توافقٌ مُباغت بين عباس ونتنياهو حول صفقة تبادل الأسرى!!

توافقٌ مُباغت بين عباس ونتنياهو حول صفقة تبادل الأسرى!!

عبد السلام بنعيسي

     تتوالى علينا في هذه الحرب الهمجية المُشنَّة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، التصريحات السياسية المُفجعة وتتراكم تباعا، ونُقصَفُ بها في كل لحظة وحين، ويكاد كل تصريح صادرٍ عن واحدٍ من السياسيين العرب، وغير العرب، ينسينا، في قساوته وغرابته، التصريح الذي سبقه، ويندرج في هذا السياق، التصريح الذي نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي جاء فيه التالي: ((نطالب حركة حماس بسرعة إنجاز صفقة الأسرى، لتجنيب شعبنا الفلسطيني ويلات وقوع كارثة أخرى لا تُحمد عقباها، ولا تقل خطورة عن نكبة عام 1948، ولتجنب هجوم الاحتلال على مدينة رفح الأمر الذي سيؤدي إلى وقوع آلاف الضحايا والمعاناة والتشرد لأبناء شعبنا))…

    سواء أراد ذلك أم لم يرده، فإن محمود عباس، يُحمِّلُ، بهذا التصريح، حركة حماس المسؤولية عن التأخير في عدم إنجاز صفقة تبادل الأسرى بينها وبين حكومة الكيان الصهيوني. الرئيس الفلسطيني، يوجِّهُ بكلامه هذا، اتهاما مُبطنا، لقادة المقاومة بالتماطل، وعدم الرغبة في إنجاز صفقة تبادل الأسرى بالسرعة المطلوبة. ويمكن للرأي العام الإسرائيلي، ولكل المتابعين لأطوار حرب الإبادة التي تخوضها الدولة العبرية ضد الفلسطينيين، وغير الملمين بالتفاصيل الدقيقة للحرب، الاستنتاج، من تصريح عباس، أن إسرائيل بريئة من عدم إنجاز صفقة تبادل الأسرى، وأنها تسعى لعملية التبادل وتريدها، وأن الجهة المعرقلة، هي حركة المقاومة حماس.

   يعيد الرئيس محمود عباس هنا إنتاج الخطاب الدعائي الذي تُروِّجُه الماكينة الإعلامية الصهيونية ومعها نظيرتها الأمريكية والغربية، إنه يُكرر نفس السردية الإسرائيلية التي تزعم أن نتنياهو وزبانيته يريدون تبادلا للأسرى، ولكن الطرف الفلسطيني هو الذي يرفض التبادل ويعرقل الإجراءات التي تفضي إليه بشروطه التعجيزية. الرئيس الفلسطيني محمود عباس يضع نفسه في ذات الموقع الذي يوجد فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو من حيث مضمون الخطاب الصادر عنهما معا. كلاهما يقول الكلام عينه، ولكن بصيغٍ مختلفة نسبيا، ونحن أمام توافقٍ في محتوى كلام كل واحد منهما يفيد بأن المسؤولية تقع على المقاومة الفلسطينية في عدم إنتاج التبادل المبحوث عنه للأسرى، بين الفلسطينيين والإسرائيليين..

   والأخطر في كلام محمود عباس هو أنه يُلقي باللائمة على المقاومة الفلسطينية عن كل هجوم للاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح. فبالنسبة للرئيس الفلسطيني، عدم الإسراع من جانب حماس في إنجاز صفقة التبادل، سيكون هو السبب الرئيسي وراء الهجوم على رفح، مع كل الكوارث التي قد تلحق وتنتج عن هذا الهجوم الذي تستعد القوات الإسرائيلية لاقترافه ضد الفلسطينيين المكدسين هناك. يبدو تصريح الرئيس الفلسطيني وكأنه بمثابة تمهيد دعائي للهجوم الإسرائيلي على رفح…

   القوات الإسرائيلية، وفقا للرؤية العباسية، ليست متحفزة ومتعطشة للدم الفلسطيني، وتتأهب للانقضاض على مدينة رفح بحثا عن الإفراج عن أسراها، وجريا وراء قيادة المقاومة لتصفيتها أو اعتقالها، ولارتكاب المذابح والمجازر في رفح، كما فعلت في باقي مناطق القطاع، الدولة العبرية، وفقا لمنطوق تصريح الرئيس الفلسطيني، تعمل من أجل عدم الهجوم على رفح، وتجتهد لتحاشيه، وإذا ما قامت القوات الإسرائيلية باقتحام هذه المدينة، وإبادة جزءِ من ساكنتها، وتهجير الجزء الآخر إلى سيناء، فإنها فعلت ما فعلته، تحت الاضطرار، والسبب هو تعنُّتُ حماس، ورفضها، أو تباطؤها في إنجاز صفقة التبادل… 

   من حق محمود عباس أن يكون لديه رأيه المشار إليه أعلاه حول صفقة تبادل الأسرى، ولكن الأبجديات السياسية تقتضي منه الإدلاء بهذا الرأي لقادة المقاومة في الغرف المغلقة، وبسرية تامة، وأن يسعى لإقناعهم به، بالحوار وبالحجة، وبالتي هي أحسن، أما عندما يُفشي رأيه هذا أمام الخاص والعام،    وبهذه الطريقة العلنية والهوجاء، فإن محمود عباس يصبح، شاء ذلك أم أبى، في موقع المحرِّض ضد المقاومة، والمُصطف إلى جانب عدوّها. كان الله في عون الشعب الفلسطيني، برئيس من هذا القبيل. أي نصرٍ دبلوماسي أو عسكري، يمكن أن يتحقق للفلسطينيين على يديه؟ نصرُ المقاومة الكامل في هذه الحرب، إن أُنجز لن يرضى الرئيس عنه، ولعله يُزعجه ويُغضبه…

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي