من قلبي سلام لبيروت…

من قلبي سلام لبيروت…

ناصر السوسي

    قهوة الصباح على نسيم منعش منبعث من صفحة اليم المحيط… البحر المحيط الأجاج… القريب مني… وعني البعيد أيضا… فأي تنافر وجداني هذا الذي يجتاحني، يعصف بي وأنا عن كثب أتابع أخبار المشرق العربي يطوح بي رغما عني، وعيناي في الأفق الأزرق الساحر تتيهان..!!!

قلبي يطفق متأرجحا بين شغف وهيام خضمين اثنين عنيدين.. هذا الذي أجاوره، ويجاورني … وذاك القصي.. النائي عني، الذي مافتئ يسكنني بحرقة.. بوقد النوى… أينما يممت وجهي ينبري لي ذَانَكَ الشَّطَّان… رغما عني. محيطان كقلبين يخفقان في صدر واحد، مكرها يتشظى… ينفطر من جمرة الوجد ولهيب الصبابة.. وينشطر من جزع… ومن لوعة هي أقسى من لؤم اللئام… حشاً يحضن شوق محيط حاضرتي القصية مدينتي الملونة التي تَبَدْوَنَتْ عن بكرة أبيها.. شجن مدينتي الملونة اللايقاوم ماانفك يأسرني.. يحاصرني. على الدوام يؤرقني.. شجوٌ يقيم في تضاريس لوعتي وهيامي… على نحو غريب يستوطنني..

أراه صافيا شفافا.. كلجين الكوثر، سلسبيلا رقراقا على السلم الموسيقي أمامي؛ وأنا أفك نوطة ” شايف البحر شو كبير “على آلة البيانو لسيدة بلد الأرز والسنديان…. لبنان… يحلق بي فوق سحر “جونيه”.. ومرتفعات زغرتا.. وأطلال بعلبك… وبيروت الحالمة منذ التاريخ على “صخرة الروشه”… وأعرج عَ صيدا…. و” صور “حارسة الجنوب وآثار الجنوب.. عمق الجنوب / “جْنُوب” بلكنة الرحابنة، وهبة القواس، ومارسيل خليفة، وجوليا بطرس…

لا صباح بلا “شايف البحر شو كبير”… لا زوال من غير “طير الوروار”. ولا مساء بلا روعة “ع هدير البوسطه”. فيروز صوت لبنان الملائكي الصداح.. المفعم بِبَلِيلِ الجنان بلا منازع… لبنان النهضة الثقافية.. المثخن جسده بالندوب، والقروح والجروح الغائرة.

لبنان القزحي بفسيفسائه الطائفي البلوري كما بمغصه الداخلي.. لبنان بيدر الاحتراب بين ذوي القربى… وبين البعاد من ذوي المصالح أيضا…

سلوا مهدي عامل.. هشام شرابي.. حليم بركات… وضاح شرارة.. إلياس خوري… زكي ناصيف وهو ينشد “راجع يتعمر لبنان”!!!!!..

سلوا “ال” وديع الصافي… حسين مروه… وقبله صاحب ” الأرواح المتمردة ” و” النبي ” و” المجنون” جبران خليل جبران … سلوا قلبي عن حاضر حاضرتي الملونة وقد تبدونت عن لوعتي، واشتياقي، وانشطاري حين كنت ألقي عبرة ساخنة متدحرجا بين منعطفات ” ديكريت ” و” برج الناظور” في اتجاه اللااين !!!!

سلوا قلبا ثانيا يطبق على شط مدينة اسكنها، وتسكنني على نحو غريب: مدينة الزهور… أسمع انكسار شوقي وشوقه قريبا مني وأنا أشق طريقي نحو المدينة السفلى بين متاهات القصبة؛ وشوارع “حي المرسى” في اتجاه الصخور، ومسارب لافاليز عساني أُلَيِّنُ نار أساي !!!! لظى منفاي !!!! حين أتتبع موجا ينتفخ ببياض الزبد ينقض على الشط، فيتكسر ثم يتقهقر عائدا شطر الأفق المديد.. إلى حيث لا أدري.. إلى اللامكان فيما أحسب … وبين الخضمين… وبين مسافات الاحتراق و اللظى …. يحتد شوقي رغما عني … ويشتد حنيني … أجهض أنيني مكرها … لأتيه شريدا وسط المتاهة .. كغجري الليل بين دروب الفراغ الموصدة بالحيرة أمامي… أتسكع أنا الضليل كسلطعون فوق صخر “رأس الأفعى” في صبيحة يجزر فيها الماء اللازوردي ليطوح بي في اللازمان… وفي انتظار مد الموج ثانية هاكم: لبيروت، من قلبي سلام لبيروت وقُبَلُ للبحر والبيوت لصخرة كأنها وجه بحار قديم… أنت بيروت لي، أنت لي آه عانقيني… “رغم الأسى، رغم انكلامي من نار الخذلان، رغم خنجر الغدر في ظهر بيروت…. ورغم شجوي حين يداهمني غلس الليل سأظل، وإن وحيدا، أَلْهَجُ بأغنية: “بحبك يالُبْنَان!!!” لألطف غصتي ومرارتي… 

Visited 50 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

ناصر السوسي

باحث وشاعر مغربي