ثلاثة سيتجرعون السم… (1-3)
حسين قاسم
تعود قصة تجرع السم إلى عهد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الإمام الخميني، عندما وافق على القرار الدولي رقم 598، الذي يقضي بوقف الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988. هذه الحرب كان لها تأثير كبير على المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وكانت نتائجها ذات أثر بالغ في العوامل التي أدت إلى اندلاع حرب الخليج الثانية والثالثة. قال الخميني عند نهايتها: “إن قبولي لوقف الحرب هو بالنسبة لي أشد من تجرع السم”. وهكذا، تجرع السم وتوقفت الحرب الدامية بين العراق وإيران.
يُعتقد أن الوضع الراهن يشبه إلى حد بعيد ما كان قائمًا في تلك الفترة، بل هو أكثر شمولًا. إنه يعيد رسم خرائط جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، يُعتقد أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد خرائط اتفاقية سايكس-بيكو. استثمرت إيران كثيرًا، مالًا وجهدًا ودعمًا ومخططات إلى البرنامج النووي، وصلت بهم حد اعتماد مبدأ تصدير الثورة إلى فكرة التشيع. لم يكن هذا الاستثمار سوى تحقيق لحلمهم بإمبراطورية فارسية نافذة، مترامية الأطراف. كان الاستثمار الإيراني الأهم هو في القضية الفلسطينية، وكان الاختراع الدسم في طرح شعار “إسلامية القضية الفلسطينية” بديلاً من عروبتها ووطنيتها، فكان يوم القدس وفيلق القدس. نجحت الجمهورية في نزع عروبة فلسطين وتحويل الانتفاضات الفلسطينية من سلمية إلى عسكرية، لينتهي الأمر بالتجزئة الدموية والمدمرة للقرار الوطني الفلسطيني إلى مركزين: غزة والضفة، فيما وجدتها إسرائيل فرصة للتخلص من موضوع الدولة الفلسطينية، فاتفقت إيران وإسرائيل على الهدف السامي لهما.
ثم إن النجاح الإيراني في مشاركة الأمريكيين في حروب الخليج وإسقاط صدام، العدو اللدود لها، اتى حل الجيش العراقي، كعقاب له باعتباره الجيش العربي الذي تجرأ بالهجوم على بلاد فارس، كان الشرط الوحيد الذي طلبته إيران من أمريكا لتسهيل هجومها على العراق. وبالتالي، استباحة العراق وتفتيته، ليمتد الأمر بعد ذلك إلى مختلف بلدان الإقليم، ليخرج على إثرها التصريح الإيراني الشهير بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. وتوالت بعد ذلك تصريحات قادة إيران عن تدمير إسرائيل.
وصلت الذروة في مختلف أطراف الصراع بالإقليم، لا سيما عند الطرف الإيراني، لانتزاع حصته ودوره، خاصة بعد صدور مذكرة التفاهم لدول قمة العشرين التي انعقدت في سبتمبر من العام الماضي في نيودلهي، لبناء طريق الحرير الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الخليج العربي وإسرائيل. فاعتقدت إيران وحلفاؤها أن آوان الحصاد قد نضج، فكان السابع من أكتوبر وعملية الطوفان.
يبدو أن قوى المحور، مجتمعة ومنفردة، لم تحسب حسابًا لردة الفعل الدولية، فكانت الحرب المستعرة في غزة وفي أماكن الأذرع الإيرانية المختلفة.
في هذا الإطار، يجب على المرء الغوص في العقل الإيراني لاكتشاف طريقة تفكيره. أدركت إيران منذ اللحظة الأولى لعملية الطوفان حجم وخطورة التضامن الدولي، خاصة الدعم الأمريكي لإسرائيل، فقررت المشاغلة والمواكبة والتفاوض مع الغرب سرًا وعلانيةً، ومارست ما كانت تفعله في مناسبات مشابهة. للتذكير، إيران ومنذ انتصار ثورة الخميني في عام 1979، لم تبادر لشن أي حرب، حتى أن حرب الخليج الأولى، فإن العراق هو من شنها.
