المُبْتَهِجُون بِنَكساتِنا..

المُبْتَهِجُون بِنَكساتِنا..

صلاح بوسريف

لم يسبق أن رأيتُ، أو سمعتُ، شُعُوباً تَبْتَهِج، وتعيش في حالة من الفَرَح والتَّشَفِّي، مثلما رأيت وسمعتُ بعض هؤلاء الذين ننتمِي إليهم، أو ينتمون إلينا مِلَّةً واعتقاداً، فيما يعيشونها من نشوةٍ، بهزيمة المُقاومة، أو بمقتل هذا أو ذاك من المُقاومين، أو من يواجهون الكيان الصهيونيّ، دون أن أدخل في  الحسابات،  ولا في الخلافات، ولا في  النَّعرات، ولا من  نكون ومن يكونون، ولا في ظلم هذا لذاك، وجبروته، وما كان عليه من استبداد وطُغيان، وغيرها من الأمور التي ليس الآن وقتُها، وليس في وقت الصراع، والحرب، وما يجري من قتل وإبادة، من عَدُوّ  لا يعرف أحداً من هؤلاء، حتَّى وهم يصفقون له، أو ليسوا معه، بل ضِدَّ عدوه ممن يُقاتِلُه. فهذه حسابات مغلوطة، وحسابات فيها قُصور في الرؤية وفي النظر، فالصهاينة في انتصارهم على زَيْدٍ، فَهُم يبتلعون، في نفس الآن عمرو، لا يرونه صديقاً، ولا شقيقاً، بل عدواً منافقاً، انقلب على مَنْ هُم منه، فكيف لا ينقلبُ على مَنْ هُم أعداء لهُ، والتاريخ يكفي ليقُول لنا ما الذي كان عليه الواقع، وما سيكون عليه بعد حين.

هزيمةُ المُقاومة، ستكون هزيمتنا جميعاً، فهذه ليست مباراة في كرة القَدَم، فيها ذهابٌ وإياب، وهزيمة الذهاب، سنعوضها بانتصار الإياب، بل إنَّها حرب وُجود وكيان، إما نكون أو لا نكون، وهذا يعني كُلّ الشُّعوب العربيَة، بهوياتها، وأعراقها، وانتماءاتها، ومذاهبها المختلفة، في أي أرض تكون، وعلى أي رقعة جغرافية، في المحيط أو في الخليج، في الشمال أو في الجنوب، لا فرقَ، فعين العدو على ما هو أوسع، وأكبر من النيل والفُرات، عيْنُه على ما يعتبره أرض الميعاد، وهو لم يُخْلَق إلا لهذا الغرض، أن يكون اليَد التي تبطش بها أمريكا، وتستنزف بها الثروات، والخيرات، وتهزم بها العرب، كيفما كانوا، وأينما كانوا، من أي مِلَّة، وأي اعْتِقاد، وبأي لغة أو لهجة أو لسان، فهُم، عندها، واحد، لكن المصلحة، اليوم، تقتضي العمل بهم، واستعمالهم، أو العمل بشريحة منهم، واستعمالهم، كأدوات وآلاتٍ، لإتمام المهمة، وحين يُؤكًل الثور الأبيض، لا يبقى لغيره من الثيران أي وجود أو اعتبار، فالسكِّين واحدة، ويدُ الجزَّار لا تغسل الدم إلا بالدَّم.

وحتَّى لا ننسى، ولا ينسى هؤلاء الذين يتشفَّون في هزائِمنا، وفي نكْسَاتِنا، وفي الدَّمار الشَّامِل الذي حلَّ بنا، وفي هذا الانهيار العظيم الذي نحن فيه، وهذا التَّشَتُّت والتَّشَرْذُم، وهذا الصمت المُريب القاتِل، وهذه التواطُؤات التي تتناسل، لا نعرف مَنْ مع مَنْ، ولا مَنْ ضِدَّ من، اختلط الحابل بالنابل، والعدوّ بالصديق، وتشوَّشَت القِيَم، والمباديء، والحدود،  وشرَعْنا نذبح بعضنا البعض، نُجرِّمُ المقتول، تحيَّةً للقاتِل، دون أن نحسب حساب ما هو آتٍ من هزائم تُطِلُّ برأسها علينا، إن نحن انْصَعْنا لهذه النكسة الجديدة التي ذهبت فيها غزة، وها بيروت تعيش ما كان في غزة من قتل، وتدمير، وإبادة، والحبل على الجرَّار.

المُبْتَهِجون لنكساتنا، لهذا السبب أو ذاك، إنَّما يبتهجون لنكسات شُعُوبٍ وأمم، حتّى لا أقول أمةً، فنحن لم نَعُد أمة، ولم نكن أمة، هذا شِعار كاذب، أو هو حُلُم، ورغبةٌ لم تر النُّور، ولن تراه بعد اليوم، ومن يظنُّون أننا في يوم سنخرج من غفلتنا، ومن تشتُّتِنا، ومن تشرذمنا وسقوطنا، عليه أن يعود إلى 2 يناير 1492، هذا التاريخ الجُرْح الذي ما نزال نعيش على ماضيه، كما عشنا على غيره من التواريخ 1948 و 1967، وها هو الحاضر أمام أعيننا، لم نستفد من ماضيه، وكُلّ واحد يظنُّ أنه في منأًى عن غيره، وأنَّ  مصير الثَّوْر الأبيض، لن يكون هو مصير غيره من الثيران بشتَّى ألوانها. فأيّ أمم نحن، وأي شُعوب، وأي بشر على الأرض بقينا، ونحن نلعق هزيمةً، بجراح هزيمة أخرى غيرها !؟ /  “المساء” الاثنين 30 شتنبر 2024

Visited 243 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صلاح بوسريف

شاعر وإعلامي مغربي