مذكرات الخريف: ماذا يقرأون؟ (3)

مذكرات الخريف: ماذا يقرأون؟ (3)

  صدوق نورالدين

       لم تكن تتجول في المدينة الصغيرة بين الستينيات والسبعينيات، غير سيارات قليلة صغيرة. وذلك داخل المدينة، أو عبورا نحو الدار البيضاء أو اتجاه مدينة الجديدة. أغلب هذه من النوع الفرنسي:

 رونو، ستروين وبيجو. وأذكر أن والدي التيباري بن بوشعيب الذي اشتغل سائقا، امتلك سيارة رونو أروند، مثلما امتلكها _ وإلى زمن متأخر _ مدير مدرسة ابتدائية كنت كلما رأيته استحضرت صورة رائد الشعر العراقي الحديث بدر شاكر السياب. فالنحافة نفسها وتقصيصة الشارب، والأنف شكل الصقر.

تعود قلة الحركة داخل المدينة بالأساس لقلة الساكنة، وسهولة التنقل بين المحال التجارية والمؤسسات الإدارية على ندرتها، إذا ما ألمحت لكون أزمور ضمت أقدم مركز بريدي في المغرب. بينما تأسست في وقت متأخر وكالة بنكية داخل حديقة مولاي إسماعيل حيث توجد إحدى أعرق اشجار المدينة، لتتناسل الوكالات والمقاهي والصيدليات والمدارس الحرة، فأفقد التحول المتوحش المدينة فرادة جماليتها، وأجهز على الصمت الذي تميزت به.

بيد أن من امتلك سيارات ألمانية الصنع وبالتحديد المرسديس، بعض أعيان المدينة الذين كنت أراهم يعبرون شارع محمد الخامس. هؤلاء درجت على مصادفتهم صباحا عند عتبة دكان الراحل السي عبد الله رضى، فتعرفت على بعضهم عن قرب، ومنهم من قرأ بعض محاولاتي في الكتابة عن المدينة، أو تمارين الممارسة الأدبية، بل إن منهم من صحح معلومات خاطئة كنت نشرتها عن المدينة بحكم تدبيره الشأن داخلها.

كان الأنيقون يحرصون حسبما رأيت على شراء جريدتين : “العلم” و”الرأي” (l’opinion)، أو “المحرر” و LE MATIN))، و أحيانا (AL BAYANE). فمعظمهم يجيد القراءة والكتابة باللغة الفرنسية، ومنهم من شارك بعض المعمرين  بروح من المسؤولية المادية تدبير الفلاحة داخل الضيعات، وبعد الاستقلال تولى الإدارة كاملة، ليظل محافظا على صيغة التدبير والتسيير.

ومما لفت نظري، الطريقة التي يمسكون بها الجرائد. فأول ما يقومون به إلقاء نظرة على الوارد في الصفحة الأولى من أخبار وطنية، عربية ودولية، ثم يغرسون أعينهم في الطريق إلى أماكن عملهم. وكأنهم بذلك يحددون في الحين ما سيعملون على قراءته.

يمارس الأنيقون روتينهم اليومي بحب وفرح كبير. الروتين الذي يبدأ بشراء الجريدة صباحا وقراءتها. ومنهم من يؤثر إنهاء يومه بقراءة جريدة المساء (MAROC SOIR). ولعل مما لاحظته أنه لم يكن من جيلي وحتى مرحلة زمنية لاحقة من ابتلي داخل المدينة بقراءة الجرائد والصحف سوى شخصين: بوشعيب الشوفاني الذي أوقف عقارب الدراسة عند الشهادة الابتدائية بأمر من والده، ومحمد العسري الذي كان معلما.

Visited 119 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي