الوقت العصيب بين غزة وإسرائيل
![الوقت العصيب بين غزة وإسرائيل](https://assoual.com/wp-content/uploads/2025/02/La-periode-difficile-entre-Gaza-et-Israel.jpg)
عقيل وساف
بعد لحظات عصيبة مر بها مشروع الصفقة، فهل نتوقع أن يكون السبت منطلقًا لإتمام المرحلة الأولى بين غزة وإسرائيل؟
قد تمثل هذه الانفراجة خطرًا كبيرًا، يشبه المشي على حافة الهاوية بالمعنى الحرفي، فقد كادت أن تؤدي إلى عودة القتال، سواء بالشكل السابق أو بشكل أقل حدة، كما كادت أن تعصف بالاتفاق بالكامل. ولكن جهود الوسطاء السريعة والكفيفة حالت دون ذلك، ومن المتوقع أن يكون هناك تبادل طبيعي يوم السبت.
إلا أن ما زاد الطين بلّة هو التصريحات العديدة التي أطلقها الرئيس الأمريكي، والتي وضعت الاتفاق كله على شفير الهاوية، وجعلت مسار الحرب برمته في خطر بالغ. لذا، من الضروري إلزام جميع الأطراف بهذا الاتفاق والتأكيد على متابعته بدقة، وإلا فإن أزمة الحرب والصراع ستعود مجددًا. فإن أي إخلال أو عدم التزام بالبروتوكول الإغاثي قد يعيدنا يوم السبت المقبل إلى نفس المعضلة التي نشهدها حاليًا، مثل تأجيل إرسال الوفود التفاوضية الإسرائيلية. بالتالي، قد نكون أمام حالة توتر أخطر بكثير من التوتر السابق. ولذلك، لا بد من محاولة معالجة هذا الصدع وإدراك خطورة الموقف قبل أن يتفاقم، حتى لا ندفع بالوضع إلى مزيد من التصعيد.
من المهم أيضًا أن نفهم أن التصريحات القوية والصاخبة التي أُطلقت خلال الأيام الماضية لا تعني بالضرورة نهاية الاتفاق، ولا تعني أن الأمور قد خرجت عن السيطرة. بل على العكس، هناك فرصة لأن تتلاشى هذه التهديدات عندما تصطدم بجحيم الواقع. فبدون خطة حقيقية تحظى بقبول إسرائيلي وفلسطيني، سيحاول أحد الطرفين إفشالها. والسؤال هنا: هل يمكن الآن فهم كلمة السر التي حرّكت المشهد إسرائيليًا؟
نعم، وبطبيعة الحال، هذه نقطة مهمة جدًا. يبدو أن بنيامين نتنياهو، وفقًا لقناعاته، لا يعتقد أنه يتخذ قرارات خاطئة. فإذا كان قراره صائبًا، فهو يعتبره ممتازًا، وإذا كان خاطئًا، فإنه يجد له المبررات. هذا هو نهج نتنياهو في تفكيره السياسي.
في الداخل الإسرائيلي، يدور الحديث حول المرحلة الثانية من الصفقة، لكن الضجيج كله يتركز على يوم السبت، وما إذا كان سيشهد تسليم أسرى أم لا. بمعنى آخر، تمكن بنيامين نتنياهو من كسب أسبوع آخر من المماطلة أمام الرأي العام الإسرائيلي، دون التورط في تفاصيل المرحلة الثانية من الصفقة. هذا هو المكسب الأول الذي حققه نتنياهو، حيث يسعى إلى تحويل هذه الصفقة إلى صفقة استسلام، وليس مجرد تبادل أسرى.
هناك محاولات مستمرة لكسب مزيد من الوقت، وربما لقلب الصفقة رأسًا على عقب. ومن المتوقع أن نشهد خلال الساعات المقبلة استجابة إسرائيلية لمطالب البروتوكول الإنساني. ومن المثير للاهتمام أن تصريحات الرئيس الأمريكي كانت حادة، إذ طالب حماس بتسليم جميع الأسرى الإسرائيليين قبل الساعة الثانية ظهرًا يوم السبت، لكن بعد أقل من 12 ساعة، شهدنا انفراجة في الاتفاق، مما يدل على أن التصريحات تسير في اتجاه، بينما الاتفاق يسير في اتجاه مختلف تمامًا.
في كثير من الأحيان، يكون التصعيد الإعلامي أكبر بكثير من الواقع الفعلي في المفاوضات. لكن يبدو أن جميع الأطراف متمسكة بهذه الصفقة، فالإسرائيليون والأمريكيون يريدون استعادة الأسرى بشدة. وإذا خُيّر نتنياهو بين تلبية رغبة المجتمع الإسرائيلي في استعادة الأسرى أو تنفيذ ما يطمح إليه ترامب في تصريحاته الإعلامية، فمن الواضح أنه سيختار ما يريده المجتمع الإسرائيلي أولًا.
نحن نتحدث عن غالبية المجتمع الإسرائيلي التي تطالب بعودة الأسرى. وبعد تحقيق ذلك، قد يحدث ما يحدث في المرحلة الثانية، لكن الأهم الآن هو نجاح المرحلة الأولى. وعندما يحين وقت الحقيقة، قد نجد أن المرحلة الثانية غير موجودة أصلًا، لأن إسرائيل لم ترسل وفدها التفاوضي بعد، وعندها سيصبح الوقت ضيقًا للغاية. وهذا قد يشكل نقطة قوة للوفد الفلسطيني في المفاوضات.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن ملف الأسرى أصبح عبئًا على الحكومة الإسرائيلية، وأصبح يشكل أزمة متزايدة. هذه الحكومة تسعى لاستمرار الحرب، ليس فقط في غزة، ولكن أيضًا في الضفة الغربية والشرق الأوسط ككل. وبالنظر إلى هذه القناعات، فقد يكون هناك توجه للتخلي عن هذا الملف بأي ثمن.
إسرائيل تحاول الهروب من هذا الملف وتقليص فجوات التسليم إلى ما بعده، كما تحاول وضع العقبات أمام تنفيذ الصفقة، ليس بشكل مباشر، ولكن من خلال رؤية وخارطة طريق تسعى لترجمة هذه الصفقة لصالحها. في نوفمبر الماضي، كانت تصريحات الحكومة الإسرائيلية واضحة، إذ أكدت أن “اليوم التالي للحرب يجب أن يكون يومًا إسرائيليًا، ويوم السيادة الإسرائيلية من البحر إلى النهر”، وهو المشروع الأهم والأكبر بالنسبة لهم.
في النهاية، يبدو أن الأسرى باتوا عقبة يجب التخلص منها بأي ثمن، وإذا اضطرت إسرائيل لدفع هذا الثمن، فستحاول استغلال الصفقة لتحقيق مكاسب سياسية، وتحويلها إلى اتفاق استسلام لحماس. وهنا يأتي دور الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية القادمة في تحديد مسار هذه التطور.