مذكرات الخريف: المجلات العربية (1-8)
صدوق نورالدين
كان من بين المجلات العربية التي تعرفت عليها مبكرا، إذ لفتت نظري معروضة على اللوحة الحديدية في دكان الراحل السي عبد الله رضى، أسبوعيتان مصريتان: المصور وآخر ساعة. لم يكن يصل بداية غيرهما مدينة أزمور، علما بأن مجلات لبنانية تصدر حينها : “الأديب” (ألبير أديب)، “الآداب” (سهيل إدريس)، “شعر” (يوسف الخال)، “حوار” (توفيق صايغ). كنا نقرأ خبر صدورها في الصفحات الثقافية للجرائد المغربية دون التمكن من الوصول إليها، اللهم في زياراتي النادرة لمدينة الجديدة التي أقمت فيها تلميذا داخليا ثلاث سنوات. وهو ما أفسح إمكانات التعرف على مجلات كـ “الثقافة العربية” الليبية التي رأس تحريرها الأديب محمد علي الشويهدي، ومن ضمن هيئة تحريرها الناقد رجاء النقاش.
وأذكر أني تلميذ بالسنة الخامسة أدبي نشرت على صفحاتها موضوعا حول الشعر العربي الحديث، فلم يمر شهران حتى بعثوا أول مكافأة تقاضيتها مسحوبة على فرع بنك المغرب بمدينة الجديدة قيمتها (200درهم)، فلم أعرف كيف ألج باب البنك ولا كيف أغادره.
لم يتأت لي متابعة الأسبوعيتين إلا في حالات نادرة، بحكم الظروف المادية. إلا أني في سياق هذه الظروف استطعت تكوين تصور عن الأسبوعيتين. فالمصور صدرت عن دار الهلال في 1924، ويتم الاحتفال بمئويتها هذه السنة 2024 التي أدون فيها مذكرات الخريف، بعد أن أصبحت تابعة لمؤسسة أخبار اليوم.
ما يلاحظ عن المجلة أولا، شكلها الكبير الذي تحتل فيه الغلاف صورة فوتوغرافية بالألوان، وكانت سابقا بالأبيض والأسود. ويتم التركيز ثانيا في الغلاف على الحدث الأبرز الذي تعرفه مصر. كمثال زيارة رئيس دولة ما، أو استحضار ذكرى كوكب الشرق أم كلثوم. ومن الممكن أن يكون الحدث جامعا بين بعدين عربي وعالمي. ويمكن القول ثالثا، بأن المصور تتفرد بشمولية الإحاطة، إذ تجمع بين السياسي، الاجتماعي، الرياضي والثقافي. وكنت حرصت من خلال الأعداد التي تابعتها على قراءة افتتاحيات علي أمين، صالح جودت وأحمد بهاء الدين. هؤلاء الذين تحملوا مسؤولية الإشراف على رئاسة تحرير المجلة.
لم تختلف أسبوعية آخر ساعة كثيرا عن المصور. أسست في 1934 من طرف أمير الصحافة محمد التابعي. جاء الشكل مغايرا، إذ تفردت بالطول حجما، وهو ما سنعاينه لاحقا في المجلة الفلسطينية اليوم السابع وصدرت في باريس تحت مسؤولية الراحل بلال الحسن سنة 1983 ، كما مجلة “وجهة نظر” الصادرة عن دار الشروق بمصر في 1999.
ولعل مما يثير، الطريقة التي كتب بها العنوان، خاصة حرف التاء في كلمة ساعة، إلى كون الأغلفة بمثابة صور فوتوغرافية ملونة، وفي بعض الأعداد القديمة بدا عبارة عن كاريكاتير. ومن بين العناوين البارزة التي تصدرت الأغلفة ما يتسم بالبعد القومي، كمثال “أسرار من مؤتمر الرؤساء العرب” و”الحرب مع إسرائيل”. والفني المثير في العدد الخاص عن السينما، وعثرت عليه بالصدفة في إحدى مكتبات مدينة الجديدة التي تتوافر فيها نماذج من المجلات المصرية واللبنانية القديمة. على أن مما فاتني العثور عليه العدد الذي أفرد للممثلة القديرة فاتن حمامة عقب آدائها دور البطولة في فيلم الحرام رواية القاص والروائي يوسف إدريس. وكانت مجلة آخر ساعة تصدر سنويا عددا تذكاريا متميزا.
وأحب أن أعترف بأن من نبهني لضرورة قراءة كتابات محمد التابعي، الصديق بوشعيب الشوفاني الذي أصدر رواية وحيدة وسمها بـ “من ثقب الباب”.