موسم الهجرة إلى الشمال والأفق القاتم
عبد العلي جدوبي
في سيناريو معاد، كالذي حدث العام 2021 عندما عبر العديد من الشباب والقاصرين السياج الفاصل بين المغرب وسبتة المحتلة، توجهت أعداد جديدة من الذين يرغبون في الهجرة غير الشرعية نحو اسبانيا (يوم الاحد 15 شتنبر ) – كما هو معلوم – نحو بمدينة الفنيدق، أملا في العبور إلى السواحل الإسبانية، في مخاطرة غير محسوبة العواقب.
والملاحظ أن هؤلاء المغامرين الجدد يتشكلون في غالبيتهم من ضحايا الهدر المدرسي (300 ألف تلميذة وتلميذ يغادرون المدرسه كل سنة).. القوات المغربية حاصرت هؤلاء المغامرين الذين تجمعوا بالفنيدق في المعبر الحدودي، وأعادت عددا منهم من حيث أتوا.. وفي هذا الصدد أشادت صحيفه “إلموندو” الإسبانية بالمجهودات المبذولة في هذا الشأن من طرف السلطات المغربية، التي كانت حريصة على التصدي لهؤلاء المغامرين ومنعهم من عبور السياج الحدودي.
وما يمكن الإشارة إليه، أن الاطفال الذين التحقوا بالمدرسة للمرة الأولى في عهد حكومة التناوب، التي ترأسها عبد الرحمن اليوسفي 1998، صاروا اليوم شبابا، مع أن الأوضاع الإجتماعية لم تتغير، ولم يسجل انفراج في سوق الشغل!
فبالرغم من انطلاق “أوراش الإصلاح”، والتي كانت ضمن أولويات حكومة التناوب، في مقدمتها التركيز على تقليص بطالة الشباب، حيث تم خلال تلك الحقبة إصلاح نظام المالية العمومية، والتقليص من الدين الخارجي، ومن فاتورة الدين الداخلي، وتم أيضا تحويل الخوصصة إلى آلية للتنمية ، وتم وضع أسس للحماية الاجتماعية والصحية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، وبدأت تظهر في الأفق بوادر الأمل _كما كان باديا _ تأخد طريق الإصلاح، لكن مع تعاقب الحكومات تغير كل شيء، بدءا مع حكومة جطو، ودخلنا في سياسة (حقل التجارب)!! باستثناء إيجابيات ما وصف بـ “الأوراش الكبرى” التي أطلقها الملك..
اليوم جيل جديد من اليافعين زادت مطالبهم أكثر ، لكن مشاريع التنمية ظلت تتأرجح بين التقدم خطوة إلى الأمام والتراجع خطوتين إلى الخلف؛ كما أن نظام التعليم ظل عاجزا عن مواكبة التحولات الطارئة، وتم خلق فجوة جديدة، تنضاف إلى الإخفاقات المتتالية في قطاعات الصحة والإسكان، دون إغفال الأبعاد الاستراتيجية والاستثمار في العنصر البشري الذي ظل يراوح مكانه.
كان من المفترض أن يكون دور الحكومة الأساسي فاعلا على كل المستويات، وأيضا ما تمثله الجهة والجماعات المحلية، كونها تتوفر على الآليات والميزانيات الهامة التي تسمح بتنفيذ الرؤية الاستباقية في مواجهة المشاكل الآنية والمستقبلية، وضخ دم جديد في شرايين التنمية البشرية.
إن الأسباب الحقيقية لهذه الإخفاقات واضحة ولا تحتاج إلى تحليلات إضافية. وهي التي دفعت آلاف الشباب والقاصرين إلى المخاطرة بحياتهم في خضم الهجرة، وبتلك الكثافة التي شاهدها العالم في الشمال المغربي، لصور الراغبين في الوصول إلى السواحل الاسبانية.
فما هو حجم مسؤولية الحكومة في تفاقم أخطار هذه الآفة التي تنخر مجتمعنا المغربي؟ والأخطر ما فيها أن بعض الأسر تشجع أبناءها على المخاطرة وركوب البحر ، أملا في تحسين أوضاعهم الحياتية في اسبانيا!
ما يثير الانتباه حقا هو تصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في لقاء حزبي، عندما أشار إلى أن إشكالية البطالة “تقلق” في الوقت الراهن حكومته! وحمل مسؤولية ما وقع إلى الأسرة والمدرسة والحكومة والجمعيات التي لم تقم بدورها، وإلى المسجد الذي لم يقم بدوره أيضا! .. لكنه لم يحدد هل قبل توحيد خطبة الجمعة أو بعدها ؟
العاطلون عن العمل، حسب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد رضا الشامي، تصل أعدادهم إلى 4.3 مليون شخص عاطل، إذا ما تم اعتماد الأعمار ما بين 15 و 34 سنة..
مشاكل الشباب واضحة، البطالة المستشرية في صفوفه خصوصا بطالة حاملي الشهادات الجامعية، ومن جانب آخر لا أحد ينكر أن هناك فعلا أزمة تربوية في صفوف اليافعين الذين يودون تخطي المراحل دفعة واحدة بدون مجهود تحصيلي، أو تكوين مهني، ويضاف إلى هذا إهمال الأسرة، وضغط الأوضاع المتردية في العالم القروي، والأحياء الهامشية في المدن، واستئتار الهشاشة والتهميش، فالحالة واضحة ولا تحتاج إلى كشوفات بالأشعة الحمراء! ولهذه الأسبابوغيرها وجب إطلاق نقاش وطني شامل، وتحيين البرامج والمشاريع وتنزيلها على أرض الواقع، اليوم قبل الغد.
وبإمكان حكومة التكنوقراط، القيام بنقد ذاتي لمخططاتها ومشاريعها، لتشرع في ممارسة “التمارين السياسية ” ذات العلامات الواقعية، بعيدا عن الطوباوية والتصريحات الدعائية المجانية.
ما حدث بالشمال المغربي ليس أكثر من ناقوس إنذار لما هو قادم، ما حدث أضر بصورة المغرب في الخارج، فالصورة الآن ليست وردية، وأن ضبابيتها في الطريق إلى القتامة السوداوية.
Visited 68 times, 1 visit(s) today