الحاجة للارتقاء بمستوى النقاش العمومي

الحاجة للارتقاء بمستوى النقاش العمومي

متابعات:

        أكد الكاتب الصحافي جمال المحافظ، أن هناك حاجة ماسة اليوم إلى الارتقاء بمستوى النقاش العمومي، وأن عدم احترام قواعد واخلاقيات الحوار والدخول في متاهات قضايا ومواضيع هامشية، وتافهة، أصبح ظاهرة عامة تطبع المواد التي تعج بها عدد من وسائل الاعلام ووسائط التواصل.

جاء ذلك في مساهمة لجمال المحافظ رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال، ضمن ملف نشرته “العلم الأسبوعي” بعددها الأخير حول “الحوار بين المغاربة .. أزمة سلوك أم ثقافة؟”، وتساءلت فيه، هل نحن في حاجة إلى ترسيخ أخلاقيات وأدبيات التناظر والحوار في ظل انتشار سلوكيات غير حوارية،

 وأوضح أنه كان المأمول، أن تساهم الثورة الرقمية في الارتقاء بمستوى النقاش العمومي الجاد، و الانشغال بقضايا حيوية، مع تيسير التواصل، لكن من خلال المعطيات الراهنة وقع عكس ذلك، نتيجة الانزياح عن التقيد بأبسط قواعد الحوار وأخلاقياته.

 وأوضح أن ذلك أصبح هو القاعدة، والاثارة تحولت إلى “خط تحرير ” منابر و”مؤثرين”  ومبحرين في الشبكة العنكبوتية، وانساق مع هؤلاء كذلك جمهرة من ” المثقفين والمحللين” الذين أصبحوا يتنافسون على إعادة انتاج الثقافة السائدة ونشرها على نطاق واسع.

 وأضاف جمال المحافظ، أنه إذا كانت قواعد الحوار تتطلب، تفاعل المتحاورين فيما بينهم حتي يتمكن كل طرف من استيعاب أفكار الآخرين أو الآخر حتى يتطور النقاش ويبلغ غاياته المنشودة. لكن في غالب الأحيان ما يلاحظ، أن المتحاورين لا يتقيدون بذلك.

وأثار الانتباه إلى أنه الرغم من أن وسائل الاعلام والتواصل، تحولت – نتيجة الثورة الرقمية – الى فضاء مفتوح ” لا يقف أمامه حراس”، للتعبير عن وجهات النظر المختلفة، فإن الحوار لا يتم بالشكل المطلوب في غالب الأحيان، في الوقت الذي يمكن لهذه الوسائل التقنية المتطورة، أن تتحول إلى أداة إيجابية وفعالة لتطوير الحوار والنقاش، لعوض أن تتحول هذه الوسائل التكنولوجية إلى أداة  للتواصل الهادف وفرصة لتجذير الحوار والنقاش المسؤول ولكن حولها البعض الى وسيلة لاستجداء النقرات كسبا للمال والشهرة.

 كما تحولت هذه الوسائط، إلى وسيلة لتكريس التفاهة والتسطيح الفكري.

 بيد أنه استدرك بالقول إنه في حال ما إذا توفرت إرادة حقيقية واستراتيجية تواصلية واضحة المعالم، فإن وسائل التواصل بدورها يمكن أن تقوم بأدوار إيجابية خاصة على مستوى التربية على المواطنة وحقوق الانسان واحترام الاختلاف، فضلا عن أن وسائل الاعلام وفي مقدمتها الاعلام العمومي السمعي البصري الذي يمكن أن يشكل قاطرة  للإعلام ، بمقدورها القيام بدور إيجابي، في الارتقاء بمستوى الحوار والنقاش المجتمعي، إذا ما هي تمكنت استعادة زمام المبادرة، ورفع تحديات القرن الواحد والعشرين.

إلا أن الإعلامي جمال المحافظ عبر اعتقاده بأن تردى مستوى الحوار والنقاش حاليا، يرتبط أشد الارتباط بالسياقات العامة على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، التي تتميز حاليا بغياب الثقة نتيجة سلوكيات وممارسات سلبية في الفاعل السياسي والاعلامي، نتيجة سلوكيات وممارسات سلبية، انعكست سلبا على مستوى الحوار والنقاش الذي يعرف نوعا من الاحتقان والانسداد.

وفي الوقت الذي يلاحظ وجود طلب مفرط على وسائل الاعلام والاتصال من مختلف الهيئات وجماعات الضغط، أكد المحافظ، أن هذه الوسائل تحولت غالبيتها وفي كثير من الأحيان إلى وسائط لنشر الشعبوية والتضليل، في حين كان من المفروض فيها المساهمة الإيجابية في اثارة النقاش العمومي وتوسيع دائرة الحوار حول القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بالانفتاح على مختلف وجهات النظر حتى تلك المتعارضة.

وفي الوقت الذي أصبحت هناك إمكانيات هائلة للتواصل، بدون قيود، مع فتح مساحات واسعة للتعبير، لم تكن متوفرة إلى عهد قريب، فإن جمال المحافظ، لاحظ بالمقابل وجود ضعف واضح في مضامين  التواصل وعدم الالتزام بضوابط وأخلاقيات الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر .

وعلى المستوى الصحافي والإعلامي، أشار إلى أن مختلف الأطراف، تكاد تجمع على تراجع منسوب الثقة في وسائل الاعلام التقليدي وتدنى مستوى الاقبال عليها، كما كان عليه الأمر في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، على الرغم  من الإمكانيات الجديدة التي توفرها التكنولوجيا الحديثة .

وعلى مستوى أخلاقيات الصحافة، أوضح المحافظ بأنه لازال سؤالا مؤجلا رغم مبادرات اعداد مواثيق للأخلاقيات، فإنه يسجل اختلالات متزايدة وخرقا للقواعد المتضمنة بهذه المواثيق، ويزيد من تفاقمها التشرذم الحاصل بالجسم الصحافي وهيئاته التمثيلية، وضعف التكوين، وهو ما يساهم فى جعل وسائل الاعلام، قاصرة عن القيام بمهامها في مواكبة القضايا المجتمعية وفق رؤية متجددة تستحضر التحولات العميقة التي يعرفها المشهد على المستويين الوطني والدولي.

وإذا كان الإعلام هو التعبير الموضوعي لتوجهات الجمهور، فأكد بأنه لا إعلام بدون جمهور مستقبل ومتفاعل مع الرسالة الإعلامية وأيضا لا إعلام بدون فتح نقاش عمومي الذي يعد شكلا من أشكال التواصل والتفاعل العام بين الأفراد والجماعات علاوة على أن التنشيط يعد محركا ديناميكيا أساسيا، لكل نقاش جوهري يتوخى طرح القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام.

وخلص جمال المحافظ إلى القول إن المجتمع الديمقراطي، هو ذاك الذي يساهم فيه الإعلام الذي يقدم الخدمة العمومية في توسيع دائرة النقاش المجتمعي، استنادا على قواعد الحرية، والتعددية، والانفتاح على كافة الآراء والأفكار التي تروج داخل المجتمع، مع الايمان بأن الحوار، من بين الدعامات الرئيسة لمعالجة المشاكل المطروحة داخل المجتمع.

Visited 23 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة