العد العكسي لتآكل الغرب!
عبد العلي جدوبي
الظاهر أن الحريات العامة في عدد من الدول الأوروبية مهددة بالفعل بالتراجع إلى الوراء، ليس فقط من خلال إصدار مجموعة من الإجراءات والقوانين التي تطبخ على عجل ضد حرية التعبير، ولكن من خلال عمليات تسريع الاعتقالات العشوائية والإنتقائية، التي تطال العديد من طلاب الجامعات والحقوقيين والمفكرين والسياسيين الداعمين للحقوق الفلسطينية، المطالبين بوقف الحرب على غزة، ووقف إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره.
ويشار إلى أن السلطات الفرنسية قد قررت خلال الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر الماضي، حظر أية مظاهرات أو أي شكل من أشكال الدعم لفلسطين ولأهالي غزة، ومصنفة حركة المقاومة حماس كـ”منظمة إرهابية”، وهددت المتظاهرين بالسجن!
لقد تسببت حالة الهلع جراء (الطوفان الأقصى)، والذي يتم توصيفه لدى الغرب بـ “العنف غير المبرر”، أي بمعزل عن تاريخ الاحتلال الصهيوني وجرائمه، تسبب في تقليص جنوني لمساحة حرية الرأي والتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وحتى الغوص في معاناة أهالي غزة وشهدائهم، صار من المحرمات لدى عدد من وسائل الإعلام المملوكة كليا أو جزئيا لللوبي الصهيوني؛ والإعلام الفرنسي سقط مع كامل الأسف في فجوة تغيرت فيها مساحة حدود الخطاب، مما يؤدي إلى شكل مفضوح في التحليلات السياسيه بالقنوات الغربية الفرنسية بالخصوص!
واليوم باتت الحريات الأكاديمية مهددة بالفعل، ليس فقط من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية، ولكن أيضا من خلال الاعتقالات العشوائية التي تمنع حق التعبير والتجمع في الميادين العامة.
وبعيدا عن فرنسا، ففي اسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، على الرغم من خطابات المسؤولين السياسيين المنحازه لصالح إسرائيل، لم يتم منع حق التظاهرات في الأماكن العامة، التي تدعم الفلسطينيين وتعارض الحرب على غزة، وكانت إدارة تحرير (بي بي سي) البريطانية قد سلكت مبدأ المهنية الإعلامية في حياد تام، عندما رفضت استخدام تصنيف حماس كحركة إرهابية.
فالجرائم الإسرائيلية البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة – حسب لوران بونفو، العضو بالمركز الفرنسي للبحث العلمي _ “تعمل بشكل مباشر على ترسيخ فكرة الغرب المتعجرف غير الحضاري، الفاقد لكل مشاعر الإنسانية وحقوق المستضعفين، والذي يروج ظاهريا للقيم الإنسانيه، هذا الغرب قد يصطدم خلال السنوات القادمة – يضيف المتحدث – بسيطرة جيل جديد من السياسيين والمثقفين والأكاديميين، على معادلات الصراعات القادمة، الذين يعيدون للمبادئ الإنسانية إنسانيتها وقيمها، وقد يخلقون فجوة عميقة بين هويتهم وبين السياسات المتطرفة .
ويبدو الآن وأكثر من أي وقت مضى، أنه بعد (طوفان الأقصى) تغيرت المعادلة، وبدأ العد العكسي لتآكل الغرب!! ففي العديد من بقاع العالم مظاهرات حاشدة، وأخدت مسألة تدويل القضية الفلسطينية بعدا آخر وعلى أكثر من صعيد، بمشاركة قطاعات واسعة من الجاليات اليهودية نفسها، هذا التحول يثبت عمليا أن صراع الحضارات الذي وصفها (صامويل هيتغوتون) قد تغير مدلوله، فلم يحدث أن شهدت أية دولة انقسامات داخلية ينذر بانفجار، كما يحدث الآن في عدد من المجتمعات الغربية، لكن ما يجري وما يحرك جموع المتظاهرين، هو قيم العدالة والحق في العيش، وحق الشعب الفلسطيني في حصوله على دولته الحرة المستقلة.
الفلسطينيون رفضوا البقاء تحت سلطة الاحتلال إلى الأبد، قاوموا المحتل، وهو أمر مقبول لتحقيق حقوقهم المشروعة بإقامة دولتهم وعاصمتها القدس، عن طريق هيكلة الدولة الجديدة ، وليس عن طريق الذوبان في الدولة الإسرائيلية، كما تخطط له واشنطن، وطبعا يرفض الكيان الصهيوني هذه المطالبة، ويواصل تطبيق نظام الفصل العنصري وعقيدة القتل والتهجير، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فالكيان الصهيوني الآن يعيش حاله من الارتباك والشك وفقدان التوازن.
Visited 79 times, 1 visit(s) today