شطحات ليلية مؤرقة
نجيب طلال
حينما ينفلت ذاك المانح لأفكارك، قرينك؟ المراقب لمخيلتك! لا تتعجب! إنه فعلا قـرينك والمُلهم لشطحاتك، المزاجية، شطحات شيطانية تارة، وصوفية أحيانا، ففي كلا الحالتين، عبر فعل الكتابة بالأحرف والكلمات، يبرز الوجْدٍ ليفيض عن معدنه، حسب درجات “الشطح” الذي يمنحك قـدرة التعبير والرقص على البياض؛ أو الزرقة مخترقا لعوالم ما أنت لها بعلم تخترقها عبر صهوة الكتابة والقول، إن كنت مبدعا / فنانا/ أديبا/ كاتبا / الكتابة، عوالم ليست في الحسبان يدفعك قرينك لممارسة الشغب في الأوراق، لتقول مالم يستطع البوح به، لأنه كائن غير مرئي، وأنت مرئي أيها الكائن “البشري”: طويل أو قصير أو نحيف أو بدين، أو متعجرف أو متواضع ، فلا يمكن أن تنام مرتاح البال، أمام سيول جرفت الأخضر واليابس، والحجر والشجر والبشر.. في جنوبنا.. على غفلة! بدون إشعار مسبق انفتحتِ السماء، لتنهمر المياه! هل مياه غضب؟ أم دموع الشفقة؟ أو قطرات حـزن؟ هي فعـلا طوفانيه. ولكن يبدو أنها قطرات حـزن على شفاه لم تعُـد تعرف (مـا) معنى الابتسامة؟ هي حقيقة (الآن). فبالأحرى الحبور والضحك والمفاكهة… أكيد قليل من العباد استشعروا بالهطول، ورأوا ومضات برق بدون رعـد لاحق؟ بالتأكيد أغلبهم سافر إلى أرخبيل السكون، ليرمي همومه اليومية، وينفض غبار متاعبها، التي اخْتلقت له من هذا أو ذاك، أو من إدارة (ما) إدارتنا لازالت إدارة تدور نحو نفسها، ولم تتطور، لتبقى تجرجرك، وتُسوفك حتى تصبح محطما، تائها، مجروحا. صبر أيوب… الدواء! كما كانت تقول جدتي. ولم يعلموا أن الطوفان قادم، هائج؛ داهم الجنوب حسب ما وصلنا ؟ نحن عباد الوسط من جغرافية الوطن. أيها الكائن! نعم أنت كائن. بالقـوة أو بالفعل- سيان- هل يمكن أن تجلس هادئا مرتاحا أمام ما يقع ووقع من سيول ؟ بالعكس طوفان جنوبي! وليست سيولا؟ طوفان مادام أخفى/ مسح: بعض الدواوير والمداشروالواحات. من طبوغرافية المكان… طوفان حينما خلف الخوف والرعب… جحيما: للكثير من الساكنة، البسيطة، المسالمة. طوفان شبيه بما وقع في السودان، هل قدرنا نحن “العرب” و”الأفارقة” نعيش غضب السماء؟ ليس مطلوبا منا أن نوقف زحف السيول وهيجان المياه… هذا غباء… لأنه فعل الطبيعة، ولا اعتراض على إنتاجيتها / محصلاتها. لأنها فعل ألوهي، في طياته حِكمة وأحكـَام. لنتمعن في رمزية «الماء» رمزيته تكمن في القرآن الكريم { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } ( 11س/ الأنفال) هذا إذا نظرنا للماء من زاوية أخرى، يظهر جليا في الأسطورة الرومانية (نيبتون/ Neptunes (اليونانية (بو سيدون/ posidonies ) المصرية (نون/nonne) لأنه بطل الأساطير، مقدس: باعتباره أصل الوجود. لكن؟ أضحى ضميرنا غير موجود/ معطل…! نرى الكارثة أو نسمع بها ونصمت… يصمت القرين ويجف المداد أمام ضحايا السيول! بعض الصحف والافتتاحيات هي التي قالت كلمتها…(المثقف) ذاك الكائن الذي قيل عنه [ضمير الأمة والشعب] ألم يهرب السهاد من غـرفتك؟ ألم تصَب بشطحات ليلية مؤرقة، أمام ما وقع؟
يقع ما يقع! لأنني لن أستفيد من عائد مالي، بشطحاتي الورقية، في أفق قراءة مؤجلة / معْـدومة… تفسير العجزة… لأننا تخلينا عن دورنا الطلائعي… لنكن صرحاء… أمسى دورنا تلميع من يدفع أكثر؟ فلم نعد نؤمن {كم حَـسنت لذة للمرء قاتلة …من حيث لا يدري أن السّم في الـدسَم (الإمام البوصيري)} أمسى دورنا تمجيد ومدح من يستدعينا لتظاهرة (ما) ولو كانت مسابقة في “النكت “التافهة! في عالم السيكومات، نحن! وفي حياة “تيكتوك” يا ولدي نسبح الآن! ولم نضع صوب أعيننا {واخش الدسائس من جوع ومن شبع } ( البردة) ففسدت أدمغتنا ومعدتنا ومشهدنا الثقافي!
