روسيا تزعزع أمن أوروبا السياسي وتنشط خلاياها النائمة

روسيا تزعزع أمن أوروبا السياسي وتنشط خلاياها النائمة

خالد العزي

    جاءت محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، لتبين إنها عملية روسية تهدف إلى إعادة تشكيل النخب السياسية للدول الحليفة والدول التابعة (في سياق الولاية الرئاسية الخامسة لبوتين).
من الواضح أن  بوتين بدأ بزعزعة الاستقرار التام في البلدان التي في متناول يده، فالتركيز على الهجمات الإرهابية هو مزحة من الولاية الخامسة لرئاسة بوتين (بدءًا بالهجوم الإرهابي في “Crocus City Hall في موسكو”، وصولا الى محاولة اغتيال روبرت فيكو..)، فمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا فيكو قد تعيد إنتاج “اللقطة القديمة في سراييفو”، التي أطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى، لكن بشكل مكتوب. إذ بوتين ينتمي إلى نموذج “الإمبراطورية الروسية في الحرب العالمية الأولى”. 
   سيكون من البديهي للغاية توقع نفس رد الفعل من الغرب، كما حدث في عام 1914، على الرغم من أن الدعاية الروسية تستخدم أي عذر “لشيطنة” الغرب. فمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا فيكو، تدل على مدى نشاط الخلايا النائمة الروسية في الدول الغربية، على وجه الخصوص، من خلال دعمها بتجهزات لتعزيز البنية التحتية العسكرية الحيوية لهم؛ حيث تشهد مجموعات أعمال الاستخبارات الروسية الواضحة والمكشوفة في أوروبا، ولا سيما في بولندا، على حجم الحرب السرية التي يشنها النظام الروسي ضد العالم الغربي.
   ويعتقد الفيلسوف القومي الروسي الأرثوذكسي الكسندر دوغين، مؤلف فكرة “السلام الروسي” وحامل الأيديولوجية الوطنية المتطرفة المقربة من بوتين، أن محاولة اغتيال روبرت فيكو هي دليل على الأيديولوجية العالمية الجديدة، وتحدي للعولمة. لأنه في الواقع، يمكن أن يكون الواقع أكثر واقعية.
 عمليا نرى أن روسيا تعمل على إعادة تنشيط خلاياها الخارجية ودعم بعض أجهزتها، مما يعني أنه تتم إعادة صياغة الوضع ليس في روسيا نفسها فحسب، بل أيضًا في الدول الحليفة. ومع ذلك، فإن إقالة القادة التي تتم بطريقة صارمة للغاية قد تفسر عملية النهج الجديد .
    محاولة اغتيال فيكو ليست سوى  تحذير من الخلايا الروسيا النائمة للعديد من السياسين على وجه الخصوص، مثل فيكتور أوروبان رئيس وزراء المجر، أو الكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا. ربما لم يوافق رئيس وزراء سلوفاكيا على بعض المخططات “الرمادية” التي سعى “الممثلون” الروس في سلوفاكيا إلى تنفيذها، أو أعربوا عن عدم رضاهم عن بعض “المنسقين” الروس. بطريقة أو بأخرى.
   وقد أصبح من المعروف أن يوراي تسينتولا البالغ من العمر 71 عامًا، والذي أطلق النار على رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، يمكن أن يكون على صلة بالمجموعة شبه العسكرية الموالية لروسيا سلوفينسكي برانسي، على وجه الخصوص، شارك في أنشطة المنظمة. Slovenský Branci هي مجموعة شبه عسكرية غير مسجلة تعمل في سلوفاكيا منذ عام 2012. وتعاونت المنظمة مع الفرع السلوفاكي لمنظمة راكبي الدراجات النارية الروسية “ذئاب الليل”، وتم تدريب أعضائها على يد قوات خاصة روسية سابقة.
    في المقابل، يرى العديد من المتابعين الغربيين بأن محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا ليست مفيدة لأوكرانيا أو للغرب. بالرغم من أن فيكو اتخذ موقفا آخر فيما يتعلق بالغزو الروسي، والذي يتناقض بشكل حاد مع موقف الدول الأوروبية الأخرى. ومع ذلك، فإن محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي غير مناسبة للتوجهات السياسية الأوكرانية، لأنها تعرض قمة السلام المرتقب عقدها في سويسرا للخطر  وهذه القمة التي يهتم بتسويقها الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصيا، كما أنها تدمر الجسور بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، خاصة في مرحلة الانضمام للمفاوضات، وربما يزيد من تعقيد الدعم الأوروبي لكييف في مواجهة عسكرية مع روسيا، فمن الواضح أن أوكرانيا تدرك الصورة الكاملة للعواقب السلبية لهذا الخطوة السلبية، كما يتضح من البيان العاطفي والفوري للرئيس زيلينسكي، الذي صدم من محاولة الاغتيال. وقد تكون عملية اغتيال فيكو عملية يقوم بها الاتحاد الروسي “تحت علم أجنبي” لاتهام أوكرانيا على خلفية الاستعدادات لقمة السلام، ولتجويف الجهود المبذول من السلطات الأوكرانية للحصول على ضمانات أمنية غربية، وفتح طريق المساعدات الغربية إليها…
Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني