الدورة الثانية لمنتدى هانغتشو لحوار الثقافات واختتام مهرجان بكين للشعر الصيني العربي
عبدالحق ميفراني (هانغتشو، بكين)
احتفاء بالذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، وبرعاية من الإدارة العامة للتبادل والتعاون الدولي بوزارة الثقافة والسياحة الصينية، نظم المركز الصيني العربي لدراسات التعاون الثقافي والسياحي فعاليات الملتقى الأول للشعر الصيني العربي وذلك في الفترة الممتدة ما بين 24 نونبر و1 دجنبر في كل من هانغتشو وبكين. ويسعى الملتقى، حسب المنظمين، إلى “تعزيز العلاقات في نسيج الشعر، وجسور التبادل الثقافي بين الصين والعالم العربي، وتعميق التفاهم المتبادل بين الحضارتين، وصياغة “نموذج شامخ للتبادل الثقافي”. وإبراز جماليات الشعر الصيني والعربي، وتعزيز التفاعل العاطفي بين الشعب الصيني والشعوب العربية عبر تذوق الإبداع الشعري“.
تأسيس “مهرجان الشعر الصيني العربي”، كمشروع أدبي مميز، سعى الى إقامة سلسلة من الفعاليات التي تجمع بين روائع الشعر من الصين والعالم العربي، مع تعزيز التعاون الثقافي والفني بين الأدباء والفنانين من الجانبين. “إن الحضارتين الصينية والعربية تُعدان كنوزاً لا تقدر بثمن، ساهمتا في تشكيل ذاكرة الإنسانية وساهمتا بشكلٍ عميق في تقدم المجتمعات البشرية. ويأتي التبادل الأدبي بين الصين والعالم العربي كجسر منير يربط بين العقول والقلوب، ويعزز التفاهم المتبادل بين الشعوب“.
حوار الثقافات في هانغتشو
واحتضنت مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ (شرق الصين)، وبحضور أزيد من 300 مؤتمر (علماء أثار وموسيقيون وكتاب) يمثلون أكثر من 60 دولة، فعاليات الدورة الثانية لمنتدى هانغتشو والذي يسعى الى ترسيخ منصة التبادل والحوار الحضاري والتعايش المشترك. وركزت كلمات الافتتاح، على إرادة المنظمين لخلق منصات للتبادل والحوار وبناء جسور التفاهم الحضاري بين الدول، في محاولة لخلق “طريق الحرير” جديدة للتبادل الثقافي وحماية التراث الإنساني وتجاوز الفجوات وإعطاء مفهوم جديد لتعزيز التنوع الثقافي.
وقدم ممثلي كل من الصين والسلفادور وإيران، تصوراتهم ورؤاهم لصيغ تمديد جسور الحوار، من دفع مجالات التعاون وتبادل الخبرات وإرساء قيم كونية للتعاون الثقافي، والنهل من غنى التراث الثقافي الإنساني وتعزيز روح الابتكار وتقاسم الثروات الرمزية للحضارات. في غياب كلمة تمثل أحد الدول العربية الحاضرة في المنتدى، انتقل المشاركون الى الجلسة الحوارية الأولى، والتي شهدت مداخلات لكل من: الأمريكية جان الين الكسترا، والأكاديمي الصيني زياو هوي، والاسباني روسيو اوفيدو بيريز دوتوليدا، والمتوج بنوبل مو يان. مواضيع متنوعة ترتحل بين التاريخ من خلال الأمراض، والتاريخ من التراث الثقافي، وجاذبية الأدب ودوره المحوري في الحوار، قدرة الكونفوشيوسية، والتي عمرت أكثر من 25 قرن، في التقارب الحضاري بصفتها إحدى “القوى الناعمة” للثقافة الصينية، الى جانب الأدب الأمريكو-لاتيني بواقعيته السحرية وبرموزه الكبار (ماركيز، بورخيس..) وتأثيرات العمولة على وظيفة الأدب اليوم والخوف والارتياب من الحضور المتنامي للذكاء الاصطناعي. وتظل إحدى النقط الأساسية، والتي أثيرت في الجلسة الأولى للمنتدى، هو ما أثاره الكاتب الصيني مو يان، في فقدان الأدب لبريقه تدريجيا في عالم اليوم، علما أن قدرته على خلق جسور التقارب متعددة.
الأدب الجنوبي، أدب الطفل، الخيال العلمي، حوار الثقافات، الترجمة
انتظم اليوم الثاني من فعاليات منتدى هانغتشو، ضمن حلقات وجلسات محورية، همت خصوصا الأدب والترجمة وأدب الطفل والخيال العلمي والشعر والحواري الأدبي الصيني العربي. أكاديميون وخبراء ومثقفون وموسيقيون وشعراء وعلماء أثار، يمثلون جغرافيات ثقافية إنسانية متعددة، تدخلوا من زوايا ورؤى متعددة استقصت بنيات الحوار الممكنة. لكن، توقفت جلها عند الأثر العميق التي أحدثته التحولات المتسارعة اليوم، على وظيفة الأدب والثقافة والمثقف. وتعزيزا لجسور التعاون الثقافي، شكل المنتدى فضاء للحوار والتبادل الحضاري بين الحضارتين الصينية والعالمية، فيما انبرى الكثير من المتدخلين الى فتح نوافذ جديدة في أفق تعزيز هذا الحوار عبر آليات جديدة وممكنة في مواجهة عالم متغير.
الحضارات والتعاون الثقافي، الأدب الجنوبي وسماته، أدب الطفل والخيال العلمي، تعزيز الحفاظ على التنوع التراثي والثقافي العالمي، التعاون الثقافي الصيني العالمي، الإبداع الشعري العربي والتعاون الأدبي الصيني العربي… العديد من الجلسات المحورية، التي شهدتها هانغتشو، ضمن منتداها الثاني. في محاولة لتشكيل قيم مشتركة، وخلق جسور أدبية لترسيخ الحوار وتعميق التقارب الثقافي، الرهان على الأدب كجسر يربط حضارات العالم بالحضارة الصينية، وقدرة الأدب على تجاوز الحدود الجغرافية والحفاظ على التراث الإنساني.
وتظل الترجمة الفضاء الأرحب للكثير من النقاشات وإفراز العديد من تصورات ووجهات النظر، هذا الجسر الجمالي الذي يمثل مصدرا أساسيا للتقارب والحوار وتعزيز العبور “السلس” بين الثقافات، ويثير الشاعر الصيني جانغ إشراقة لامعة، في مقولته أن الشعر يظل الروح السامية للبشرية، فيما يؤشر الروائي الكوري الجنوبي هوانغ سو يونغ عن مقولتي التحرير ووظيفة الأدب من منظور الكاتب، في علاقة حميمية بنصوصه. ومن أسئلة الترجمة الى الرقمنة والذكاء الاصطناعي، تبدو السياقات مختلفة في قدرة الرقمنة على تجاوز الحدود والجغرافيات، مثل الترجمة، لكن الجوهر في الأثر إذ استطاعت أن تخلق مفهوما جديدا للتفاعل، التكنولوجيا في تجاوزها الحدود وتفاعل الثقافات الغربية والشرقية.
لم تتوقف بعض المداخلات عن آليات التوصيف وتحديد سمات آليات الحوار، بل ذهبت بعضها الى انتقاد النظرة الغربية النمطية، والتحيز الاوروبي المركزي في تجاهل الهويات الثقافية الأخرى، والعودة الى اجتهادات الفلسطيني ادوارد سعيد في الاستشراق والمفكر فرانز فانون، في استدعاء لمقولات الاستعمار والغزو الثقافي والحضاري وصدام الحضارات والهويات وإشكاليات الانمحاء، ونظام التوليفة السحرية للسطر الشعري الصيني وجماعة الأليبو الأدبي. تكررت الدعوة الى تجاوز بعض السرديات، في الانتقال الى مفهوم جديد للحوار من خلال المساواة بين الثقافات واهتمام التنوع والتعدد الثقافي والوصول الى القيم الإنسانية المشتركة، ضمن سعي حثيث من المشاركين الى الانتقال بالحوار الى تلمس النقط المشتركة لبلورة مفهوم جديد لآليات التعاون وتعزيز أفق التبادل الثقافي.
الجلسات المحورية لمنتدى هانغتشو شهدت مشاركة العديد من الوجوه الأدبية، والتي تنتمي الى جغرافيات ثقافية متعددة، لعل أبرزها أسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية فيما خصص للعالم العربي جلسة أخيرة همت الحوار الشعري الصيني العربي، لم تكتمل فصولها إلا في المدينة المحرمة في العاصمة الصينية بكين، ضمن فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر الصيني العربي. كان الأفق أن تشكل هانغتشو أوليات النقاش والتقارب، والذي اقتصر على إثارة قضايا “نمطية” تبدو الحاجة الماسة اليوم الى تجاوزها في أفق ترسيخ حوار “فعلي” و”حقيقي” للتقارب بين الثقافتين واللتين تمتلكان عمقا تاريخيا وزخما ثقافيا متعددا.
