الحكومة اللبنانية ومسيرة فك العقد المكبلة

أحمد مطر
بدأ ت حكومة العهد الأولى رحلتها من قصر بعبدا، بعد اجتماعها الأول وأخذ الصورة التذكارية الرسمية وتأليف اللجنة الوزارية لصياغة مسودة البيان الوزاري، الذي سترفعه في وقت قريب، إلى مجلس الوزراء لمناقشته وإقراره، ومن ثم المثول أمام مجلس النواب لنيل الثقة على أساسه وفق الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، التي تقول انه على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة.
السؤال الأساس اليوم من أين تبدأ الحكومة الجديدة مهماتها، كل شيء أولوية في برنامجها الحافل، بدءا من متابعة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في الثامن عشر من الشهر الجاري، والانكباب على تنفيذ القرار الدولي رقم 1701، والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية، والنهوض بمستوى عيش المواطنين، مكافحة الفساد المستشري بالإدارات والمؤسسات العامة، وحل أزمة المصارف، معالجة خراب ودمار العدوان الإسرائيلي واستقطاب المساعدات والقروض اللازمة، لمساعدة المنكوبين وللمباشرة بإعادة الإعمار، إطلاق ورشة النهوض بقطاع الكهرباء، وتأهيل شبكات مياه الشفه والصرف الصحي، التشدد في ضبط الوضع الأمني مكافحة الفلتان الأمني وانتشار السلاح الفردي، ضبط حركة المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، معالجة مشكلة النازحين السوريين المتفاقمة وتداعياتها الامنية، وتنظيم سير قطاع الدراجات النارية الفوضوي الخارج عن السيطرة، والذي بات يهدد أمن المواطن وسلامته في حياته اليومية.
هناك أولوية مطروحة حاليا، وهي الاستمرار في ملاحقة موضوع الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي تحتلها إسرائيل في الجنوب، وهي مسألة ضاغطة على الدولة اللبنانية، وتأخير إتمام هذا الانسحاب في الموعد المحدد، لأي سبب كان، ينعكس سلبا على انطلاقة العهد والحكومة الجديدة معا، وهذا يتطلب القيام بجهود ومتابعة حثيثة، مع الدول الفاعلة والصديقة، للضغط واستكمال الانسحاب الإسرائيلي بشكل كامل من الأراضي اللبنانية. وكما هو معلوم فان المعضلة الكبيرة في البيان الوزاري هي تحديد موقف لبنان من مسألة حصرية السلاح التي ركّز عليها خطاب القسم، ومصير ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة. وتؤكد المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر، إن الحكومة ستتجاوز هذا المطب من خلال ابتداع صيغة معينة ترضي كل الأطراف، لأن ما من طرف سياسي مستعد أن يتحمّل وزر عرقلة إقرار البيان الوزاري، الذي ربما يكون جاهزاً خلال أيام قليلة.
كذلك الأمر بالنسبة لباقي الامور والمواضيع الأخرى، لحل مشاكل وأزمات الانهيار المالي، ومساعدة المتضررين والمنكوبين من الاعتداءات الإسرائيلية على كل الأراضي اللبنانية وتحديدا في الجنوب، كلها أولوية، لا تحتمل التأجيل أو المماطلة، ومن دون توفير مناخ الثقة والطمأنينة، من خلال إجراء الإصلاحات الضرورية ومكافحة الفساد والمفسدين، وإعادة الاعتبار والثقة لقطاع المصارف، من الصعب تأمين المساعدات المالية والقروض اللازمة مباشرة هذه العملية.
كل هذه المواضيع مرتبطة ببعضها البعض تقريبا، وتقديم بعضها على الآخر، ينطلق من ملامستها مصلحة المواطن. هناك من يعتقد أنه بإمكان الحكومة المباشرة ضمن البرنامج، بإيلاء كل موضوع الاهتمام والمتابعة المطلوبة، انطلاقا من اختصاص كل وزير من الوزراء، بالتوازي بين هذه المواضيع، أو بتقديم موضوع على الآخر، حسب الضرورة والأهمية، وعلاقته بمصالح المواطنين ومصلحة البلاد العليا.
وبهذه الآلية يمكن مقاربة هذه الأولويات، وضمان وضعها على سكة الاهتمام والمتابعة اللازمة، ووضع الحلول المناسبة لها، لاسيما وأن بعضها يتطلب قرارات عن مجلس الوزراء، وتشريعات عن المجلس النيابي، لوضعها موضع التنفيذ العملي، وهذا يستغرق وقتا ليس بقصير.
ختامًا كثيرة هي التحديات والاستحقاقات التي تنتظر حكومة العهد الأولى، إنما أبرزها الملف الأمني المتمثل بتطبيق القرار 1701، وضمان خروج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان قبل مهلة 18 من فبراير، في مقابل سحب السلاح غير الشرعي على كامل التراب اللبناني، وليس فقط جنوب الليطاني، كما نص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024، والذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
يضاف إلى ما ذكر أعلاه، عملية إعادة الإعمار بعد الحرب الأخيرة المدمرة، وضع خطة إصلاحية للنهوض بالاقتصاد اللبناني، معالجة مسألة الودائع العالقة في المصارف اللبنانية بعد أزمة عام 2019، وغيرها الكثير.