الهذرولوجيا.. التخوينولوجيا والثورويولوجيا
حسين قاسم
النقاش التالي لا يهدف إلى تقديم قراءة نظرية لوسائل التعبير أو تفسير للآراء، ولا حتى إضافة نظرية أخرى إلى الأبحاث والدراسات والنظريات المتنوعة حول النقد وتفرعاته، وآداب الكلام، والتغيير والإصلاح وغيرها المملوءة بها الصفحات. بل يتناول ما يحدث عندما تغيب العلوم عن الساحات المعرفية ليحل محلها “علم الهذر”، حيث يتصدر الهذارون قيادة العلوم، ويحتل الكلمنجية الشاشات، والثورجية الساحات.
فإذا انتقد المرء عدم تنفيذ شعار “وحدة الساحات” في أعقاب الطوفان الفلسطيني وما تلاه من مجازر ضد الفلسطينيين، وما حصل من تداعيات بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم تشتعل الساحات بعدها، ليأتي الرد على النقد ليس نقداً بمقدار ما هو تخويناً يصب في عالم التخوينولوجيا، ليستطرد نحو “هذر” أشبه “بسوالف مجالس”.
بالمقابل ينبغي على النقاد ألا يذهبوا بعيدًا في تعرية الآخرين أو التشهير بهم (التشهيرولوجيا)، بل يجب أن يسعوا لتحقيق مبتغى الشاعر الذي قال: “والضد يُظْهِر حُسْنه الضِد“.
ثم يُقابل الطرح بأن المقاومة ليست صواريخ فقط، بل هي إعداد مجتمع مقاوم تمهيدًا لإقامة دولة مقاوِمة وحصر قرار الحرب والسلم في مؤسساتها الدستورية، يُقابل بهذرٍ، ثم يُرد عليه بطرح ثوري يمكن وصفه بأقل تقدير بأنه “ثورويولوجيا”. في أحسن الأحوال، يصبح هذا الطرح مجرد قل “كلمتك وامشي”، دون إدراك للتداعيات والموجبات.
ناهيك عن التعمية على الكارثة التي حصلت في لبنان، الدولة المنهوبة التي لم تعرف مثل هذه الحال من قبل، حيث توفرت للعصابة اللبنانية الحاكمة الحماية والتغطية الكاملة من قوى الممانعة المتصدرة لمشهد الحروب المفتوحة على كوارث وتداعيات خطيرة على البلاد والعباد، وفي المقابل، يُقابل كل منتقد بالتخوين، ويُقمع ويُسكت أي صوت معارض.
بيد أن النقد وقبول الآخر يمنع تغذيه الهذرولوجيا والتخوينولوجيا والثورويولوجيا.