التاريخ الجهوي مدخل للتنمية

التاريخ الجهوي مدخل للتنمية

محمد قيصر

     نظمت جمعية أولاد بن اعريف للفروسية والتنمية، بشراكة مع مختبر السرديات ببنمسيك، ونادي القلم المغربي، ضمن فعاليات الموسم السنوي بسيدي الذهبي دائرة ابن أحمد، ندوة علمية تحت شعار “التاريخ الجهوي باعتباره مدخلا للتنمية”. قام بتسيير الندوة، الأستاذ المعاشي شريشي، الذي أثنى في بداية اللقاء بالشكر على الجهات المنظمة لهذا العرس الثقافي، الذي يهدف إلى إبراز المكونات الأساس للتاريخ والثقافة والموروث المادي واللامادي الجهوي والمحلي لامزاب، باعتبار إحياء الموروث الثقافي ضمان لتواصل الأجيال.

   المداخلة الأولى تقدم بها ذ. أحمد لعيوني الباحث في تاريخ امزاب، بعنوان “انتفاضة قبائل لعشاش بامزاب، وحلول المحلة السلطانية بصخرة الدجاجة”. أعطى خلالها نبذة عن حرْكة مولاي عبد العزيز أواخر سنة 1897 وبداية 1898 بقيادة الوزير الأعظم أحمد بن موسى إلى قبائل لعشاش، بصفته وصيا على السلطان الشاب. تطرق المتدخل إلى أسباب انتفاضة القبائل، ومثول الحرْكة بالمنطقة. ويرجع ذلك بحسب أبحاث العديد من المؤرخين إلى عوامل منها: تكاثر الجبايات التي ألزم بها المخزن سكان القبائل، وتوافد السلع الأوربية على الأسواق الداخلية، دون أن يقابلها تصدير سلع ذات أهمية من شأنها أن تخلق الموازنة في الميزانية وازدياد عدد المحميين الذين يمتنعون عن تأدية الضرائب. هذا بالإضافة إلى الظروف المناخية السيئة خلال النصف الأول من تسعينيات القرن التاسع عشر. عوامل أدت إلى ظهور الفوضى والاضطرابات وتمرد سكان القبائل بقيادة زعمائها المتمثلة في جماعة الرمى ضد القواد والأثرياء والمحميين. ومن جهة أخرى غياب الخدمات الاجتماعية الضرورية والتي لم تكن تدخل ضمن اهتمامات المخزن، في مقابل دفع الضرائب المتعددة.

   وأتى المتدخل على ذكر حرْكات مخزنية أخرى سبقتها انطلاقا من بداية 1897، وذلك من أجل استخلاص الضرائب بمختلف أنواعها. كما أشار إلى العديد من المراسلات الرسمية المتبادلة بين قيادات المحلات والوزير الأعظم من جهة، وبينه وبين قواد القبائل المجاورة، وخاصة قائدا أولاد احريز، وقائد سطات، وكلها تهدف إلى الضغط على لعشاش وحصارهم. واستشهد بكتابات مؤرخين عايشوا المرحلة، أو عاينوا ما قامت به الجيوش خلال وجودها بالمنطقة، كل من وجهة نظره، أو إرضاء للجهة التي يميل إليها.

   كما قدم المتدخل وصفا دقيقا لأحداث الحرْكة من خلال مؤلف “على عتبة المغرب المعاصر” للدكتور فريدريك فيسجربر، الطبيب الفرنسي الذي قدم إلى صخرة الدجاجة للسهر على صحة الوزير أحمد بن موسى، قادما من الدار البيضاء. وهو أول أوربي تطأ قدماه المنطقة، ومكنته هذه الرحلة من التعرف على جغرافيتها، وأيضا اطلاعه على خبايا المخزن المركزي، وعلى كبار شخصياته عن قرب.

   المداخلة الثانية تقدم بها ذ. على فقير، رئيس جمعية أولاد بن اعريف للفروسية والتنمية، وباحث في الثقافة الشعبية لمنطقة امزاب. استهل حديثة بتوضيح بعض الأحداث المؤلمة التي وقعت خلال سوكة أحمد بن موسى على قبائل لعشاش، وما تلاها من تدمير وإبادة، حيث بدأ بحز أربعين رأسا لفقهاء وعلماء من المنطقة، وكان من بينهم جده لأمه، الحاج الجيلالي بن المعطي المالقي الذي كان يشرف على زاوية بني يمان التي تم هدمها. وذكر بمحاصرة قبائل لعشاش من خمس جهات. هذا مع العلم أن السلطان مولاي الحسن الأول سبق أن أصدر موسوما يقر بتأجيل أداء الضرائب على امزاب إلى حين تحسن الظروف المناخية، وزوال مخلفات الجفاف، لكن بعد وفاته تخلى قواد المنطقة عن العمل بهذا المرسوم، وفرضوا الضرائب التي كانت انطلاقة شرارة الانتفاضة والتمرد.

   المتدخل الثالث ذ.محمد دنيا، الذي قدم قراءة موجزة في كتابين جماعيين يهمان تاريخ وجغرافية امزاب، وهما: “الزوايا والصلحاء بالشاوية، التصوف والمجتمع” و”امزاب القبيلة والمقاومة الشعبية” من إصدار مختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك. حيث يرى بأن الباحث، بفضل ما يتضمناه هذان المؤلفان من معطيات عن المنطقة، أصبح يجد الطريق مهيأة للوصول إلى المعلومة ودون عناء. فهذه النصوص التي دونت بهما، انطلاقا من الرواية الشفهية المدروسة والمنقحة، وبعض شذرات المخطوطات، والكتابات التي عاصرت الأحداث، والشخصيات التي تناولت البحوث.

   وفي النهاية كان تدخل ذ. ياسين ماروسي، الباحث في الثقافة المحلية لامزاب، والذي عنون مداخلته بـ”تثمين التراث الثقافي اللامادي بمنطقة امزاب”، حيث تقاسم مجموعة من المعطيات التي توصل إليها في بحث تاريخي عن امزاب ممثلا مختبر السرديات في إطار انفتاحه على التاريخ المحلي للمنطقة. ودعا إلى الاهتمام بالهوية المحلية لكونها إحدى قيم الجماعة. كما لاحظ من خلال بحثه في الميدان أن هناك العديد من الهويات التي لها أساس تاريخي والمتجذرة في المجتمع، لكنها أصبحت تعاني من صعوبة الاستمرار بسبب اجتياح ريح العولمة التي تحاول القضاء على كل هوية محلية، وإحلال هوية كونية محلها. ويتعلق الأمر سواء بالشأن الديني، والشأن الثقافي، والشأن التاريخي. فكثير من الطقوس والعادات والأعراف بدأت في الاضمحلال والزوال. ويرى أن على المؤسسات الرسمية، وجمعيات المجتمع المدني أن تنخرط في الالتزام بحماية الاتفاقيات المتعلقة بالتراث الثقافي التي صادق عليها المغرب، وذلك باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي توضح الالتزام والانخراط الفعلي والإيجابي في حماية التراث الثقافي غير المادي من الضياع.

   وبعد تدخل مجموعة من الحاضرين، سواء للاستفسار أو التوضيح، تم تكريم بعض أبناء وحفدة شهداء ورجال المقاومة بالمنطقة.

Visited 53 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمد قيصر