روسيا والمساعدات الأميركية لأوكرانيا

روسيا والمساعدات الأميركية لأوكرانيا

خالد العزي

       مما شك فيه بأن روسيا تفاجأت، بعد تصويت الأكثرية في مجلس الشيوخ الأميركي، لجهة التوافق بالأكثرية على مساعدة أوكرانيا بتقديم مساعدات مالية  ولوجستية،  بقيمة واحد وستين مليار دولار أميركي.

    المساعدات التي قدمتها واشنطن لكييف هي التي فتحت المجال، حيث تخطت ذلك لتشمل بريطانيا وكندا، ولتكر السبحة لاحقا بتدفق المساعدات الغربية للنظام الأوكراني، الذي كان بأشد الحاجة لهذه الرزم  منذ العام الماضي.

    طبعًا، المساعدات الأمريكية والغربية لم تبق في حدودها المالية واللوجستية، بل هي رسائل واضحة لروسيا، مفادها أن الغرب الأطلسي لن يتخلى عن أوكرانيا، ولن يسمح بأي تغيير كانت روسيا قد أحدثته في الفترة التي كانت ضبابية لجهة المواقف الأميركية والتأخير  الأوروبي.

    روسيا فهمت هذه الرسائل التي أعلنت عنها سريعا، بأن هذا الدعم  الغربي لنظام الرئيس زيلنسكي سوف يمد بعمر الأزمة ويزيد في الدمار والقتل .

    منذ انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية جديدة في 18 نيسان /أبريل الحالي، باتت الاستراتيجية الروسية تحمل في طياتها تصعيدًا جديدًان من خلال ضرب البنية التحتية الاوكرانية، وشلِّ الحركة في المدن، التي كانت تبررها روسيا بأن هذه العمليات تهدف للضغط على المتطرفين. لكن هدف روسيا استسلام هذه المجموعات وحشرها أمام الرأي العام الأوكراني، والخطة الثانية هي تغيير خط الجبهة الذي، أحرج الجيش الثاني في العالم،  من خلال إسقاط المدن الصغيرة التي تحمل انتصارات إعلامية ودبلوماسية للجيش الروسي.   

    فكانت روسيا تحاول فرض أمر واقع، قبل اتخاذ هذه القرارات التي سوف تعيق فرض خطتها على الغرب. من خلال التغيير الميداني الذي كانت  روسيا تسعى إليه خلال شهر ماي – أيار الحالي،  والمتعلق بإسقاط أكبر مدينة (خاركوف) في الشرق والجنوب، مما يعني فرض أمر واقع على الغرب وكييف. من خلال تغيير الخريطة الميدانية التي حافظت عليها كييف طوال السنتين، بظل النقص الحاد بالإمداد والسلاح، لكي ترفع موسكو شروطها في التفاوض الذي تسعى له روسيا مع الولايات المتحدة، ولكي تبعد أوروبا عن هذه المفاوضات وإبقاء الخوف مسيطر على هذه العواصم من الدب الروسي، الذي قد يطرق أبواب أي عاصمة يريدها.

    لكن الدعم الغربي عمومًا، والأميركي خاصة، وضع روسيا في حرجٍ واضح، لجهة عدم إكمال خطتها التوسعية، التي ستكون كييف بواسطة هذه الإمدادات، تتمكن من ضرب العمق الروسي وفرض معادلات جديدة، قد تحرج وتربك روسيا لفترة طويلة، وهذا يعني بأن الاستنزاف الغربي  مستمر، وروسيا ستكون في مرمى العاصفة الغربية التي وضعتها في مواجهة غير متكافئة مع كييف.

    لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا أطال الغرب في عدم تلبية نظام كييف بسرعة، وبقي التلكؤ إلى هذه الفترة، حتى أصبح الوضع صعب جدا في كييف، وبات التخوف الفعلي من تغيير الخارطة الميدانية  على  الأرض وخاصة على الجبهة. 

    فهل يمكن القول بأن الغرب كان يرقص على حد الهاوية، بعد الاستجابة لمطالب كييف السريعة، مما شجع روسيا بكشف مخططها القائم على احتلال مدن الشرق سريعًا، حتى ساد لدى موسكو مفهوم القوة والعنجهية، مما أدخلها أكثر في المستنقع، ودفعها أكثر لاستخدام أسلحتها وإفراطها بالضربات الغربية، وبالنهاية استطاع الغرب من توحيد جهوده ورفع الكرت الأحمر لروسيا. وأن التهادن والاستهانة بنظام أوكرانيا ممنوع، وعلى روسيا أن تنسى طموحها، وأن تنزل عن الشجرة للتفاوض على الأرض من خلال الواقع.

Visited 21 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني