أكثر من مجرد وسيلة اتصال

أكثر من مجرد وسيلة اتصال

نضال آل رشي

     بعيداً عن الخسائر المادية والبشرية التي تعرض لها حزب الله جراء انفجار أجهزة البيجر واللاسلكي التي يستخدمها عناصره للتواصل فيما بينهم، لابد من التنويه إلى أنّ ما خسره الحزب أكثر بكثير من قرابة الثلاثة آلاف عنصر أمني ولوجستي، ويمكننا وضع هذه الخسائر تحت عنوانين رئيسيين:

خسارة الثقة:

    الثقة هي عنصر أساسي في بناء الروح المعنوية للقوات وعندما يشعر الجنود بأنهم لا يثقون بقادتهم أو العكس، تبدأ الروح المعنوية في الانخفاض.

يستطيع الحزب تعويض النقص البشري الناجم عن الضربة ولكن ما لا يستطيع تعويضه هو الثقة بين أفراده. كيف للعنصر أو المقاتل أن يثق بقيادة زودته وزملائه بقنابل موقوتة؟ كيف يستطيع أن يثق بأي أداة يستخدمها من جهاز الاتصال مروراً بالبندقية ووصولاً إلى راجمة الصواريخ.

فقدان الثقة سيؤثر على المقاتلين ويؤدي إلى زيادة التوتر والضغط النفسي وفقدان القدرة على التركيز والقتال، كما سيلقي بظلاله على العلاقة بين الفرق اللوجستية والقوات المقاتلة وستحدث اضطرابات في سلاسل التوريد، مما يؤدي إلى نقص المعدات والموارد.

غياب الثقة سيؤدي إلى ارتفاع معدل الغياب والامتناع عن تنفيذ المهام وزيادة حالات العصيان ويلقي بعبئه على القيادات العسكرية والسياسية.

خسارة التنظيم:

    التنظيم في صفوف حزب الله هو درّة التاج وأحد العوامل الأساسية التي تضمن جهوزيته العسكرية، ويُعتبر التنسيق الجيد في صفوفه مفتاحاً لفعالية الأداء في حال نشوب حرب، كما يمنح قواته القدرة على المناورة بسرعة، ويوفر مرونة في اتخاذ القرارات بناءً على التطورات الميدانية، كما يسمح للقادة باتخاذ قرارات تكتيكية واستراتيجية سريعة بناءً على المعلومات التي يتم مشاركتها بين الوحدات.

حزب الله لا تنقصه القدرات المالية واللوجستية ولا الخبرات العلمية والمعرفية لاستبدال وسيلة الاتصال المخترقة، ولنفرض جدلاً أنّ لديه خطة بديلة جاهزة ومتكاملة والأهم “آمنة”، ولكن كم من الوقت سيحتاج حتى يؤمن هذه الأجهزة؟ الأمور اللوجستية في مثل هذه الحالات تحتاج الكثير من الوقت وخاصةً أن الحزب والدول الداعمة له محاصرة بالعقوبات، ما يدعوهم إلى استخدام طرق ملتوية للحصول على مثل هذه المعدات التقنية.

بعد تأمين وسيلة التواصل الجديدة، كم يحتاج الحزب من الوقت حتى يستطيع إعادة ترتيب صفوفه وفقاً لهذه الوسيلة وكم سيحتاج لتدريب عناصره على استخدامها، وكم سيحتاج حتى يتقن عناصره استخدامها بالسرعة الكافية التي تضمن فعالية عالية في التحرك تتطلبها ظروف الحرب.

في انتظار كل هذا سيغيب التنظيم والتنسيق حتماً عن صفوف الحزب، وسيبقى مكشوفاً للفوضى وارتكاب الأخطاء، وسيتحول من كونه جسماً خفيفاً ومرناً إلى جسم ثقيل يصعب تحريكه وإدارة شؤونه.

في الختام، إذا كانت الايديولوجيا وامتلاك الأسلحة النوعية متطلبات أساسية لخوض المعارك، فإن الثقة والتنظيم متطلبات أساسية للانتصار بها، ما يضع الحزب أمام خيارات غير واضحة بين انتقامٍ صعب المنال وحربٍ لا يمكنه خوضها الآن، وحتى وضوح الصورة، لا يسعنا إلا القول “رحم الله القتلى وعافى الجرحى وألهمنا وأهلهم الصبر والسلوان”.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نضال آل رشي

كاتب وباحث