغاربة خلال زيارته الأخيرة الناجحة للمغرب  لابدّ أن تؤتي أكلها وتحقق النتائج المرجوّة والغابات المتوخاة منها. ومعروف أنّ الاجتماعات الثنائية الرّفيعة المستوى التي تجري بين مسؤولي البلدين بين الفينة والأخرى تولي أهمية قصوى لهذا الموضوع  الذي  ما فتئ يشغل ويقلق البلدين.

الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا

    غير خافٍ على أيّ متتبّعٍ جادّ للشأن الاسباني – المغربي ما عانته الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا، التي تنوف على المليون نسمة، من ضائقات خانقة غداة الأزمة العويصة التي عاشتها إسبانيا فى المدّة الأخيرة، التي طفقت تعرف بوادر الانفراج والخروج منها أخيراً وحققت اسبانيا تقدما ملحولا في هذا المجال، وكانت هذه الأزمة  قد انعكست سلباً  بشكل أو بآخر على هذه الجالية، ذلك أنّ معظمَهم كانوا يشتغلون في قطاعيْ الفلاحة والبناء، اللذين عرفا ركوداً كبيرًا في المدة الأخيرة، وأصبحوا عرضة للتسريح المجحف، والإرتماء فى أحضان البطالة. نظراً لإنعدام تواصل جاليتنا مع النّخبة السياسية الإسبانية، وعدم توفّر وسائل الدفاع عنهم وعن حقوقهم مع تواتر صعود اليمين المتطرف (فوكس) واذبانه في السياسة الاسبانية، وينبغي التذكير ان الحكومة الإسبانة السابقة لللحزب الشعبي الاسباني كانت قد صادقت على قانون للهجرة غيرِ منصفٍ بالنسبة للمغاربة، مقابل السياسة التفضيلية والتمييزية التي حظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية. والحالة هذه ينبغي على المغرب مضاعفة جهوده لتقديم مختلف وسائل الدّعم لهذه الجالية فى مختلف مرافق الحياة.

محنة المُوريسكييّن ومطالبهم

     وفيما يتعلق بالموريسكيّين المغاربة الذين هُجّروا وطُردوا وأقصُوا من موطنهم الأصلي حيث ولدوا ونشأوا وترعرعوا في مختلف المناطق الاسبانية فإنّ الإسبان ما فتئوا يتمنّعون ويتعنّتون حتى اليوم فى تقديم إعتذار علني عن إشكالية طردهم المُجحف وإبعادهم القسري من ديارهم، والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس، ومن المعروف ان العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً لليهود (السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا هم الآخرون، ولم يقم هو ولا خلفُه الحالي الملك الاسباني فليبّي السادس بنفس البادرة حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين. وبهذه المناسبة نهنّئ  صفوة من المثقفين الإسبان الذين تربطنا وإياهم علاقات صداقة وأواصر مودة منذ سنوات خلت الذين شاركوا فى غير قليل من اللقاءات الدّولية  معنا نذكر منها على سبيل المثال الملتقى الدولي (عقب الموريسكيّين والسفارديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي كانت قد نظمته “مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن” بالرباط والذي شاركتُ في أشغاله، وألقيت محاضرة حول هذا الموضوع باللغتيْن العربية والإسبانية، وتُعتبرهذه البادرة خطوة تاريخية لهؤلاء الموريسكيين الذين تعرّضوا للطرد الجماعي القسري من وطنهم وأراضيهم بعد أن عاش أجدادُهم فيها ما ينيف على  ثمانية قرون، وما إنفكّ العديد من مثقفي ومفكّري العالم الحرّ بمن فيهم الاسبان أنفسهم  وسواهم  يثيرون هذا الموضوع  بدون انقطاع.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا