“حماس لاند” في الجنوب .. إسرائيل لن تتعايش مع الميليشيات
أحمد مطر
الوضع المقلق في الجنوب، وضرورة إبعاد الفصائل الفلسطينية عن الحدود، لعدم إعطاء الطرف الإسرائيلي أية ذريعة لإقحام لبنان في حرب جديدة مع تل أبيب.
لبنان هو “غزة في الانتظار”. فالمعنى العميق لحرب غزة، أن إسرائيل لن تغامر مرة أخرى بالتعايش مع ميليشيا مسلحة على حدودها، وما يحصل في الحرب الراهنة، هو ما يحتمل أن يواجهه لبنان ، بحسب ما يردده المسؤولون الإسرائيليون علناً. فما عاد بوسع إسرائيل الاتكال على افتراضات متفائلة حول النوايا الفعلية للحركات الجهادية، التي تقول علناً إن هدفها تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود، مدعومة بتصريحات مشابهة على لسان المسؤولين الإيرانيين .
جربت إسرائيل لعبة التعايش مع حماس، وتغاضت عن بعدها الأيديولوجي، معتبرةً أن تمكينها من السلطة سيكون كافياً لإغراء الحركة بأن تضع على الرفّ خططها العسكرية ضد إسرائيل، إلى أن حصل هجوم السابع من أكتوبر- تشرين الأول.
لا شيء يدعو إلى الاعتقاد بأن ما حدث هناك لن يحدث على الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية. ففكرة العبور إلى الجليل هي وعد أطلقه السيد نصرالله مراراً.
الاشتباكات الحالية هي مجرد تمهيد للصورة الكبرى التي تتهدد لبنان، ما لم يحصل تحول جذري وكبير في الواقع الأمني والعسكري جنوب لبنان. فإذا لم يحصل تنفيذ صارم لمندرجات القرار 1701، تبدو الحرب هي الاحتمال الأرجح.
الوقائع على الأرض تصب لمصلحة احتمال الحرب. لقد ترك أكثر من مئة ألف إسرائيلي منازلهم في البلدات الإسرائيلية الشمالية وتوجهوا نحو تل أبيب وحيفا وغيرها، ولن يعودوا إلى بيوتهم ما لم يحصل تغيير جدي يقنعهم بأن أمنهم مصان. كذلك فرغت القرى الجنوبية من السكان، الذين تركوا منازلهم نحو الضاحية الجنوبية لبيروت وأماكن أخرى. يوفر معطى خلو منطقة النزاع المباشرة من المدنيين فرصة لإسرائيل لأن تطلق عملية ضد جنوب لبنان لفرض منطقة عازلة بالقوة، من دون حسابات الإصابات في صفوف المدنيين اللبنانيين أو الإسرائيليين.
كما أن إسرائيل لن تغامر بتبديد حالة الاستنفار العسكري، الناتجة عن حرب غزة، والذهاب إلى تأجيل خيار الحرب مع لبنان، لتعيد تفعيل مناخات الحرب مرة أخرى، من دون أن تكون المبادرة في يدها بالضرورة.
جاء الفيتو الأميركي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة، مجسِّداً للدعم الأعمى الذي تقدمه إدارة بايدن لحرب نتانياهو الإجرامية ضد المدنيين في القطاع الملتهب، ومكملاً للمساعدات العسكرية اللامحدودة التي تنقلها طائرات الجسر الجوي إلى تل أبيب، وبواخر الجسر البحري إلى حيفا وإيلات يومياً، ومنذ أكثر من شهرين.
يعرف الأميركيون والأوروبيون ما يدور في الخلد الإسرائيلي. وقد بعث كل من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت ما يكفي من الإشارات إلى أن الحرب مع لبنان هي مسألة وقت لا مسألة مبدأ. وهذا ما يفسر النشاط الاستخباري والدبلوماسي الأميركي والفرنسي تجاه لبنان، في محاولة لابتكار ترتيبات ميدانية وسياسية تكون هي البديل عن الحرب التي تلوح في الأفق.
من الصعب تخيّل قبول الحزب بتنازلات كبيرة تبعد شبح الحرب، من دون تحقيق نتائج كبيرة، ولا سيما وهو في حالة فقدان السيطرة على السردية المتعلّقة بدوره. فما يحصل في الجنوب أثبت أن الحزب ليس قوة الردع التي كان يتكنى بها، وأنه محشور في لعبة استفزاز إسرائيلية علنية قاسية. لا تفرق أحوال أهل الجنوب اليوم عن أحوالهم في الفترة الممتدة بين منتصف السبعينيات واجتياح عام 1982، وهو ما بات يطرح في أذهان جمهوره أسئلة قلقة حول حقيقة قوة الحزب وقوة الردع والذعر الإسرائيلي وغيرها من المفردات التي بنى حولها سمعته وأسباب وجوده.
أما في ما يخص الحسابات الإسرائيلية، فثمّة 3 نقاط رئيسية تعمل لمصلحة خيار الحرب:
1 – يحبذون ضرب الحزب قبل أن يتحقّق احتمال حصول إيران على القنبلة النووية، ولا سيما إن كان في حسابات إسرائيل أن تضرب النووي الإيراني لاحقاً.
2 – يحبذون ضرب الحزب وهم ليسوا في حالة استنفار مباشرة مع إيران، على النحو الذي ساد لبضع سنوات تميّزت بعمليات إسرائيلية داخل إيران.
3 – يريدون استغلال الانتشار العسكري الأميركي غير المسبوق في المنطقة، قبل أن تطرأ على الحسابات العسكرية الأميركية مستجدّات تؤدّي إلى إعادة تموضع جديد. بالنسبة لإسرائيل فإنّ الانتشار العسكري الأميركي في الشرق الأوسط يوفّر فرصة لمغامرة إسرائيلية لتغيير الواقع في لبنان من دون الخوف من رد الفعل الإيراني المباشر أو عبر وكلاء طهران، لأنّ ذلك سيضع إيران في إطار مواجهة مباشرة مع اميركا.
الأكيد أن لا إمكانية لاستمرار الوضع على ما هو عليه في جنوب لبنان، لا لناحية الاشتباكات بصيغتها الحالية، ولا لناحية العودة ببساطة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول. ثمّة معادلة جديدة قيد الولادة، وقد لا يكون المسار السياسي والدبلوماسي هو الطريق لتحقيقها. لبنان على حافة الحرب، واحتمالات سقوطه في هوتها العميقة باتت أكبر من أيّ احتمال آخر.
Visited 23 times, 1 visit(s) today