كان الأسلوب الذي يلازمها هو تطبيق المثل الإيراني القائل: “اضرب رأس الأفعى بعصا غيرك”، ففي عهد الخميني اشترت السلاح من إسرائيل لمحاربة صدام، ثم إن الخميني نفسه تجرع السم لينهي حربًا لم ينتصر بها. ثم يعود النظام الإسلامي للاتفاق مع الأمريكيين بالهجوم على العراق، وهذا ليس تكتيكًا عندهم إنما نهجًا راسخًا عند حائك السجاد الذي يشتهر بالأناة والصبر المرحلي والاستراتيجي. من ناحية أخرى، يدرك دُهاة ايران، أن دورهم حاجة للأمريكيين والغرب لتخويف العرب، وبالتالي هم يلعبون على مرجوحة، طرفها الأول والأساسي هو بقاء النظام، وطرفها الثاني انتزاع ما أمكن من نفوذ في الإقليم.
يبدو أن ما حصل في السابع من أكتوبر قد تخطى الخطوط الحمراء، بصرف النظر عن كيفية حصول تلك العملية، لكنها أرخت بتأثيرها لتنهي مرحلة من اللعب بين أطراف الصراع الإقليميين لمستوى وصوله إلى اللاعودة أو لمرحلة إنهاء هذه الحقبة التي امتدت منذ نهاية الحرب الباردة، بما يشبه الوضع الذي نشأ بعد عملية الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا.
تدير إيران، وتشرف على، صراعات متعددة: حرب المشاغلة في لبنان، العمليات على المواقع الأمريكية في العراق، مشاغلة الحوثيين في اليمن والبحر الأحمر، وما رافقها من تفوق إسرائيلي، مما ساهم في توضيح الخطة المقبلة وهي: تنفيذ القرارات الدولية بشأن لبنان لا سيما القرار 1959 و1701، أي إنهاء موضوع ما يسمى سلاح حزب الله في لبنان. كذلك إنهاء الوجود الإيراني في سوريا وتخفيفه في العراق، إضافة إلى تحجيم دور الحوثيين في اليمن وضمان سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر. من جهة أخرى، الإبقاء على النظام الملالي في إيران وعدم التعرض له.
يبدو أن السياق الجاري للتطورات المتسارعة يفيد بأن حائك السجاد الفاخر قد يستبدل مخرزه الخشن بآخر ناعم، وأن السبيل المتاح هو تجرع السم أسوة بملهم النظام ومؤسسه، الإمام الخميني. ليس فقط لن يرد على ما يتعرض له من اغتيالات وغيرها بل سيركب الموجة ويحاول اكتساب ما امكن من حصة في خريطة المنطقة الجديدة، تالياً هو لن يسعى الى حرب كبرى بل يخشاها.
يُعتقد أن الوضع الراهن يشبه إلى حد بعيد ما كان قائمًا في تلك الفترة، بل هو أكثر شمولًا. إنه يعيد رسم خرائط جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، يُعتقد أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد خرائط اتفاقية سايكس-بيكو. استثمرت إيران كثيرًا، مالًا وجهدًا ودعمًا ومخططات إلى البرنامج النووي، وصلت بهم حد اعتماد مبدأ تصدير الثورة إلى فكرة التشيع. لم يكن هذا الاستثمار سوى تحقيق لحلمهم بإمبراطورية فارسية نافذة، مترامية الأطراف. كان الاستثمار الإيراني الأهم هو في القضية الفلسطينية، وكان الاختراع الدسم في طرح شعار “إسلامية القضية الفلسطينية” بديلاً من عروبتها ووطنيتها، فكان يوم القدس وفيلق القدس. نجحت الجمهورية في نزع عروبة فلسطين وتحويل الانتفاضات الفلسطينية من سلمية إلى عسكرية، لينتهي الأمر بالتجزئة الدموية والمدمرة للقرار الوطني الفلسطيني إلى مركزين: غزة والضفة، فيما وجدتها إسرائيل فرصة للتخلص من موضوع الدولة الفلسطينية، فاتفقت إيران وإسرائيل على الهدف السامي لهما.
ثم إن النجاح الإيراني في مشاركة الأمريكيين في حروب الخليج وإسقاط صدام، العدو اللدود لها، اتى حل الجيش العراقي، كعقاب له باعتباره الجيش العربي الذي تجرأ بالهجوم على بلاد فارس، كان الشرط الوحيد الذي طلبته إيران من أمريكا لتسهيل هجومها على العراق. وبالتالي، استباحة العراق وتفتيته، ليمتد الأمر بعد ذلك إلى مختلف بلدان الإقليم، ليخرج على إثرها التصريح الإيراني الشهير بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. وتوالت بعد ذلك تصريحات قادة إيران عن تدمير إسرائيل.
