لبنان بين التصعيد الإسرائيلي والتطورات السورية

لبنان بين التصعيد الإسرائيلي والتطورات السورية

أحمد مطر

       لبنان اليوم أمام خطرين داهمين الاحتلال الإسرائيلي جنوباً، والتطورات العسكرية السورية شرقاً وشمالاً ولبنان في حالة غيبوبة متفاقمة، بسبب الشلل الذي يضرب شرايين المؤسسات الدستورية والخلافات المستحكمة بين الأطراف السياسية، التي تحول دون التوصل إلى توافق حول الحلول الوطنية الإنقاذية.

عيون اللبنانيين شاخصة هذه الأيام إلى متابعة تطورات المعارك المتسارعة في سوريا، وإحتمالات تداعياتها على لبنان، في الوقت الذي ما زالت ممارسات الإحتلال الإسرائيلي في القرى الجنوبية الأمامية، تثير الكثير من القلق على عودة الأهالي إلى بيوتهم في المنطقة، بعد عمليات الجرف المتعمدة للمنازل والبنية التحتية والأراضي الزراعية.

وكالعادة، عمد العدو الإسرائيلي إلى الاستفادة من النيران المشتعلة في سوريا، وانشغال أطراف إقليمية ودولية بمسارها، بتعزيز مواقعه في القرى الجنوبية المحتلة، وفرض أمر واقع جديد، لم يتمكن من تحقيقه إبان المعارك العسكرية، ليس لتقوية أوراقه في جولات التفاوض عبر اللجنة الخماسية وحسب، بل وإيضاً بمحاولة مكشوفة لإقامة منطقة منزوعة من السلاح، وخالية من السكان، على حساب تدمير القرى الحدودية اللبنانية، ونسف كل إمكانيات عودة الحياة إليها.

ومع انفراج اسارير اللبنانيين مع قرار وقف اطلاق الناروالعمليات الحربية العدوانية من الجانب الإسرائيلي حتى عادت موجات القلق إلى الأجواء من جديد، مع إستمرار الخروقات الإسرائيلية جواً وبراً من جهة، والرد الصاروخي من قبل حزب الله من جهة ثانية، وإندلاع الأحداث الميدانية المفاجئة في سوريا من جهة ثالثة.

وعلى ضوء التفاهمات التي حصلت اثناء عمليات التفاوض من اجل وقف اطلاق النار حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري التاسع من شهر كانون الثاني المقبل، موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية، بعد طول انتظارمسقطاً كل الشروط المسبقة التي تذرع بها ، لتحديد موعد للانتخابات، كاجراء حوار مسبق بين الاطراف السياسيين، او انتهاء حرب غزّة، كما طالب بذلك حزب لله مراراً، أو فرض تسمية رئيس فرضاً لا يطعن المقاومة في ظهرهاً ، وغيرها من الشعارات والعناوين، التي لا تقنع أكثرية اللبنانيين، ولكنها تهدف إلى تعطيل الانتخابات.

ما هي الأسباب التي دفعت رئيس المجلس النيابي، لتحديد موعد إجراء الانتخابات، بمعزل عن شرط إجراء حوار يسبق الانتخابات.

هناك من يعتبر أن تداعيات الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، والمستمرة منذ أكثر من سنة، والدمار الحاصل على كل المستويات، والانهيار الذي يهدد لبنان كله، واستجابة لمطالب الاطراف السياسيين والخارج، كل هذه الأسباب دفعت رئيس المجلس النيابي، لتحديد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، مع إعطاء الوقت الكافي لإجراء التفاهمات والتحالفات، بين الأطراف السياسيين، للذهاب إلى الجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، لأنه لم يعد مقبولا أن يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية، لكي يتولى القيام بدوره لإعادة تفعيل السلطة، وانتظام عمل المؤسسات، والنهوض بالدولة، والمباشرة مع الحكومة التي يتم تشكيلها، في حل الأزمات والمشاكل التي تعصف بلبنان حاليًا.

ولكن بالمقابل هناك من يعتبر أن تحديد بري موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية، لا ينفصل عما حصل في التفاهمات الإقليمية والدولية، وخصوصا مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والدول الخليجية والتي جرت مؤخرا، وأسفرت عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب لله، والتأكيد على الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن، لكي يتم انتخاب رئيس للجمهورية يستطيع مواكبة، مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، ولاسيما مسار المفاوضات لحل مشاكل الحدود الجنوبية مع إسرائيل، ويتولى مع الحكومة الجديدة، تنسيق الجهود، للنهوض المالي والاقتصادي والمعيشي، وإعادة إعمار ما هدمته هذه الحرب.

 مهما يكن، تخطى بري هذه الذرائع مرة واحدة، وتجاوب مع الدعوات المحلية والخارجية، لتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية، أكان ذلك نابع عن قناعة ذاتية أو بفعل ضغوطات خارجية، ووضع جميع الاطراف السياسيين أمام مسؤولياتهم، لاسيما منهم المطالبين بالتزام الدستور لإجراء الانتخابات الرئاسية، وقطع الطريق أمام المزايدين الذين يتلطون وراء الشروط والمطالب المسبقة وهم في الحقيقة، لا يريدون اجراء الانتخابات الرئاسية.

وإذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها، وتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد المحدد له، بمعزل عن أي مفاجآت غير متوقعة، تكون هذه الانتخابات الرئاسية التي تجري، لأول مرة منذ سنوات، بمعزل عن ترهيب سلاح حزب الله، خلافا لما كان يحصل في الانتخابات الرئاسية السابقة.

ختامًا، الوضع في لبنان يُعتبر في غرفة العناية الفائقة، بسبب الاهتزازات المتزايدة لاتفاق وقف النار، والتي وصلت إلى حد عودة الغارات الإسرائيلية على العديد من القرى الجنوبية والبقاعية، والقصف الصاروخي لحزب الله لموقع إسرائيلي في مزارع شبعا، إلى جانب إندلاع النار في سوريا من جديد، ومخاطر وصول لهيبها إلى لبنان، بشكل أو بآخر.

بلد الأرز يلملم جروح الحرب الأخيرة، وغير قادر على تحمل بقائه ساحة لتصفية حسابات الآخرين على أرضه.

Visited 46 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني