ما الذي ينتظر فرنسا؟ وهل نجح ماكرون بكسر الجبهة الشعبية؟
سمير سكاف
لم تتغير الخارطة السياسية في فرنسا، ولن تتغير لا قبل حل المجلس النيابي المنتظر بعد أشهر، ولا حتى بعده. وإذا كانت هذه الخارطة لن تتغير كثيراً بعد حل المجلس النيابي بعد أشهر، إذا ما حصل، فإن ذلك يعني أن ظروف الحكومة الجديدة لن تتغير كثيراً عن ظروف الحكومة المستقيلة.
ما يعني أن عمر الحكومة الجديدة قد يكون قصيراً، وإن كان لن يكسر الرقم القياسي السلبي، بـ 3 اشهر فقط، لأقصر حكومة في تاريخ فرنسا الحديث لحكومة ميشال بارنيه المستقيلة. ومع ذلك، فمعظم الأحزاب اليمينية واليسارية تسعى للاستقرار!
“الوسطي” فرنسوا بايرو أصبح رئيس الحكومة الفرنسية المكلف بعد مخاض صعب صباح اليوم في قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بايرو كان أول وأبرز مؤيدي ماكرون، المرشح الجديد والقليل الخبرة آنذاك لرئاسة الجمهورية. وهو لعب دوراً أساسياً في وصوله لسدة الرئاسة.
بايرو، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، هو صاحب خبرة سياسية كبيرة، شغل فيها مناصب وزارية ونيابية ومحلية… وهو يأتي من الوسط “غير المرفوض” من الأحزاب السياسية الفرنسية من كافة الأطراف.
حزب فرنسا الأبية، بزعامة جان لوك ميلينشون، سيصوت بالتأكيد على حجب الثقة من جديد عن حكومة بايرو بعد تشكيلها. وهو سيحاول إقناع باقي أحزاب الجبهة الشعبية بذلك. ولكن من المتوقع أن تتعاون الأحزاب الثلاثة الأخرى للجبهة مع بايرو. ما يعني نجاح ماكرون بـ “كسرها“!
في حين أن التجمع الوطني لن يصوت، حالياً على الأقل، على حجب ثقة جديد للحكومة! فزعيمته مارين لوبين تقبل بفرنسوا بايرو رئيساً للحكومة، لأنه بالنسبة لها الأكثر اعتدالاً تجاه حزبها بين من كانوا “مرشحين” لرئاسة الحكومة. وبالتالي، ستتركه يعمل من دون إقلاقه بحجب ثقة جديد… حتى إشعار آخر!
بطاقة مفتوحة من الرئيس ماكرون لبايرو بتشكيل حكومة عريضة التمثيل، تذهب من اليمين التقليدي، أي مع الجمهوريين، وصولاً الى اليسار التقليدي، أي الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وأحزاب الخضر، مروراً بالوسطيين طبعاً في تجمع الأحزاب الرئاسي المقرب من ماكرون. مع شرط عدم إشراك، لا فرنسا الأبية ولا التجمع الوطني فيها!
بايرو يصل الى رئاسة الحكومة بعد 7 سنوات مما كان يتوقعه، أي بعد فوز ماكرون في الرئاسة في ولايته الأولى. ومهمته لن تكون صعبة في البداية، بشرط الحفاظ على رضى مارين لوبين وبقبول ثلاثي الجبهة الشعبية بالتعاون معه. وهو الذي كان أعلن في السابق انفتاحه على الأحزاب اليسارية خلال ترشيحه لرئاسة الجمهورية.
فهل تتخطى الحكومة الجديدة عقدة حل المجلس النيابي من جديد؟ وهل ينجح ماكرون بعدم حل المجلس لاحقاً؟ أمور صعبة تكهنها منذ الآن. إلا أن الأكيد أن فرنسا سيصعب حكمها خلال الاشهر الثلاثين المقبلة، أي حتى نهاية ولاية ماكرون، ومجيء رئيس جديد للجمهورية!
ففي الواقع، ما يحكم فرنسا حالياً هو الطموحات الرئاسية وليس خلافات على المشاريع والقوانين، على الرغم من عدم التوافق على قانون الموازنة وسياساته!
ومع ذلك، فإن بايرو، الذي يتوج مسيرته السياسية، هو أفضل من يستطيع في فرنسا حالياً تأمين استقرار سياسي في جو هو مزيج من العواصف ومن الغرق المالي بالعجز والديون.
إن صعوبة النجاح للحكومة الجديدة هائلة. ولكن نجاح بايرو، في حال حصوله، ولو بهامش صغير جداً، يفتح له الباب لاحقاً كمرشح رئاسي جدي في العام 2027!
المشكلة الفرنسية المالية أصبحت أكبر من جميع الأفرقاء السياسيين مجتمعين. وفرنسا ما تزال تبحر في بحر هائج، وعواصف كثيرة ما تزال تنتظرها.