سخرية!؟ فيما نحن فيه! لم نرفع حتى حرفا من (فاء/ لام/ سين/ طاء/ ياء/ نون) لنغطي دفئا بها أطفالا لا يعيشون طفولتهم، والكثير منهم أصبحوا مشردين! وبعضهم جثثا في الطرقات! وأغلبهم أصيب بالـدعر والوجل، وأبرياء.. عـزل: دماؤهم استباحت بقنابل بني “غوريون” و “كولدا مايير” استراتيجية توسعية؛ ورؤية استيطانيه بالقـوة؟
فمهما كان ضميرك، ميت أو نصف ميت أو شبه ميت! ومهما كان قلبك، جلمودا أو قلب أسَـد أو قلب ضبع! بالتأكيد: ستصاب بليالي مؤرقة، ونوم يجافي العيون، من كثرة التفكير دائما سواء ذاك العفوي أو المقصود. سيان… في هول ما نسمعه ونشاهده ونراه من جراء صراع الهيمنة; واستمرار: القتل / التهجير/التجويع / الحرب/ وما تخلفه من جثث على الأرصفة، وضحايا منقولة للمستشفيات،،، آلاف المصابين، ومباني منهارة، وعباد مشردة قهرا… وبكاء الثكلى والأمهات… مشاهِـد (من) الصعب هضمها “عَـينا” فبالأحرى “ذهْـنا”{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} (33 / س – الإسراء) فبأي حق يتشردون من ديارهم؟ وبأي سبب يقتلون في أراضيهم؟ هل دم العَــربي مستباح إلى هذا الحَـد؟ هل صمتنا متلبس بالحق؟ على ما يبدو (أو) ربما؟ لأننا نمارس، بل مارسنا الجنوح عن مبدئية المبادئ الإنسانية! عن القضايا الكبرى! فلما لم يعُـد أحد منا يصرخ/ يكتب/ يبوح: قولا وفنونه عبر امتداد بياض الأوراق وزرقة الفضاء الازرق. هل نعيش الردة أم نعيش التردي؟
لم نـكن على هذا النحو؟ ولم يسبق أن كنا فيه! ماذا أصابنا؟ هل أصابتنا العين؟ الواضح أن عين الغرب الحاسدة، هي السبب! ولما لا تكون الهرولة نحو الاغتناء، والركض نحو الريع القاتل بالحق؟ بعْـدما علمتنا الحياة والتجارب البحث عن الجمال بين السيول والدمار والخراب، لتحقيق بسمة إنسانية، رغم الحزن والجراح… أكيد أننا نعيش زمن “الردة”بالمفهوم الثقافي وليس الديني. لأننا لم نسلم للجيل الذي بعدنا مبدئية المبادئ الإنسانية… خطأ المجايلة… أليس كذلك… ربما هو كذلك… وها هي لبنان العربية، تعيش أسوء الضربات التوسعية، لافـرق بين الجنوب والشمال اللبناني… وطن واحد: يعيش أسوء المقالب الحربية لاتهمنا الطائفية، لأنها سبب تشرذمنا واختلاف أفكارنا نحو القضايا الجوهرية. فالتباين تارة يعكس الغباء والاندفاعية، عند البعض؟ والبعض الآخر يعكس التفكير الاستراتيجي. وبينهما جيش عرمرم لم يعـد تهمه أية قضية، لأنه يبحث بشتى الأساليب والمسالك: الانخراط في مجتمع [الرفاه] وإن كنا نعيش أضخم قضية (الآن) موازاة بالصراع في (البقاع) ردة جل المثقفين عن أدوارهم الطلائعية؟؟