وصلت الذروة في مختلف أطراف الصراع بالإقليم، لا سيما عند الطرف الإيراني، لانتزاع حصته ودوره، خاصة بعد صدور مذكرة التفاهم لدول قمة العشرين التي انعقدت في سبتمبر من العام الماضي في نيودلهي، لبناء طريق الحرير الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الخليج العربي وإسرائيل. فاعتقدت إيران وحلفاؤها أن آوان الحصاد قد نضج، فكان السابع من أكتوبر وعملية الطوفان.
يبدو أن قوى المحور، مجتمعة ومنفردة، لم تحسب حسابًا لردة الفعل الدولية، فكانت الحرب المستعرة في غزة وفي أماكن الأذرع الإيرانية المختلفة.
في هذا الإطار، يجب على المرء الغوص في العقل الإيراني لاكتشاف طريقة تفكيره. أدركت إيران منذ اللحظة الأولى لعملية الطوفان حجم وخطورة التضامن الدولي، خاصة الدعم الأمريكي لإسرائيل، فقررت المشاغلة والمواكبة والتفاوض مع الغرب سرًا وعلانيةً، ومارست ما كانت تفعله في مناسبات مشابهة. للتذكير، إيران ومنذ انتصار ثورة الخميني في عام 1979، لم تبادر لشن أي حرب، حتى أن حرب الخليج الأولى، فإن العراق هو من شنها.
كان الأسلوب الذي يلازمها هو تطبيق المثل الإيراني القائل: “اضرب رأس الأفعى بعصا غيرك”، ففي عهد الخميني اشترت السلاح من إسرائيل لمحاربة صدام، ثم إن الخميني نفسه تجرع السم لينهي حربًا لم ينتصر بها. ثم يعود النظام الإسلامي للاتفاق مع الأمريكيين بالهجوم على العراق، وهذا ليس تكتيكًا عندهم إنما نهجًا راسخًا عند حائك السجاد الذي يشتهر بالأناة والصبر المرحلي والاستراتيجي. من ناحية أخرى، يدرك دُهاة ايران، أن دورهم حاجة للأمريكيين والغرب لتخويف العرب، وبالتالي هم يلعبون على مرجوحة، طرفها الأول والأساسي هو بقاء النظام، وطرفها الثاني انتزاع ما أمكن من نفوذ في الإقليم.
يبدو أن ما حصل في السابع من أكتوبر قد تخطى الخطوط الحمراء، بصرف النظر عن كيفية حصول تلك العملية، لكنها أرخت بتأثيرها لتنهي مرحلة من اللعب بين أطراف الصراع الإقليميين لمستوى وصوله إلى اللاعودة أو لمرحلة إنهاء هذه الحقبة التي امتدت منذ نهاية الحرب الباردة، بما يشبه الوضع الذي نشأ بعد عملية الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا.
تدير إيران، وتشرف على، صراعات متعددة: حرب المشاغلة في لبنان، العمليات على المواقع الأمريكية في العراق، مشاغلة الحوثيين في اليمن والبحر الأحمر، وما رافقها من تفوق إسرائيلي، مما ساهم في توضيح الخطة المقبلة وهي: تنفيذ القرارات الدولية بشأن لبنان لا سيما القرار 1959 و1701، أي إنهاء موضوع ما يسمى سلاح حزب الله في لبنان. كذلك إنهاء الوجود الإيراني في سوريا وتخفيفه في العراق، إضافة إلى تحجيم دور الحوثيين في اليمن وضمان سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر. من جهة أخرى، الإبقاء على النظام الملالي في إيران وعدم التعرض له.
يبدو أن السياق الجاري للتطورات المتسارعة يفيد بأن حائك السجاد الفاخر قد يستبدل مخرزه الخشن بآخر ناعم، وأن السبيل المتاح هو تجرع السم أسوة بملهم النظام ومؤسسه، الإمام الخميني. ليس فقط لن يرد على ما يتعرض له من اغتيالات وغيرها بل سيركب الموجة ويحاول اكتساب ما امكن من حصة في خريطة المنطقة الجديدة، تالياً هو لن يسعى الى حرب كبرى بل يخشاها.
Visited 26 times, 1 visit(s) today