الرواية.. كيف تُيسر الحياة

الرواية.. كيف تُيسر الحياة

المصطفى اجماهري

       في كتابه “الأدب في خطر” الصادر بفرنسا سنة 2007، يقول تزفتان تودوروف: لو سئلت عن سبب حبي للأدب لكان جوابي بشكل تلقائي: “لأن الأدب يساعدني على الحياة”. هكذا بكل بساطة يجعل هذا السميولوجي الفرنسي من أصل بلغاري الأدب بما فيه من شعر ورواية ومذكرات وسيلة مساعدة ومُيسرة للحياة. بمعنى أن الأدب هنا ليس ترفا بل قيمة مضافة تنير عتمات الطريق وتتيح التقدم إلى الأمام. قد يبدو الأمر هينا في الدول الغربية، ولكنه في جل الأقطار العربية ليس كذلك، حيث القطيعة مطلقة بين الأدب والحياة، إن لم نقل بأن هناك نظرة تبخيسية واحتقارية للأدب ما دام أن غالبية المسارات الشخصية تُبنى على العلاقات العائلية والحزبية والزبونية الضيقة كما يقول الأنثربولوجي عبد الله حمودي.

وما زلت أذكر أنه في تاسع عشر من شهر ماي عام 2000 أجرت جريدة لبراسيون الصادرة بالدار البيضاء حوارا مع سفيرة السويد بالمغرب آنذاك السيدة سيسليا ألمستم، قالت فيه إنها حين ممارستها، في وقت سابق، لوظيفة  مستشارة في مجال التدبير كانت تنصح من يطلبون استشارتها من مسؤولي الشركات والمقاولات بقراءة الرواية، لأن الرواية، كما تقول، تقدم لقارئها تجربة حياة شخص آخر. وفي نفس الحوار قالت السفيرة إن القراءة، بالنسبة لها، أهم من المدرسة.

إن قراءة الرواية ودورها في تنمية الخيال ليست أمرا جديدا ولا طارئا عند قراء البلدان الغربية. ولكنه قد يكون أمرا مستغربا عندنا لسبب بسيط وهو جهلنا بدور القراءة عموما وقراءة الرواية خصوصا في تنمية الخيال وخاصة لدى الشباب. وبغض النظر عن الظروف الموضوعية والإكراهات السياسية والاقتصادية التي تقف عائقا، أحيانا، أمام فعل القراءة، فإن عامل شح الخيال لدى هذه الشريحة أصبح بدوره حالة مقلقة.

إن اهتمام الدول الغربية بالقراءة عموما وقراءة الروايات وكتب التاريخ خصوصا لم يأت من فراغ. بل لوعي هذه المجتمعات بالتأثير الإيجابي الذي تلعبه تلك العملية في إذكاء عقول الناشئة. فليس غريبا أن تحقق الرواية في الغرب أعلى الأرقام في الإصدارات وفي المبيعات على السواء. وفي المغرب لدينا تعليم لا يشجع على القراءة والمطالعة الحرة والتفتح على الفنون، بل يركز على الحفظ واجترار معلومات بائدة بطريقة سطحية. فلعدة أسباب متراكمة تقهقر مستوى التعليم العمومي المغربي منذ الثمانينيات بسبب التعريب السطحي، ومحاصرة الدرس الفلسفي، والتكوين المتسرع لهيئة التدريس.  أي أنه، في المحصلة النهائية، تعليم لا ينمي الخيال بل بالعكس. وشُح الخيال اليوم عند غالبية الشباب هو ما يجعلهم يفتقرون إلى الأفكار ذات الطابع العملي وإلى ابتكار البدائل واقتراح الحلول الشخصية عند مواجهة المشاكل اليومية. والسؤال : كيف إذن سيتصدى شاب في العشرين أو الثلاثين من عمره لمشاكله الخاصة ومعاناته في إيجاد الشغل أو إنشاء مقاولة أو تكوين أسرة أو تحسين وضعيته الاجتماعية وهو خالي الذهن تماما من أي خيال خلاق وبناء.

إن ما يقوله تودوروف أن قراءة الرواية ليست فقط سبيلا للمعرفة، بل سبيلا لتيسير الحياة اليومية، وهذا هو الأساس.

Visited 39 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المصطفى اجماهري

كاتب وناشر مغربي