القديس محمد شكري
لحسن أوزين
ما الذي يدفعنا إلى حفلة التنكر الذاتي ونحن نتفرج على عري الآخرين؟ هل هي فضيحة القذارة التي نحملها في أعماقنا ونتستر عليها خوفا من انكشاف حقيقتنا؟ بل ونقاتل ضد ذواتنا قهرا وبؤسا مقابل الحفاظ على ما نسميه شرفنا الرفيع ..لكن عندما ينكشف عرينا في كتابة لا ترحم أو تساوم تعهرنا الداخلي وهي تطرحه أرضا كغسيل قذر أمام الملا نصرخ في الناس بوقاحة “ما هذا السفور الروائي البشع”.. “ما هذا النور المتوهج والحارق المنبعث من كتابة روائية لا تخجل من فضح أعماقنا المتعفنة التي نترفع عن فضحها بانشطار شخصيتنا، كقناع اجتماعي نتحايل من خلاله على تزوير تجربتنا الحياتية”.. وكأننا لا نتحمل حقيقتنا النتنة التي كافحنا طويلا في سترها بعيدا عن أنوف و أنظار الآخرين.. لكن ماذا نفعل لرائحتها وقد أخذت شكلا أدبيا ساميا في الأخلاق والتدين الأدبي، كسيرة روائية، بنوع من الخشوع الأقرب إلى التوحد الصوفي الناذر، لاحتضان أمل دربالة الخبز الحافي، ولعهر أجسادنا النبيلة، وهي تخرج كنوز اللوعة والشوق والعشق والشد والجذب والرعشة هي المبتغى.
فوجئ الكثير من الرجال والنساء وهم يرون تعهرهم في عري إبداع القديس محمد شكري، وعندها صرخوا خوفا أو تزلفا لنعمة استشرفوها كالعادة بحشر أنوفهم في سقط متاع السياسة المقززة والباعثة على الغثيان، بما يشبه صدمة المباغتة المسببة للتبلد، حيث أطلت من شرفة صحيفة امرأة متعففة جرح كبريائها الأخلاقي، وهي تحتج باسم الحب ضدا على الكتابة الأدبية، وهي تلفظ الكلمات، كما لو أنها تتخلص من عبء مثانتها “أنا لا أحب الخبز الحافي”.. وكأنها تقول “ضعوا حجابا أو نقابا لجسد هذا الإبداع لستر الدنس أو الفتنة الكامنة في هذا الجمال الأدبي الأخاذ.. ألهذا الحد تصاب امرأة بالغيرة من الرواية الشكرية وهي تعيش تجربتها الوجودية الرائعة في شكل أدبي ينضح بالصدق والوفاء والفضيلة، إذ يتمفصل فيه الواقع بالخيالي والتخييلي في نوع من الجماع بين التجربة والكتابة دون نية العزل.. ينفجر قلق المكبوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويتكثف في سحر القراءة وجماليتها تصريف الفعل الجنسي لجسد ملائكي قال عنه الخبثاء بدافع الحرمان وطول الباءة أنه سوقي ومنحط.. إبداع يقوم بنزع القشرة الرقيقة والهشة لزيف القناع المجتمعي الذي نجهد بمرارة وبؤس وقذارة عميقة على تجميله والانهمام به إلى درجة نسيا ن ذواتنا الحقيقية.. فتتصعد التوترات التي قاومناها، وبممانعة صلبة ممزوجة بحالة نفسية نفاقية تظهر عكس ما تخفيه من الرغبات الجامحة التي لا تكف عن الضغط الجهنمي، وهي تخادع نفيها وإقصاءها إلى حد الرغبة في اغتيالها بإطلاق العنان لرصاص آلية الكف .
لم يكن شكري عازبا كما قيل بل كان محصنا كقديس في دير الكتابة الأدبية، وهو يضمد جراح المهمشين والمعذبين الذين وصمهم خفافيش ظلام القروسطية بأبشع النعوت والألقاب، وهم يعتلون منابر التخلق المسربل برذيلة احتلام الشيطان المتبرئ من أسمال تعهرهم المكشوف على تضاريس إبداع محمد شكري، فجن جنونهم في رميه بقذارة مترسبة في دواخلهم.. ودون ذرة حياء قذفوا محصنات- كتابات – هذا القديس وهي الورعة الزاهدة من متاع الدنيا العاجلة الغرور، إلا بما تبقى من الخبز الحافي.. محصنات أو كتابات لها شكل روائي لايمسه إلا المتطهرون من وسخ الحياة وزبالتها ومن وباء الأخلاق الكاذبة في الحشمة والوقار والعفة …
من حقها أن تقول “لا أحب الخبز الحافي” فهي تعرف أيضا أن شكري قال في إحدى كتاباته “بعض الوجوه تغضبني” كما قال أيضا “لقد مسخ الفقر ملامحنا ولم يبق فينا غير ذلك العمق الإنساني” تلك كلمات صادرة من حس جوف رؤية ورؤيا القديس محمد شكري.