مهرجان “بكين” الشعري الصيني العربي في دورة تأسيسية
اقتصرت فعاليات بكين على مهرجان الشعر الصيني العربي، انتظم في “المدينة المحرمة” (متحف القصر الامبراطوري التاريخي) والتي تعد أحد أبرز المعالم التاريخية في العاصمة الصينية على مدار 600 عام، وأمست متحفا تاريخيا مفتوحا أمام الزوار منذ 1925. فيما كانت الفنانة المغربية دينا تقدم مقطوعة غنائية بالصينية، في افتتاح حوار شعري موسيقي قدمته فرقة جامعة تشوانتشو للمعلمين برئاسة تشين إهنوي، وعلى آلة العود: هان يو من إذاعة الصين الدولية أونالين، شكل معروض “الحروفيات” إطلالة أخرى لاشتغال فني صيني على قصائد الشعراء المشاركين في الفعاليات.
وشهدت الدورة الأولى التأسيسية، لمهرجان الشعر الصيني العربي، مشاركة الشعراء: عبدالحق ميفراني (المغرب)، عادل الخزام (الامارات)، زكي الصدير (السعودية)، سعيد شحاتة (مصر)، ابراهيم صديقي (الجزائر)، الحارث الخراز (الكويت)، علياء العدوان (الأردن)، منير الويسلاتي (تونس)، صادق جاسم محمد (العراق). فيما حضر من الجانب الصيني، الشعراء: ما وين شيو، تشاو سي (الشاعر والمترجم محرر بمجلة الشعر والمتوج بجائزة وسام كوفاليفسكي للترجمة الأدبية)، جينغ ون دونغ، شو تساي (الحاصل على وسام الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية)، زانغ دي (المتوج ب “جائزة تشانغ ياو للشعر”)، لو جيان، شياو شياو، أويانغ جيانغ خه، جي دي ما جيا (رئيس لجنة الشعر باتحـاد الكتاب الصينيين، يعتبر واحدا من أبرز الشعراء الصينيين المعاصرين وأكثرهم تأثيرا على المستوى الدولي. وتم ترجمة قصائده إلى حوالي أربعين لغة). فيما أشرف شوي تشينغ قوه، أستاذ ومشرف الدكتوراه بجامعة الدراسات الأجنبية بكين) على إدارة النقاش والحوار.
سعى المنظمون، في المركز الصيني العربي لدراسات التعاون الثقافي والسياحي إلى “جعل “مهرجان الشعر الصيني العربي” تقليدا ثقافيا سنوياً يُثري المشهد الثقافي، حيث ستكون انطلاقته في بكين، مع إمكانية تغيير المدينة المضيفة سنوياً لاكتشاف أبعاد التاريخ والتراث الثقافي لمدن مختلفة”. ومن خلال فعاليات المهرجان، سيتم تعميق التفاهم المتبادل بين الشعبين الصيني والعربي، وتعزيز التبادل الثقافي، مما سيساهم في ترسيخ الحوار الحضاري بين الثقافتين، ويعزز القيم المشتركة. والى جانب القراءات الشعرية، والتي قدمت باللغتين الصينية والعربية، في ترجمة حاولت أن تكون نافذة مصغرة على المثن الشعري الغني للضفتين، نظمت جلسة حوارية بين الشعراء لامست مواضيع الحوار والترجمة والأدب الصيني والعربي.
وأكد الشاعر والاعلامي عبدالحق ميفراني، أن الحوار “يحتاج لتغيير الصورة النمطية والتي تشكلت على مدار سنوات، في محاولة للاقتراب من مسافة ال”مابين”، وهي الفضاء الممكن لتأسيس حوار حقيقي شعري وأدبي يسعى لتقاسم الخبرات وتبادل سبل التعاون الثقافي بين الصين والعالم العربي، كما أكد على محورية ومركزية الترجمة في تجسير الهوة بين الثقافتين، داعيا الى تأسيس مركز صيني عربي للترجمة، في أفق التبادل والتعاون ويشكل منصة تفاعلية حقيقية، كما سجل الشاعر ميفراني غياب صوت شعري نسائي كان سيشكل إضافة نوعية وزخما حقيقيا للأصوات الشعرية العربية المشاركة، نظرا لقوة التجربة الشعرية النسائية العربية وتفردها“.
المهرجان شكل خطوة أولية لا يمكنها إلا أن تشكل نواة تأسيسية للحوار، كما يظل المهرجان، في قدرته على الانفتاح على تجارب شعرية مهمة عربية وصينية، مستقبلا، أرضية تنفتح على المستقبل وعلى إفراز سبل التعاون الثقافي وتقريب وجهات النظر وجعل الثقافة (كقوة ناعمة) قادرة على تجسير الهوة بين الحضارات.